صفحة جزء
باب ما يحصل به الإقرار . إذا ادعى عليه ألفا ، فقال : نعم ، أو أجل أو صدق ، أو أنا مقر بها ، أو بدعواك ، كان مقرا . وإن قال : أنا أقر ولا أنكر ، أو يجوز أن يكون محقا ، أو عسى أو لعل أو أظن أو أحسب ، أو أقدر ، أو خذ ، أو اتزن ، أو أحرز ، أو افتح كمك ، لم يكن مقرا . وإن قال : أنا مقر ، أو خذها ، أو اتزنها ، أو اقبضها ، أو أحرزها ، أو هي صحاح ، فهل يكون مقرا ؛ يحتمل وجهين وإن قال : له علي ألف ـ إن شاء الله ـ ، أو في علمي ، أو فيما أعلم ، أو قال : اقضني ديني عليك ألفا ، أو سلم لي ثوبي هذا ، أو فرسي هذا . فقال : نعم . فقد أقر بها . وإن قال : إن قدم فلان فله علي ألف . لم يكن مقرا . وإن قال : له علي ألف إن قدم فلان . فعلى وجهين . وإن قال : له علي ألف إذا جاء رأس الشهر . كان إقرارا . وإن قال : إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف . فعلى وجهين . وإن قال : له علي ألف إن شهد به فلان ، أو إن شهد به فلان صدقته . لم يكن مقرا وإن قال : إن شهد به فلان ، فهو صادق . احتمل وجهين . وإن أقر العربي بالأعجمية أو الأعجمي بالعربية ، وقال : لم أدر معنى ما قلت ؛ فالقول قوله مع يمينه .


[ ص: 319 ] باب ما يحصل به الإقرار .

( إذا ادعى عليه ألفا ، فقال : نعم ، أو أجل ) بفتح الهمزة والجيم وسكونة اللام ، وهو حرف تصديق كنعم .

قال الأخفش : إلا أنه أحسن من نعم في التصديق ، ونعم أحسن منه في الاستفهام .

ويدل عليه قوله تعالى : فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم [ الأعراف : 44 ] ، وقيل لسلمان رضي الله عنه علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة ؛ قال : أجل . ( أو صدقت ، أو أنا مقر بها ، أو بدعواك ، كان مقرا ) لأن هذه الألفاظ وضعت للتصديق .

ولو قال : أليس لي عليك كذا ؛ قال : بلى . كان إقرارا صحيحا ; لأن بلى جواب للسؤال بحرف النفي ؛ لقوله تعالى : ألست بربكم قالوا بلى [ الأعراف : 172 ] فلو قال : نعم . لم يكن مقرا . وقيل : إقرار من عامي ، كقوله : عشرة غير درهم بضم الراء . يلزمه تسعة .

وفي " مختصر ابن رزين " : إذا قال لي عليك كذا ؛ فقال : نعم أو بلى ، كان [ ص: 320 ] مقرا .

وفي قصة إسلام عمرو بن عبسة ، فقدمت المدينة فدخلت عليه ، فقلت : يا رسول الله أتعرفني ؛ قال : نعم ، أنت الذي لقيتني بمكة . قال : فقلت : بلى . قال في " شرح مسلم " : فيه صحة الجواب ببلى ، وإن لم يكن قبلها نفي ، وصحة الإقرار بها ، وقال : وهو الصحيح من مذهبنا . ( وإن قال : أنا أقر ولا أنكر ، أو يجوز أن يكون محقا ، أو عسى أو لعل أو أظن أو أحسب ، أو أقدر ، أو خذ ، أو اتزن ، أو أحرز ، أو افتح كمك ، لم يكن مقرا ) لأن قوله : ( أنا أقر ) وعد بالإقرار ، والوعد بالشيء لا يكون إقرارا به ، هذا هو الأصح فيه ، وفي ( لا أنكر ) ; لأنه لا يلزم من عدم الإنكار الإقرار ، فإن بينهما قسما آخر وهو السكوت عنهما ؛ ولأنه يحتمل : لا أنكر بطلان دعواك .

وقيل : بلى كـ أنا مقر .

وقوله : ( يجوز أن يكون محقا ) لجواز أن لا يكون محقا ; لأنه لا يلزم من جواز الشيء وجوبه .

وقوله : ( عسى أو لعل ) لأنهما وضعا للشك .

وقوله : ( أظن أو أحسب أو أقدر ) لأنها تستعمل في الشك أيضا [ ص: 321 ] وقوله : ( خذ ) لأنه يحتمل : خذ الجواب مني .

وقوله : ( واتزن ) أي : أحرز مالك على غيري .

وقوله : ( افتح كمك ) لأنه يستعمل استهزاء لا إقرارا .

وكذا قوله : اختم عليه ، أو اجعله في كيسك ، أو سافر بدعواك ، ونحوه . ( وإن قال : أنا مقر ، أو خذها ، أو اتزنها ، أو اقبضها ، أو أحرزها ، أو هي صحاح ، فهل يكون مقرا ؛ يحتمل وجهين ) كذا أطلقهما في " المحرر " و " الفروع " .

أشهرهما : يكون مقرا . وجزم به في " الوجيز " ; لأنه عقب الدعوى فيصرفه إليها ، ولأن الضمير يرجع إلى ما تقدم . وكذا إذا قال : أقررت .

قال تعالى : أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا [ آل عمران : 81 ] ولم يقولوا : أقررنا بذلك . فكان منهم إقرارا .

والثاني : لا ; لأنه لم يقر بوجوبه ، لأنه يجوز أن يعطيه ما يدعيه من غير أن يكون واجبا عليه ، فأمره بأخذها أولى أن لا يلزم منه الوجوب ، ولأنه يحتمل : إني مقر بالشهادة ، أو ببطلان دعواك . ( وإن قال : له علي ألف ـ إن شاء الله ـ ، أو في علمي ، أو فيما أعلم ، أو قال : اقضني ديني عليك ألفا ، أو سلم لي ثوبي هذا ، أو فرسي هذا . فقال : نعم . فقد أقر بها ) وفيه مسائل : الأولى : إذا قال : له علي ألف ـ إن شاء الله ـ فهو إقرار ، نص عليه ; لأنه قد وجد منه وعقبه بما لا يرفعه ، فلم يرتفع [ ص: 322 ] الحكم به ، كما لو قال : له علي ألف في علم الله ، أو مشيئته . وكذا قوله : له علي ألف إلا إن شاء زيد ، أو لا يلزمني إلا أن يشاء الله . وفيهما احتمال أنه لغو .

الثاني : إذا قال : له علي ألف في علمي ، أو علم الله ، أو فيما أعلم لا فيما أظن ; لأن ما علمه لا يحتمل غير الوجوب .

الثالثة : بقية الصور فيلزمه ; لأنه جواب صريح ، أشبه ما لو قال : عندي . كقوله : اقضني ألفا من الذي عليك ، أو لي ، أو هل لي عليك ألف ؛ فقال : نعم . أو قال : أمهلني يوما ، أو حتى أفتح الصندوق .

فرع : إذا قال : بعتك ، أو زوجتك ، أو قبلت ـ إن شاء الله ـ . صح ، كالإقرار . قال في " عيون المسائل " : كـ أنا صائم غدا ـ إن شاء الله ـ ، يصح بنيته وصومه ، ويكون تأكيدا . ولم يرتضه في " الفروع " . قال القاضي : يحتمل أن لا تصح العقود ; لأن له الرجوع فيها بعد إيجابها قبل القبول ، بخلاف الإقرار . وفي " المجرد " : في بعتك ، أو زوجتك ـ إن شاء الله ـ ، أو بعتك إن شئت . فقال : قبلت ، أو قبلت ـ إن شاء الله ـ صح . وقال أبو إسحاق بن شاقلا : إذا قال : زوجتك ـ إن شاء الله ـ . لا أعلم خلافا عنه أن النكاح صحيح . وإن قال : بعتك بألف إن شئت . فقال : قد شئت وقبلت . صح ; لأن هذا الشرط من موجب العقد ومقتضاه . ( وإن قال : إن قدم فلان فله علي ألف . لم يكن مقرا ) حيث قدم الشرط ; لأنه ليس بمقر في الحال ، وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجبا عند وجود الشرط ; لأن الشرط لا يقتضي إيجاب ذلك . ( وإن قال : له علي [ ص: 323 ] ألف إن قدم فلان ) أو إن شاء ( فعلى وجهين ) الأشهر : أنه لا يكون مقرا كالتي قبلها .

والثاني : يكون مقرا ; لأنه قدم الإقرار ، فثبت حكمه وبطل الشرط ; لأنه لا يصلح أن يكون آجلا ؛ ولأن الحق الثابت في الحال لا يقف على شرط فقط .

