صفحة جزء
فصل . واليمين المشروعة : هي اليمين بالله تعالى اسمه . وإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان ، جاز ففي اللفظ ، يقول : والله الذي لا إله إلا هو ، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب ، الضار النافع ، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .

واليهودي يقول : والله الذي أنزل التوراة على موسى ، وفلق له البحر ، ونجاه من فرعون وملئه . والنصراني يقول : والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، وجعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص . والمجوسي يقول : والله الذي خلقني وصورني ورزقني . والزمان : يحلفه بعد العصر أو بين الأذانين . والمكان يحلفه بمكة بين الركن والمقام ، وفي الصخرة ببيت المقدس ، وفي سائر البلدان عند المنبر . ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها . ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر ، كالجنايات والعتاق والطلاق ، وما تجب فيه الزكاة من المال . وقيل : ما يقطع به السارق وإن رأى الحاكم ترك التغليظ ، فتركه كان مصيبا .


[ ص: 289 ] فصل .

( واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى اسمه ) لقوله تعالى : وأقسموا بالله [ الأنعام : 109 ] ، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله [ النور : 6 ] . والأخبار ، وهذا قول عامة العلماء . ( وإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان ، جاز ) ولم يستحب . ذكره في " المحرر " و " المستوعب " و " الوجيز " ; لأنه أردع للمنكر . وقيل : يكره . قدمه في " الرعاية " : في غير لعان وقسامة .

وعنه : لا يجوز . ذكرها في " التبصرة " ، اختاره أبو بكر والحلواني لعدم وروده .

ونصره القاضي ، وأبو الخطاب قال : وأومأ إليه أحمد أنها تغلظ ; لأنها حجة أحدهما فوجب موضع الدعوى كالبينة .

وعنه : يستحب . وذكره الخرقي في أهل الذمة . ( ففي اللفظ ، يقول : والله الذي لا إله غيره ، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب ، الضار النافع ، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) .

الطالب : اسم فاعل من طلب الشيء أي : قصده . والغالب : اسم فاعل من غلب يغلب بمعنى قهر . والضار النافع من الأسماء الحسنى : أي : هو قادر على ضر من شاء ونفع من شاء .

وخائنة الأعين فسر : بأنه يضمر في نفسه شيئا ويكف لسانه ويومئ بعينه ، فإذا ظهر ذلك سميت خائنة الأعين . ولم يذكر الحلف بالمصحف . [ ص: 290 ] قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا أوجب اليمين على المصحف .

وقال الشافعي : رأيتهم يؤكدون اليمين بالمصحف ، ورأيت ابن مازن قاضي صنعاء يغلظ اليمين به . قال أصحابه : فيغلظ عليهم بإحضار المصحف .

قال ابن المنذر : لا تترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم لفعل ابن مازن ولا غيره .

( واليهودي يقول : والله الذي أنزل التوراة على موسى ، وفلق له البحر ، وأنجاه من فرعون وملئه ) لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود : نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى ؛ رواه أبو داود . ( والنصراني يقول : والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، وجعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ) لأنه لفظ تتأكد به يمينه ، أشبه اليهودي . وظاهره : أنها تغلظ في حق كل نصراني بذلك . وفيه إشكال ; لأن منهم من لا يعتقد أن عيسى رسول الله ، وإنما يعتقدونه ابنا لله . تعالى الله عن ذلك . فتغليظ اليمين بما ذكر يؤدي إلى خروج اليمين عن أن تكون يمينا ، فضلا عن أن تكون مغلظة . ( والمجوسي يقول : والله الذي خلقني ورزقني وصورني ) لأنه يعظم خالقه ورازقه ، أشبه كلمة التوحيد عند المسلم . وذكر ابن أبي موسى : أنه يحلف مع ذلك بما يعظمه من الأنوار وغيرها . والوثني كالمجوسي ، قدمه في " الرعاية " وغيرها . وذكر في " الشرح " : وهو الأشهر أنه يحلف هو ومن يعبد غير الله بالله وحده . ( والزمان يحلفه بعد العصر ) لقوله تعالى : تحبسونهما من بعد الصلاة [ المائدة : 106 ] . قيل : [ ص: 291 ] المراد صلاة العصر ( أو بين الأذانين ) أي : بين الأذان والإقامة ; لأنه وقت ترجى فيه إجابة الدعاء ، فترجى فيه معالجة الكاذب . ( والمكان يحلفه بمكة بين الركن والمقام ) لأنه مقام شريف زائد على غيره في الفضيلة . ( وفي الصخرة ببيت المقدس ) وقد ورد في سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هي من الجنة . ( وفي سائر البلدان ) كمدينة النبي صلى الله عليه وسلم . ( عند المنبر ) قياسا على الخبر الوارد في منبر النبي صلى الله عليه وسلم . رواه مالك والشافعي وأحمد من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حلف على منبري هذا بيمين آثمة فليتبوأ مقعده من النار .

وفي " الواضح " : هل يرقى متلاعنان المنبر ؛ الجواز ، وعدمه .

وقيل : إن قل الناس لم يجز الصعود . وذكر أبو الفرج : يرقيانه . وفي " الانتصار " : قيامه عليه ; لأنه أبلغ .

( ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها ) لأن اليمين تغلظ في حقهم زمانا ، فكذا مكانا . قال الشعبي لنصراني : اذهب إلى البيعة . قال كعب بن سور في نصراني : اذهبوا به إلى المذبح . ( ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر ، كالجنايات والعتاق والطلاق ، وما تجب فيه الزكاة من المال ) قدمه السامري ، وجزم به في " الكافي " وغيره ; لأن التغليظ للتأكيد ، وما لا خطر فيه لا يحتاج إلى تأكيد . ( وقيل : ما يقطع به السارق ) لأن قطعه يدل على الاهتمام به ، والتأكيد يناسبه . وقال ابن حزم : وتغلظ في القليل والكثير . ( وإن رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان مصيبا ) لموافقته مطلق النص . وقال في " المستوعب " : جاز ، ولم يكن تاركا للسنة . وترك التغليظ أولى ، اختاره المؤلف [ ص: 292 ] ونصره لظواهر النصوص ، إلا في موضع ورد الشرع به وصح ؛ لتحليف النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بقوله : نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو . ومن بذل اليمين دون التغليظ لم يكن ناكلا . جزم به في " المحرر " و " الفروع " .

وعلم مما سبق أنه لا يحلف بطلاق ، ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا ، وابن عبد البر إجماعا .

وفي " الأحكام السلطانية " : للوالي إحلاف المتهم بطلاق وعتق وصدقة ؛ استبراء وتغليظا في حق الله تعالى وحق آدمي .

فرع : إذا ادعى حقا على معسر عاجز عنه وعن بعضه ، لم يجز أن يحلف أنه لا يستحق عليه شيئا ، ولو نوى الساعة . نقله الجماعة . وسواء خاف حبسا أو لا . وجوزه صاحب " الرعاية " بالنية ، وهو قول الكرابيسي وأبي ثور . قال في " الفروع " : وهو متجه .

فإن علم صاحب الحق بعسرته لزمه إنظاره . قال في " المستوعب " : ولا يحل لمن عليه حق وهو قادر عليه منعه ، إذا التمسه من يستحق المطالبة به . مسائل : الأولى : إذا ادعى جماعة مالا لهم بشاهد ، أو أقام الورثة شاهدا بدين للميت ، وغيره ، وحلفوا استحقوا . ومن نكل عنها لم يأخذ شيئا . وإذا مات لم يحلف ورثته . وإن مات ولم ينكل حلفوا . ولو كان في الورثة غائب فحضر ، أو مجنون فأفاق ، حلف وأخذ حقه ، ولا يحتاج إلى إعادة الشهادة . وقيل : إن كان [ ص: 293 ] المخلف دارا فحلف أحدهم ، اشتركوا فيما أخذه . فلو وصى لاثنين مع شاهد ، والآخر مجنون أو غائب ثم زال المانع ، أعيدت الشهادة مع يمينه ، ولا تجزئ يمين قبل الشهادة والتزكية . الثانية : إذا كان لميت دين بشاهد ، وعليه دين ، فلم يحلف الوارث مع الشاهد ، فهل للغريم أن يحلف ؛ قال ابن حمدان : يحتمل وجهين . والأصح ـ إن قلنا التركة للوارث وتوفى من حيث شاء ـ : لم يحلف الغريم . وإن قلنا لا تنتقل التركة إليه قبل الوفاء ، حلف الغريم أني أستحق من ديني على الميت ، أو أن عليه دين كذا . الثالثة :إذا ادعى الإمام أو نائبه حقا لبيت المال ، وادعى وكيل الفقراء حقا لهم من وصية ونحوها ، أو ادعى ناظر وقف أو قيم مسجد حقا لهما ، فأنكرهما المدعى عليه ولم يحلف ، قضي عليه بالنكول وأخذ منه المدعى به . وقيل : يحبس حتى يقر أو يحلف . وقيل : بل يحلف المدعي ويأخذ ما ادعاه .

وقال ابن حمدان : ولا يحلف إمام ولا حاكم . وإن قلنا بحلف أحدهم فأقام شاهدا بما ادعاه ، حلف لإتمام البينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية