صفحة جزء
ويعتبر لها شيئان : الصلاح في الدين ، وهو أداء الفرائض واجتناب المحارم ، وهو أن لا يرتكب كبيرة ، ولا يدمن على صغيرة ، وقيل : أن لا يظهر منه إلا الخير ، ولا تقبل شهادة فاسق ، سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد ، ويتخرج على قبول شهادة أهل الذمة قبول شهادة الفاسق من جهة الاعتقاد المتدين به ، إذا لم يتدين بالشهادة لموافقه على مخالفه ، وأما من فعل شيئا من الفروع المختلف فيها فتزوج بغير ولي ، أو شرب من النبيذ ما لا يسكره ، أو أخر الحج الواجب مع إمكانه ونحوه ، متأولا فلا ترد شهادته ، وإن فعله معتقدا تحريمه ردت شهادته ، ويحتمل أن لا ترد .


( ويعتبر لها شيئان : الصلاح في الدين ، وهو أداء الفرائض ) بشروطها ، زاد في " المستوعب " وغيره : بسننها .

وذكر القاضي والسامري والمجد : والسنة الراتبة ، وأومأ إليه ؛ لقوله فيمن يواظب على ترك سنن الصلاة : رجل سوء .

ونقل أبو طالب : والوتر سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ترك سنة من سننه فهو رجل سوء ، وأثمه القاضي .

قال في الفروع : ومراده لأنه لا يسلم من ترك فرض ، وإلا فلا يأثم بسنة ( واجتناب المحارم ) لأن من أدى الفرائض ، واجتنب المحارم ، عد صالحا عرفا ، فكذا شرعا ( وهو ) أي : اجتناب المحارم ( أن لا يرتكب كبيرة ، ولا يدمن على صغيرة ) على المذهب ؛ لأن اعتبار اجتناب كل المحارم يؤدي إلى ألا تقبل شهادة أحد ؛ لأنه لا يخلو من ذنب ما .

لقوله تعالى : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم [ النجم : 32 ] مدحهم لاجتنابهم ما ذكر ، وإن كان وجد منهم صغيرة .

ولقوله عليه السلام : إن تغفر اللهم تغفر جما ، وأي عبد لك لا ألما أي : لم يلم .

وقد أمر الله تعالى أن لا تقبل شهادة القاذف وهي كبيرة ، فيقاس عليه كل [ ص: 221 ] مرتكب كبيرة ، ولأن من لم يرتكب الكبيرة وأدمن على الصغيرة لا يعد مجتنبا للمحارم ، وفي " الكافي " : إن الاعتبار في الصغائر بالأغلب ؛ لأن الحكم له ، لقوله تعالى : فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون [ الأعراف : 8 ] وقيل : ولا تكرر منه صغيرة ، وقيل : ثلاثا ، وفي الخبر الذي رواه الترمذي : لا صغيرة مع إصرار ، ولا كبيرة مع استغفار .

والكبيرة : نص أحمد أن ما فيه حد في الدنيا ، كالشرك بالله وقتل النفس الحرام ، أو وعيد في الآخرة ، كأكل الربا .

وعنه : فيمن أكل الربا إن أكثر لا يصلى خلفه ، قال القاضي وابن عقيل : فاعتبر الكثرة وعقوق الوالدين المسلمين .

والصغيرة كنظر محرم ، واستماع كلام الأجنبيات لغير ضرورة ، والنبز باللقب ، والتجسس .

وفي " الفصول " : والغيبة ، و " المستوعب " : الغيبة والنميمة من الصغائر ، وعكسه في " الرعاية " وغيرها ، والكذب من الصغائر .

وعنه : ترد بكذبة ، وهو ظاهر " المغني " ، اختاره الشيخ تقي الدين ، كشهادة الزور ، وكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، ورمي فتن ونحوه .

ويجب أن تخلص به مسلم من القتل ، ويباح لإصلاح وحرب وزوجة .

وقال ابن الجوزي : وكل مقصود محمود لا يتوصل إليه إلا به ، وهو التورية [ ص: 222 ] في ظاهر ، نقل حنبل ، وفي " معتمد القاضي " : معنى الكبيرة أن عقابها أعظم ، والصغيرة أقل ، ولا يعلمان إلا بتوقيف .

وقال ابن حامد : إن تكررت الصغائر من نوع أو أنواع ، فظاهر المذهب : تجتمع وتكون كبيرة ، وفي كلام بعض الأصحاب ما يخالفه .

قال أحمد : لا تجوز شهادة قاطع الرحم ، ومن لا يؤدي زكاة ماله ، وإذا أخرج في طريق المسلمين الأسطوانة ، ولا يكون ابنه عدلا إذا ورث أباه حتى يرد ما أخذ من طريق المسلمين ( وقيل : أن لا يظهر منه إلا الخير ) لأن ما تقدم ذكره في نفس الأمر فيه مشقة وحرج ، وذلك منتف شرعا .

وفي " الرعاية " : وهي فعل ما يجب ويستحب ، وترك ما يحرم ويكره ، ومجانبة الريب والتهم ، وملازمة المروءة .

( ولا تقبل شهادة فاسق ) لما تقدم ( سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد ) .

أما من جهة الأفعال كالزنى والقتل ونحوها ، فلا خلاف في رد شهادته .