( وإن قال : له علي ألف إذا جاء رأس الشهر . كان مقرا ) قاله أصحابنا ; لأنه قد بدأ بالإقرار فعمل به . وقوله : إذا جاء رأس الحول . يحتمل أنه أراد المحل ، فلا يبطل الإقرار بأمر محتمل . ( وإن قال : إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف . فعلى وجهين ) .

أشهرهما : لا يكون مقرا . وجزم به في " الكافي " وغيره ; لأنه بدأ بالشرط وعلق عليه لفظا يصلح للإقرار ، ويصلح للوعد ، فلا يكون إقرارا مع الاحتمال .

والثاني : بلى كالتي قبلها .

قال في " الشرح " : ويحتمل أنه لا فرق بينهما ; لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء . فيكون فيهما جميعا وجهان . وكذا في " الرعاية " .

وفي " المحرر " و " الفروع " : يصح : له علي كذا ، إذا جاء وقت كذا لاحتمال إرادة المحل . [ ص: 324 ] قال في " الفروع " : وفيه تخريج في عكسها . وأطلق في " الترغيب " وجهين فيهما . ( وإن قال : له علي ألف إن شهد به فلان ، أو إن شهد به فلان صدقته . لم يكن مقرا ) لأنه علقه على شرط ؛ ولأنه يجوز أن يصدق الكاذب . وفي " الكافي " وغيره : إذا قال : له علي ألف إن شهد به فلان هل يكون مقرا ؛ على وجهين . ( فإن قال : إن شهد به فلان ، فهو صادق . احتمل وجهين ) كذا في " المحرر " .

أحدهما : لا يكون إقرارا ; لأنه علقه على شرط .

والثاني : بلى . جزم به في " الوجيز " و " الفروع " ; لأنه لا يتصور صدقه إلا مع ثبوته في الحال ، وقد أقر بصدقه .

قال في " الرعاية " : فإن قال : الشهود عدول فليس إقرارا بالمدعى .

وقيل : بلى ، إن جاز الحكم عليه به . قال ابن حمدان : أو قلنا طلب التزكية للشهود . ( وإن أقر العربي بالعجمية أو الأعجمي بالعربية ، وقال : لم أدر ما قلت ؛ فالقول قوله مع يمينه ) لأنه منكر . والظاهر : براءة ذمته ، وصدقه في قوله . ووجبت اليمين ; لأنه يحتمل كذبه . مسألة : إذا قال : بعتك أمتي بألف . فقال : بل زوجتنيها . ولا بينة لأحدهما ، لم يحلف السيد أن لا نكاح .

وقيل : بلى ، ويحلف منكر الشراء على نفيه ، وترد الأمة إلى سيدها ملكا ، ولا بيع ولا نكاح ولا شيء على الآخر ، سواء دخل بها أو لا . وهل للسيد وطؤها إذا [ ص: 325 ] عادت ؛ فيه وجهان . فإن نكل المشتري عن اليمين ، أو حلف منكر النكاح اليمين المردودة عليه ، ثبت البيع ووجب الثمن ، وللمشتري وطؤها بكل حال ; لأنها زوجته أو أمته . ويحتمل أن يجب الأقل من ثمنها أو الأرش . فإن ولدت وتنازعا ، فالولد حر ونفقته على أبيه ويتوارثان ، ولا تعود إلى منكر النكاح ; لأنه يزعم أنها أم ولد الواطئ ، وأن ولده حر لا ولاء عليه ، ويدعي ثمنها ولا تقر بيد الواطئ ; لأنه يزعم أنها ملك منكر النكاح وولدها ومهرها . فإن كان الواطئ صادقا ، جاز له وطؤها باطنا فقط ، ونفقتها في كسبها .

وقال ابن حمدان : بل على سيدها . وتوقف فاضلة حتى ينكشف الحال ، أو يصطلحا ، والولد حر .

فإن مات قبل موت مستولدها ، فلمدعي بيعها أخذ الثمن من تركتها .

فإن فضل شيء وقف . وإن ماتت بعد موته صرف إلى نسيبها الحر الوارث ; لأنها حرة . فإن عدم ، وقف التركة والولاء حتى يعرف المستحق . فإن صدقه مستولدها لزمه الثمن ، وكانت أم ولد . وإن صدقه سيدها الأول ، سقط مهر المثل ولم تبطل حريتها ، ولا حرية ولدها . وقيل : إن بطل البيع ، فلا ثمن ولا مهر ولا يأخذها أحدهما ، ولا يطؤها .

والأول ذكره السامري ، وقدمه في " الرعاية " ، وذكر في " النهاية " : أن الصحيح جواز الوطء لمدعي الزوجية . وقيل : باطنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية