صفحة جزء
باب اليمين في الدعاوى . وهي مشروعة في حق المنكر في كل حق لآدمي . قال أبو بكر : إلا في النكاح والطلاق . وقال أبو الخطاب : إلا في تسعة أشياء : النكاح والرجعة والطلاق والرق والولاء والاستيلاد والنسب والقذف والقصاص . وقال القاضي : في الطلاق والقصاص والقذف روايتان ، وسائر الستة لا يستحلف فيها ، رواية واحدة . وقال الخرقي : لا يحلف في القصاص ولا في المرأة إذا أنكرت النكاح . وتحلف إذا ادعت انقضاء عدتها وإذا أنكر المولي مضي الأربعة الأشهر حلف ، وإذا أقام العبد شاهدا بعتقه حلف معه ، ولا يستحلف في حقوق الله تعالى كالحدود والعبادات ونحوها ويجوز الحكم في المال ، وما يقصد به المال بشاهد ويمين المدعي ، ولا تقبل فيه شهادة امرأتين ويمين . ويحتمل أن تقبل . ولا يقبل في النكاح والرجعة وسائر ما لا يستحلف فيه شاهد ويمين . ومن حلف على فعل نفسه أو دعوى عليه ، حلف على البت . وإن حلف على النفي حلف على نفي علمه . ومن حلف على فعل غيره أو دعوى عليه في الإثبات حلف على البت . ومن توجهت عليه يمين لجماعة ، فقال : أحلف لهم يمينا واحدة . فرضوا جاز وإن أبوا حلف لكل واحد يمينا .


[ ص: 282 ] باب اليمين في الدعاوى .

اليمين تقطع الخصومة في الحال ، ولا تسقط الحق . وتصح يمين كل مكلف مختار توجهت عليه دعوى صحيحة فيما يصح بذله .

ومن أنكر بلوغه بعد إقراره ، أو ادعاه لتسع سنين صدق بلا يمين .

فإذا بلغ حلف . وقيل : إن ادعاه بالسن احتاج بينة فلا يحلفه .

ولا يحلف وصي على نفي الدين على الموصي .

قال ابن حمدان : بل على نفي لزومه من التركة إلى المدعي . ولا شاهد على صدقه إلا المرضعة ، ولا حاكم على حكمه أو نفيه أو عدله أو نفي جوره وظلمه ، ولو معزولا ، ولا المدعي إذا طلب يمين خصمه ، فقال : ليحلف أنه ما أحلفني . وقيل : بل يحلف المدعي أنه لم يحلفه ، فإن أبى حلف المدعى عليه يمين الرد . ولا المدعى عليه إذا قال المدعي : ليحلف أنه ما أحلفني . ولا من حكم له بشيء فقال خصمه : إنه لا يستحقه . وإن ادعى الوصي أن الميت وصى للفقراء بشيء فأنكره الورثة ، ونكلوا عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا أو يقروا . وقيل : يحكم بذلك ، ولا يحلف الوصي . [ ص: 283 ] وإن رأى الحاكم في دفتره دينا على رجل لميت لا وارث له ولم يحلف ، حبس حتى يحلف أو يقر . ولا يحلف الحاكم ، في الأصح . ( وهي مشروعة في حق المنكر في كل حق لآدمي ) في رواية اختارها المؤلف ، وجزم بها أبو محمد الجوزي ، وقدمها ابن رزين ، وذكر في " الشرح " : أنها أولى ; لقوله عليه السلام : لو يعطى الناس بدعواهم ، لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه فجعل اليمين على المدعى عليه بعد ذكر الدماء ، وذلك ظاهر في أن الدعوى بالدم تشرع فيها اليمين ، وسائر الحقوق إما مثله أو دونه فوجب مشروعية اليمين في ذلك كله لعموم الأخبار ؛ ولأنها دعوى صحيحة في حق آدمي كدعوى المال .

وظاهر المذهب : أنها تشرع في كل حق آدمي غير العشرة المستثناة ، وسيأتي ؛ لأنه إما مال أو ما يقصد منه المال . ولا خلاف بين العلماء في مشروعية اليمين في ذلك ، إذا لم تكن للمدعي بينة . ( قال أبو بكر : إلا في النكاح والطلاق ) فإنه لا يستحلف فيهما . قال : وهو الغالب على قول أبي عبد الله ; لأن أمرهما أشد ولا يدخلهما البدل . ( وقال أبو الخطاب : إلا في تسعة أشياء : النكاح والطلاق والرجعة والرق والولاء والاستيلاد والنسب والقذف والقصاص ) قدمه في " المحرر " وجزم به في " الوجيز " والآدمي ، وزادوا : الإيلاء ; لأن ذلك لا يثبت إلا بشاهدين ، فلا تشرع فيها اليمين كالحدود . ( وقال القاضي : في الطلاق والقصاص والقذف روايتان ) ؛ لأنه بالنظر إلى تأكدهـا ينبغي ألا تشرع اليمين [ ص: 284 ] فيها ، وبالنظر إلى أنها حق آدمي فتشرع فيها . ( وسائر الستة ) أي : جميعها . ( لا يستحلف فيها ، رواية واحدة ) لتأكدها وعدم مساواة غيرها لها . وعنه : يستحلف في طلاق وإيلاء وقود وقذف .

