صفحة جزء
وأما المريض مرض الموت المخوف ، فيصح إقراره بغير المال ، وإن أقر بمال لمن لا يرثه ، صح في أصح الروايتين ، والأخرى : لا يصح ، بزيادة على الثلث . ولا يحاص المقر له غرماء الصحة . وقال أبو الحسن التميمي والقاضي : يحاصهم وإن أقر لوارث لم يقبل إلا ببينة ، إلا أن يقر لامرأته بمهر مثلها فيصح . وإن أقر لوارث وأجنبي ، فهل يصح في حق الأجنبي ؛ على وجهين . وإن أقر لوارث ، فصار عند الموت غير وارث ، لم يصح إقراره . وإن أقر لغير وارث صح . وإن صار وارثا صح ، نص عليه . وقيل : إن الاعتبار بحال الموت ، فيصح في الأولى ، ولا يصح في الثانية ، كالوصية . وإن أقر لامرأته بدين ثم أبانها ، ثم تزوجها ، لم يصح إقراره وإن أقر المريض بوارث ، صح . وعنه : لا يصح . وإن أقر بطلاق امرأته في صحته ، لم يسقط ميراثها .


( وأما المريض مرض الموت المخوف ، فيصح إقراره بغير المال ) لعدم التهمة . ( وإن أقر بمال لمن لا يرثه ، صح في أصح [ ص: 299 ] الروايتين ) كذا صححه في " المحرر " ، وفي " الكافي " : أنه ظاهر المذهب . ونصره في " الشرح " ; لأنه غير متهم في حقه بخلاف الوارث . وهذا قول أكثرهم . وذكر ابن المنذر أنه إجماع من يحفظ عنه . فهو كالإقرار في الصحة .

( والأخرى : لا يصح بزيادة على الثلث ) لأنه ممنوع من عطية ذلك للأجنبي ، بخلاف الثلث فما دون .

وعنه : لا يصح مطلقا . ذكرها في " الكافي " و " الشرح " كالإقرار لوارث ؛ ولأن حق الورثة تعلق بماله ، أشبه المفلس . ( ولا يحاص المقر له غرماء الصحة ) قال القاضي : هو قياس المذهب . وصححه السامري ، سواء أخبر بلزومه قبل المرض أو بعده ; لأنه أقر بعد تعلق الحق بتركته ، كما لو أقر بعد الفلس . ( وقال أبو الحسن التميمي والقاضي ) وهو ظاهر الخرقي ، واختاره ابن أبي موسى ، وهو رواية عن أحمد : ( يحاصهم ) إذا لم يكن في التركة وفاء للجميع ; لأنهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال ، فتساويا كدين الصحة ، وكما لو ثبتا بالبينة .

وعلى الثانية التي تقول : لا تصح بزيادة على الثلث : لا يحاص . فإن أقر لهما جميعا في المرض تساويا ; لأنهما تساويا في الحال ، كغريمي الصحة .

فرع : إذا أقر المريض بعين ثم بدين ، أو عكسه : فرب العين أحق . [ ص: 300 ] وفي الثانية : احتمال في " نهاية الأزجي " ، كإقراره بدين . فإن أقر بعين لزمه في حقه ، ولم ينفرد بها المقر له حتى يستوفي الغرماء في الأشهر . ( وإن أقر لوارث لم يقبل إلا ببينة ) نص عليه ، قال جماعة : أو أجازه بقية الورثة . وظاهر نصه : لا . وهو ظاهر " الانتصار " . والأول : أولى ; لأنه إيصال المال إلى وارثه بقوله ، فلم يصح كالهبة والوصية ، بخلاف ما إذا كان له بينة أو أجاز الوارث لعدم التهمة . واختار بعضهم : يصح إذا لم يتهم ، كمن له بنت وابن عم ، فأقر لابنته لم يقبل ، وإن أقر لابن عمه قبل .

وجوابه : أن التهمة لا يمكن اعتبارها بنفسها ، فوجب اعتبارها بمظنتها ، وهو الإرث .

وعنه : يصح مطلقا . وقاله الحسن وعطاء وإسحاق ; لأن من صح الإقرار له في الصحة صح في المرض كالأجنبي .

وعلى الأول ( إلا أن يقر لامرأته بمهر مثلها فيصح ) نص عليه . بالزوجية لا بإقراره ، وجزم به في " الكافي " و " الشرح " و " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " ; لأنه إقرار بما يحقق سببه ، وعلم وجوبه ، ولم تعلم البراءة منه ، أشبه ما لو اشترى عبدا فأقر للبائع بثمن مثله . نقل أبو طالب : يكون من الثلث .

وفي " التبصرة " و " نهاية الأزجي " و " المغني " و " الترغيب " : [ ص: 301 ] يصح بمهر مثلها . فظاهره : أنهم جعلوه لها بالإقرار لا بالزوجية . وعنه : لا يصح . وهو قول الشعبي لما تقدم .

فلو أقرت أنه لا مهر لها عليه ، لم يجز إلا أن تقيم بينة أنها أخذته منه ، نقله مهنا .

( وإن أقر لوارث وأجنبي ) بمال ( فهل يصح في حق الأجنبي ؛ على وجهين ) .

أحدهما : يصح . نصره في " الشرح " ، وقدمه في " الرعاية " و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ، كما لو أقر بلفظين .

والثاني : لا يصح كما لو شهد لابنه وأجنبي بشيء .

وفرق في " الشرح " بينهما : بأن الإقرار أقوى ، ولذلك لا تعتبر فيه العدالة . وقيل : لا يصح إن عزاه إلى سبب واحد .

فرع : يصح إقراره بأخذ دين صحة ومرض من أجنبي ، في ظاهر كلامه . قاله القاضي وأصحابه .

وذكر الشريف في " رءوس المسائل " : إذا أقر المريض باستيفاء ديونه ، قبل منه . [ ص: 302 ] وفي " الرعاية " : لا يصح بقبض مهر وخلع ، بل حوالة ومبيع وقرض . وإن أطلق فوجهان . ( وإن أقر لوارث ، فصار عند الموت غير وارث ، لم يصح إقراره . وإن أقر لغير وارث صح . وإن صار وارثا صح ، نص عليه ) نصره في " الشرح " ، وقدمه في " الكافي " ، وصححه في " الفروع " ; لأن العبرة بحال الإقرار لا الموت . فيصح في الثانية لا الأولى ; للتهمة فيها ، بخلاف الثانية كالشهادة ؛ ولأنه إذا أقر لغير وارث ثبت الإقرار ؛ وصح لوجوده من أهله خاليا عن تهمة ، فثبت الحق به ، ولم يوجد مسقط فلا يسقط . وإذا أقر لوارث وقع باطلا لاقتران التهمة به ، فلا ينقلب صحيحا بعد ذلك .

قال في " الفروع " : ومرادهم ـ والله أعلم ـ بعدم الصحة : لا يلزم ـ لا بطلانه ـ ; لأنهم قاسوه على الوصية . ( وقيل : إن الاعتبار بحال الموت ، فيصح في الأولى ، ولا يصح في الثانية ، كالوصية ) وهي رواية ; لأنه معنى يعتبر فيه عدم الميراث ، فاعتبر فيه حالة الموت كالوصية . والفرق ظاهر : أن الوصية عطية بعد الموت ، فاعتبر فيها حالة الموت ، بخلاف مسألتنا . وأطلق في " الوجيز " : الصحة فيهما . وهو غريب . وكذا الحكم إن أعطاه وهو غير وارث ثم صار وارثا . ذكره في " الترغيب " وغيره . ( وإن أقر لامرأته بدين ثم أبانها ، ثم تزوجها ، لم يصح إقراره ) أي : إذا مات في مرضه ; لأنه إقرار لوارث في مرض الموت ، أشبه ما لو لم يبنها ؛ ولأن الاعتبار إما بحال الإقرار ، أو بحال الموت ، والزوجة وارثة في الحالين . [ ص: 303 ] وفي " الرعاية الكبرى " : لو أقر لها بدين ، ثم تزوجها ومات ، بطل إلا أن يجيزه الورثة .

فرع : إذا أقر مريض بهبة أنها صدرت منه في صحته لأجنبي ، صح ; لأنه وهب وارثا . وفي " نهاية الأزجي " : يصح لأجنبي كإنشائه . وفيه لوارث وجهان .

أحدهما : لا يصح كالإنشاء .

والثاني : يصح ؛ لأنه لو أخبر عن شيء أو صدق فيه ، ثبت استحقاق الوارث له ، فلا بد من القبول . وفي " الروضة " و " الانتصار " : لا يصح لوارثه بدين ولا غيره .

( وإن أقر المريض بوارث ، صح ) صححه في " المحرر " و " الشرع " ، وقدمه في " الرعاية " و " الفروع " ; لأنه إقرار لغير وارث ، فصح . كما لو لم يصر وارثا . ( وعنه : لا يصح ) لأنه حين الموت وارث ، وكما لو أقر لوارث بمال .

وجوابه هنا : إقرار بمال من طريق الحكم ، وهناك من طريق الصريح ، والأصول فرقت بين الإقرارين . ( وإن أقر بطلاق امرأته في صحته ، لم يسقط ميراثها ) لأنه متهم ، وكما لو طلقها في مرضه .

تنبيه : يصح إقرار المريض بإحبال الأمة ; لأنه يملك ذلك ، فملك [ ص: 304 ] الإقرار به .

وكذا كل ما ملكه : ملك الإقرار به . فإذا أقر بذلك ثم مات ، فإن تبين أنه استولدها في ملكه ، فولده حر الأصل ، وأمه أم ولد تعتق بموته من رأس المال .

وإن قال : من نكاح أو وطء شبهة . عتق الولد ، ولم تصر أم ولد له . فإن كان من نكاح فعليه الولاء ; لأنه مسه رق ، وإن كان من وطء شبهة لم تصر أم ولد ، وإن لم يبين السبب فالأصل الرق .

ويحتمل أن تصير أم ولد ; لأن الظاهر استيلادها في ملكه . ولا ولاء على الولد ; لأن الأصل عدمه . فإن كان له وارث ، قام مقامه في بيان كيفية استيلادها .

التالي السابق


الخدمات العلمية