صفحة جزء
[ ص: 242 ] باب موانع الشهادة .

ويمنع قبول الشهادة خمسة أشياء : أحدها : قرابة الولادة ، فلا تقبل شهادة والد لولده وإن سفل ، ولا ولد لوالده وإن علا ، في أصح الروايات .

وعنه : تقبل فيما لا يجر به نفعا غالبا ، نحو أن يشهد أحدهما لصاحبه بعقد نكاح ، أو قذف ، وعنه : تقبل شهادة الولد لوالده ، وتقبل شهادة بعضهم على بعض ، في أصح الروايتين ، ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه في إحدى الروايتين ، ولا تقبل شهادة السيد لعبده ، ولا العبد لسيده ، وتقبل شهادة الأخ لأخيه ، وسائر الأقارب والصديق لصديقه ، المولى لعتيقه .


باب موانع الشهادة .

الموانع : جمع مانع ، وهو اسم فاعل من منع الشيء إذا حال بينه وبين مقصوده ، فهذه الموانع تحول بين الشهادة ومقصودها ، فإن المقصود منها قبولها والحكم بها ( ويمنع قبول الشهادة خمسة أشياء ) يأتي عدها ( أحدها : قرابة الولادة ) وهي بمعنى لا تقبل لعمودي نسبه ( فلا تقبل شهادة والد لولده وإن سفل ) من قبيل البنين والبنات ( ولا ولد لوالده وإن علا ، في أصح الروايات ) نقله الجماعة عنه ، وسواء في ذلك الآباء والأمهات ، وآباؤهما وأمهاتهما ، وذكر الترمذي : أنه قول أكثر أهل العلم .

لما روى الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ، ولا ذي غمر على أخيه ، ولا ظنين في قرابة ولا ولاء ، وفي إسناده يزيد بن زياد ، وهو ضعيف ، قال الترمذي : لا يصح عندنا من قبل إسناده ، ورواه الخلال بنحوه من حديث عمر وأبي هريرة . والظنين : المتهم ، وكل منهما متهم في حق صاحبه ؛ لأنه يميل إليه بطبعه ، بدليل قوله عليه السلام : فاطمة بضعة مني ، يريبني ما أرابها وسواء اتفق دينهما أو اختلف .

لكن قال القاضي وأصحابه والمؤلف وصاحب " الترغيب " : لا من زنى [ ص: 243 ] ورضاع فإنها تقبل لعدم وجوب الاتفاق والصلة ، وعتق أحدهما على صاحبه ، والتبسط في المال ( وعنه : تقبل فيما لا يجر به نفعا غالبا ، نحو أن يشهد أحدهما لصاحبه بعقد نكاح أو قذف ) لأن كل واحد منهما لا ينتفع بما يحصل للآخر ، فتنتفي التهمة عنه في شهادته .

قال في " الفروع " : كشهادته له بمال وكل منهما غني ؛ لأنه لا تهمة في حقه لعدم وجوب النفقة ( وعنه : تقبل شهادة الولد لوالده ) لدخوله في العموم ( ولا تقبل شهادة الوالد لولده ) لأن مال ابنه كماله للخبر ، فكانت شهادته لنفسه ، ونقل حنبل : تقبل مطلقا ، ذكرها في " المبهج " و " الواضح " ؛ لأنهما عدلان فيدخلان فيه ، روي ذلك عن عمر وشريح ، وقاله عمر بن عبد العزيز وأبو ثور والمزني وغيرهم .

فرع : إذا شهدا على أبيهما بقذف ضرة أمهما وهي تحته أو طلاقها ، فاحتمالان في " المنتخب " ( وتقبل شهادة بعضهم على بعض ، في أصح الروايتين ) لقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين [ النساء : 136 ] ولأن شهادة كل واحد منهما على الآخر لا تهمة فيها ، فشهادته عليه أبلغ في الصدق كشهادته على نفسه .

والثانية : لا تقبل ؛ لأن من لم تقبل شهادته له لم تقبل عليه كغير [ ص: 244 ] العدل .

وقال ابن هبيرة : لا أرى شهادة الولد على والده في حد ولا قصاص ؛ لاتهامه في الميراث ، ومكاتب والديه وولده لهما ، ذكره في " الرعاية الكبرى " .

فرع : إذا شهد لولده أو غيره ممن ترد شهادته له أو أجنبي بألف أو بحق آخر مشترك ، بطلت في الكل ، نص عليه ، وذكر جماعة يصح في حق الأجنبي فقط ( ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه في إحدى الروايتين ) نقلها الجماعة ، واختارها الأكثر ، وجزم بها ابن هبيرة وصاحب " الوجيز " ؛ لأنه ينتفع بشهادته لينبسط كل واحد في مال الآخر ، واتساعه بسعته ، وإضافة مال كل واحد إلى الآخر ، لقوله تعالى : وقرن في بيوتكن [ الأحزاب : 33 ] و لا تدخلوا بيوت النبي [ الأحزاب : 53 ] ولأن يسار الرجل يزيد في نفقة امرأته ، ويسارها يزيد في قيمة بضعها المملوك لزوجها ، ولأن كل واحد منهما يرث الآخر من غير حجب ، فأوجب التهمة في شهادته .

وظاهر : ولو بعد الفراق ، والأخرى : يجوز ؛ لأن النكاح عقد على منفعة ، فلا يتضمن رد الشهادة كالإجارة .

وظاهره : أن شهادة أحدهما على الآخر مقبولة ، صرح به في " المستوعب " و " المحرر " ، وقيل : في قبولها روايتان ( ولا تقبل شهادة السيد لعبده ) لا نعلم فيه خلافا ؛ لأن مال العبد لسيده فشهادته له شهادة لنفسه ، قال في " الشرح " : لا [ ص: 245 ] تقبل شهادته لعبده بنكاح ، ولا لأمته بطلاق ( ولا العبد لسيده ) لأنه ينبسط في ماله ، وتجب نفقته ، فهو كالأب مع ابنه ، زاد في " الرعاية الكبرى " : بمال ( وتقبل شهادة الأخ لأخيه ) نص عليه ، وذكره الترمذي وابن المنذر إجماعا .

قال أحمد : قد أجاز ابن الزبير شهادة الأخ لأخيه ، رواه الخلال ، ولأنه غير متهم فيدخل في العمومات ، ولا يصح قياسه على عمودي النسب لما بينهما من التفاوت ( وسائر الأقارب ) أي : تقبل شهادة بعضهم لبعض كالأخ ، بل هذا أولى منه ( والصديق ) الملاطف ( لصديقه ) وهو قول عامتهم ، وهو الأشهر ، قاله في " الرعاية " ، ورده ابن عقيل بصداقة وكيدة ، وعاشق لمعشوقه ؛ لأن العشق يطيش ( المولى لعتيقه ) كالأخ لأخيه ، بل هذا أولى ؛ لأنه لا تهمة فيه ، أشبه الأجنبي ، وعنه : ولغير سيده ، لكن لو أعتق عبدين ، وادعى رجل أن المعتق غصبهما منه ، فشهد العتيقان بصدق المدعي ، لم تقبل شهادتهما لعودهما إلى الرق ، ذكره القاضي وغيره ، وكذا لو شهدا بعد عتقهما أن معتقهما غير بالغ حال العتق ، أو جرحا الشاهدين بحريتهما ، ولو عتقا بتدبير أو وصية ، فشهدا بدين أو وصية مؤثرة في الرق ، لم يقبل لإقرارهما بعد الحرية برقهما لغير سيد .

فرع : إذا حلف الشاهد مع شهادته لم ترد في ظاهر كلامهم ، ومع النهي عنه يتوجه على كلامه ، في " الترغيب " : ترد .

التالي السابق


الخدمات العلمية