وعنه : يستحلف فيما يقضى فيه بالنكول . وفي " الجامع الصغير " : ما لا يجوز بدله وهو ما ثبت بشاهدين لا يستحلف فيه . وفسر القاضي الاستيلاد بأن يدعي استيلاد أمة ، فتنكره . وقال الشيخ تقي الدين : هي المدعية .

وذكر القاضي والسامري : أن الوصية إليه والوكالة لا يستحلف فيهما .

وقال ابن أبي موسى : لا يستحلف في إيلاء ولا فيه . قال السامري : لأنهما من حقوق الله تعالى ; لأن حكمهما وجوب الكفارة إذا ادعيا على الرجل . فإن ادعاهما الرجل فلا يمين على المرأة ; لأنه إقرار على نفسه لا دعوى على غيره . ( وقال الخرقي : لا يحلف في القصاص ) لأنه يدرأ بالشبهة . ( ولا في المرأة إذا أنكرت النكاح ) لأنه لا يصح بدلها . ( وتحلف إذا ادعت انقضاء عدتها ) لما فيه من الاحتياط لبضعها ، وإذا أحلفناه في ذلك قضينا فيه بالنكول ، إلا في قود النفس خاصة .

قال أحمد ـ في رواية الكوسج ـ في رجل ادعى على آخر أنه قذفه فأنكر : يحلف له ، فإن نكل أقيم عليه . [ ص: 285 ] قال أبو بكر : هذا قول قديم ، والمذهب خلافه . وعنه : لا يقضى بالقود فيما دون النفس .

قال ابن حمدان : وهي أصح . وعنه : لا يقضى بالنكول إلا في الأموال خاصة . قدمه في " الكافي " . ومتى لم يثبت القود بنكوله ، فهل يلزم الناكل الدية ؛ على روايتين ، نص عليهما في القسامة . وكل ناكل قلنا لا يقضى عليه ، فهل يخلى سبيله أو يحبس حتى يقر أو يحلف ؛ على وجهين ، أصلهما إذا نكلت الزوجة عن اللعان ، وفي رد اليمين خلاف سبق .

فإن قلنا برد اليمين فتعذر ردها ، قضي بالنكول على الأصح . وقيل : بل يحلف ولي صغير ومجنون . وقيل : إن باشر ما ادعاه .

وقيل : بل يحلفا إذا زال المانع ، ولا يقضى بالنكول قبل ذلك . ( وإذا أنكر المولي مضي الأربعة الأشهر حلف ) لأنه إذا لم يحلف أدى ذلك إلى تضرر المرأة ، وهو منتف شرعا . ( وإذا أقام العبد شاهدا بعتقه حلف معه ) ؛ لأن عتقه نقل ملك ، أشبه البيع . ( ولا يستحلف في حقوق الله تعالى كالحدود والعبادات ) أما الحدود فلا نعلم فيها خلافا ; لأنه لو أقر ثم رجع عن إقراره قبل منه من غير يمين وخلي ، فلئن لا يستحلف مع الإقرار أولى .

وأما الحقوق المالية كدعوى الساعي على الزكاة على رب المال ، فقال أحمد : القول قول رب المال بغير يمين كالحدود وكالصلاة [ ص: 286 ] وكذا لو ادعى عليه كفارة يمين أو ظهار أو نذر أو صدقة ، قبل قوله في نفي ذلك بغير يمين ; لأنه لا حق للمدعي فيه ، ولا ولاية له عليه . كما لو ادعى عليه حقا بغير إذنه ، ولا ولاية له عليه ، فإن تضمنت دعواه حقا له مثل : أن يدعي سرقة ماله أو الزنى بجاريته ليأخذ مهرها ، سمعت دعواه وتجب اليمين مع الإنكار وعدم البينة ، ويقضى بالنكول في المغرم . ( ويجوز الحكم في المال وما يقصد به المال بشاهد ويمين المدعي ) تقدم في باب المشهود به . ( ولا تقبل فيه شهادة امرأتين ويمين ) قدمه في " المحرر " و " الرعاية " ، ونصره في " الشرح " ; لأن شهادة النساء ناقصة وإنما انجبرت بانضمام الذكر إليهن . ( ويحتمل أن تقبل ) هذا وجه ; لأن المرأتين في المال تقومان مقام رجل ، ويبطل ذلك بشهادة أربع نسوة ، فإنه لا يقبل إجماعا . ( ولا يقبل في النكاح والرجعة وسائر ما لا يستحلف فيه ، شاهد ويمين ) المدعي ، وقد سبق ذكر ذلك ( ومن حلف على فعل نفسه ) مثل أن يدعي مائة على شخص ، ويقيم شاهدا ويريد أن يحلف معه . ( أو دعوى عليه ) مثل أن يدعى عليه مائة ، فيقول : ما يستحق علي شيئا . ( حلف على البت ) ذكره معظم الأصحاب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم استحلف رجلا ، فقال : قل والله الذي لا إله إلا هو ما له عليك حق

( وإن حلف على النفي حلف على نفي علمه ) وفي " المحرر " و " الوجيز " و " الفروع " : يحلف في إثبات ونفي على البت ، إلا لنفي فعل غيره .

ونقل الجماعة : أو نفي دعوى على غيره فيكفيه نفي العلم . ( ومن حلف على فعل غيره ) مثل أن يدعي أن غيره غصبه ثوبه . ( أو دعوى عليه في الإثبات [ ص: 287 ] حلف على البت ) اختاره ابن أبي موسى ، وقدمه في " الرعاية " ، ونصره في " الشرح " .

لحديث الحضرمي ولكن أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي غصبنيها أبوه رواه أبو داود . ولأنه لا يمكنه الإحاطة بفعل غيره بخلاف فعل نفسه . وكالشهادة فإنها تكون بالقطع فيما يمكن القطع فيه من العقود .

وعلى الظن فيما لا يمكن فيه القطع من الأملاك والأنساب .

وعلى نفي العلم فيما لا يمكن الإحاطة بانتفائه ، كالشهادة على أنه لا وارث له إلا فلان وفلان .

وعنه : يمين النفي على نفي العلم في كل شيء . وعنه : وغيرها على العلم . اختاره أبو بكر . واحتج بالخبر الذي ذكره أحمد ، عن الشيباني ، عن القاسم بن عبد الرحمن مرفوعا لا تضطروا الناس في أيمانهم أن يحلفوا على ما لا يعلمون .

وفي " مختصر ابن رزين " : يمينه بت على فعله ، ونفي على فعل غيره .

وعبده كأجنبي في حلفه على البت . وأما بهيمته فما ينسب إلى تفريط وتقصير فعلى البت ، وإلا فعلى نفي العلم . ذكره في " الرعاية " و " الفروع " . ( ومن توجهت عليه يمين لجماعة ، فقال : أحلف لهم يمينا واحدة . فرضوا جاز ) ذكره أكثر [ ص: 288 ] الأصحاب ; لأن الحق لهم ، ولا يلزم أن يكون لكل واحد بعض اليمين ، كما أن الحقوق إذا قامت بها البينة الواحدة لا يكون لكل حق بعض البينة .

وقال القاضي : ويحتمل أن لا يصح ; لأن اليمين حجة في حق الواحد ، فإذا رضي بها اثنان صارت الحجة في حق كل واحد منهما ناقصة ، والحجة الناقصة لا تكمل برضى الخصم ، كما لو رضي أن يحكم بشاهد واحد .

( وإن أبوا حلف لكل واحد يمينا ) بغير خلاف نعلمه ; لأنه منكر لكل واحد منهم .

وحكى الإصطخري : أن إسماعيل بن إسحاق القاضي حلف رجلا بحق لرجلين يمينا واحدة ، فخطأه أهل عصره .

فرع : إذا توكل لجماعة في دعوى واحدة في حقوق ، صح دعواه بالكل دفعة واحدة . وهل تكفي يمين للكل أو أيمان ؛ فيه وجهان .

ومن ادعى على زيد شيئا بدعاوى في مجلس واحد ، فلكل دعوى يمين . وقيل : وضده .

وإن ادعى الكل دعوى واحدة فيمين واحدة .

وإن ادعى رب الماشية أنه كان باعها في حولها ، ثم اشتراها أو أخرج الفرض إلى ساع آخر ، فهل يحلف وجوبا أو استحبابا ؛ على وجهين .

فإن وجب فنكل حكم عليه بالحق . فإن تبين فلا ، وكذا الجراح .

التالي السابق


الخدمات العلمية