وأما من جهة الاعتقاد ـ وهو اعتقاد البدعة ـ فوجب رد الشهادة ؛ لعموم النصوص .

قال أحمد : ما تعجبني شهادة الجهمية والرافضة والقدرية المغالية .

وذكر السامري وابن حمدان وغيرهما : أنه لا تقبل شهادة من فسق ببدعة [ ص: 223 ] أو كفر بها ، كالقائلين بخلق القرآن ، وبنفي القدر ، والمشبهة والمجسمة ، والجهمية ، واللفظية والواقفية .

وذكر ابن البنا في تكفير من سب الصحابة والسلف من الرافضة ، ومن سب عليا من الخوارج : خلافا ، والذي ذكره القاضي عدم التكفير .

وفي " الرعاية " : في تكفير من قال : إن الله لم يخلق المعاصي ، وتكفير الخوارج والواقفية ، وتكفير من حكمنا بكفره روايتان .

ومن قلد في خلق القرآن ونفي الرؤية ونحوها فسق ، اختاره الأكثر ، وظاهر كلامه أنه يكفر كمجتهدهم الداعية .

وعنه : فيه لا ، اختاره المؤلف في رسالته إلى صاحب التلخيص ؛ لقول أحمد للمعتصم : يا أمير المؤمنين ( ويتخرج على قبول شهادة أهل الذمة قبول شهادة الفاسق من جهة الاعتقاد المتدين به ، إذا لم يتدين بالشهادة لموافقه على مخالفه ) قاله أبو الخطاب . كالخطابية ؛ لأنه أحسن حالا من الكافر ، فإذا قبلت شهادته كان قبول قول الفاسق من جهة الاعتقاد المتدين به أولى .

وعنه : جواز الرواية عن القدري إذا لم يكن داعية ، فكذا الشهادة .

وجوابه : أنه أحد نوعي الفسق ، أشبه الآخر ( وأما من فعل شيئا من الفروع المختلف فيها ) بين الأئمة خلافا شائعا ، ذكره في " المستوعب " [ ص: 224 ] و " الرعاية " ( فتزوج بغير ولي ، أو شرب من النبيذ ما لا يسكره ، أو أخر الحج الواجب مع إمكانه ونحوه ) كما لو أخر الزكاة مع إمكانه ( متأولا ) أو مقلدا كتأول ( فلا ترد شهادته ) قدمه السامري وابن حمدان ، وجزم به في " المحرر " و " الوجيز " ؛ لأن الاختلاف في الفروع رحمة للعباد ، والتأويل فيها سائغ جائز ، بدليل اختلاف الصحابة ومن بعدهم ، ولم يعب بعضهم على بعض ولم يفسقه ؛ لأنه فعل ما له فعله ، أشبه المتفق عليه ، وعنه : يفسق متأول لم يسكر من نبيذ ، اختاره في " الإرشاد " و " المبهج " كحده ؛ لأنه يدعو إلى المجمع عليه ، وللسنة المستفيضة .

وعنه : أجيز شهادته ، ولا أصلي خلفه ، ونقل حنبل : المسكر خمر ، وليس يقوم مقام الخمرة بعينها ، فإن شربها مستحلا قتل ، وإن لم يجاهر ولم يعلن ولم يستحلها حد ، وهو الأشهر فيه .

وعنه : إن أخر الحج مع قدرته عليه فسق ، وحملها القاضي على اعتقاد تحريم التأخير .

فأما إن اعتقد الجواز فلا ، صححه في " الرعاية " ، وكذا حملها في " الشرح " .

ثم قال : وقيل : ترد ، ثم استدل بقول عمر : ما هم مسلمين ( وإن فعله معتقدا تحريمه ردت شهادته ) نص عليه ، زاد في " الشرح " : إذا تكرر ؛ لأنه فعل ما يعتقد تحريمه ، أشبه فعل المحرم إجماعا ( ويحتمل ألا ترد ) كالمتفق على حله ، ولأن [ ص: 225 ] لفعله مساغا في الجملة .

وفي " الإرشاد " : إلا أن يجيز ربا الفضل ، أو يرى الماء من الماء لتحريمهما الآن ، وذكرهما الشيخ تقي الدين : ما خالف النص من جنس ما ينقض فيه حكم الحاكم .

وفي " التبصرة " : فيمن تزوج بلا ولي ، أو أكل متروك التسمية ، أو تزوج بنته من الزنى ، أو أم من زنى بها ، احتمل أن ترد .

تنبيه : من أخذ بالرخص فسق ، نص عليه ، وذكره ابن عبد البر إجماعا .

وقال الشيخ تقي الدين : كرهه العلماء ، وذكر القاضي : غير متأول ولا مقلد ، ويتوجه تخريج ممن ترك ركنا أو شرطا مختلفا فيه : لا يعيد في رواية ، ويتوجه تقيده بما لم ينقض فيه حكم حاكم ، وقيل : لا يفسق إلا العالم ، ومع ضعف الدليل بمذهب معين ، وامتناع انتقاله عنه إلى غيره في مسألة ، ففيها وجهان ، وعدمه أشهر .

ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب ، فإن تاب وإلا قتل ، قاله الشيخ تقي الدين . قال : واختلف في دخول الفقهاء في أهل الأهواء ، فأدخلهم القاضي ، وأخرجهم ابن عقيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية