صفحة جزء
فصل .

الخامس : أن يشهد الفاسق بشهادة فترد ، ثم يتوب فيعيدها ، فإنها لا تقبل للتهمة ، ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلا ، قبلت ، ولو شهد كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ، ثم أعادوها بعد زوال الكفر والرق والصبا قبلت ، وإن شهد لمكاتبه أو لموروثه بجرح قبل برئه ، فردت ، ثم أعادوها بعد عتق المكاتب وبرء الجرح ، ففي ردها وجهان ، وإن شهد بعفو شريكه في الشفعة عنها فردت ، ثم عفا الشاهد عن شفعته ، وأعاد تلك الشهادة لم تقبل ، ذكره القاضي ، ويحتمل أن تقبل .


فصل .

( الخامس : أن يشهد الفاسق بشهادة فترد ، ثم يتوب ويعيدها فإنها لا تقبل ) جزم به " المحرر " و " الوجيز " و " السامري " ، وزاد وجها واحدا ( للتهمة ) في أدائها لكونه [ ص: 251 ] يعير بردها ، فربما قصد بأدائها أن تقبل لإزالة العار الذي لحقه بردها ، ولأنها ردت باجتهاد فقبولها نقض لذلك الاجتهاد ، وعنه : تقبل ، حكاها في " الرعاية " ، وقاله أبو ثور والمزني .

قال ابن المنذر : والنظر يدل على هذا ، كغير هذه الشهادة ، وكما لو شهد وهو كافر فردت ، ثم أسلم ( ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلا قبلت ) بغير خلاف نعلمه ؛ لأن التهمة إنما كانت من أجل العار الذي يلحقه في الرد ، وهو منتف هنا ، وهكذا الصبي والكافر إذا شهد بعد الإسلام والبلوغ ؛ لأن الصبيان في زمنه صلى الله عليه وسلم كانوا يروون بعدما كبروا ، كابن جعفر وابن الزبير ، والشهادة في معنى الرواية ؛ لأن التهمة هنا منتفية ، وكذا العبد إذا شهد بعد العتق ( ولو شهد كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ، ثم أعادوها بعد زوال الكفر والرق والصبا ) وعبارة بعضهم : بعد زوال المانع ، وهي أولى ( قبلت ) جزم به في " الوجيز " ، وصححه في " المحرر " و " المستوعب " ؛ لأن رد الشهادة في الأحوال المذكورة لا غضاضة فيها ، فلا تقع تهمة في الإعادة بخلاف التي قبلها ، ولأن البلوغ والحرية ليسا من فعله ، ويظهر أنه بخلاف الفسق .

والثانية : لا تقبل ، اختارها أبو بكر وابن أبي موسى كالفاسق ، ولأن شهادة العبد مجتهد فيها ، فإذا ردت لم تقبل كالفاسق .

وكذا إذا ردت لجنون أو خرس ثم أعادها بعد زوال المانع ، فإنها تقبل [ ص: 252 ] على الأصح ( وإن شهد لمكاتبه أو لموروثه بالجرح قبل برئه ، فردت ، ثم أعادوها بعد عتق المكاتب وبرء الجريح ، ففي ردها وجهان ) .

أحدهما : تقبل ، جزم به في " الوجيز " وصححه في " المغني " ؛ لأن زوال المانع ليس من فعله ، أشبه زوال الصبا ، ولأن ردها بسبب لا عار فيه ، فلا يتهم في قصد نفي العار بإعادتها ، بخلاف الفسق .

والثاني : لا تقبل ، صححه في " المحرر " .

وذكر في " الكافي " : أنه الأولى ، قدمه في " الرعاية " ؛ لأن ردها باجتهاده فلا ينقض ذلك باجتهاده ، ولأنها ردت بالتهمة كالمردودة للفسق ، ونصر المؤلف الأول ، فإن الأصل قبول شهادة العدل ، ولا يصح القياس ، وأما نقض الاجتهاد بالاجتهاد فهو جائز بالنسبة إلى المستقبل ، غير جائز بالنسبة إلى الماضي .

بدليل أن عمر رضي الله عنه قضى في قضية بقضايا مختلفة ، وقبول الشهادة هنا من النقض في المستقبل .

فرع : الخلاف جار في كل موضع ردت التهمة رحم أو زوجية أو عداوة أو جلب نفع أو دفع ضرر ، ثم زال المانع ، ثم أعادها ، وقيل : إن زال المانع باختيار الشاهد ، كإعتاق العبد وتطليق الزوجة ردت ، وإلا فلا ( وإن شهد الشفيع بعفو شريكه في الشفعة عنها ، فردت ، ثم عفا الشاهد عن شفعته ، وأعاد [ ص: 253 ] تلك الشهادة ، لم تقبل ، ذكره القاضي ) جزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الرعاية " ؛ لأنه متهم أشبه الفاسق ( ويحتمل أن تقبل ) هذا وجه ؛ لزوال المانع ، والأولى أن يخرج على الوجهين في التي قبلها ؛ لأنها إنما ردت لكونه يجر بها إلى نفسه نفعا ، وقد زال ذلك بعفوه .

قال في " الترغيب " : من موانعها الحرص على أدائها قبل استشهاد من يعلم بها ، قبل الدعوى أو بعدها ، فترد ، وهل يصير مجروحا ؛ يحتمل وجهين ، قال : ومن موانعها العصبية ، فلا شهادة لمن عرف بها ، وبالإفراط في الحمية ، كتعصيب قبيلة على قبيلة وإن لم تبلغ رتبة العداوة .

فرع : إذا شهد عند حاكم ، فقال آخر : أشهد بمثل ما شهد به ، أو بذلك ، أو كذلك ، أو بما وضعت به خطي ، فقال ابن حمدان : يحتمل أوجها .

ثالثها : يصح في : وبذلك وكذلك فقط ، وهو أشهر ، وفي " نكت المحرر " : إن القول بالصحة في الجميع أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية