صفحة جزء
[ ص: 355 ] باب الإقرار بالمجمل . إذا قال : له علي شيء ، أو كذا . قيل له : فسر . فإن أبى حبس حتى يفسر فإن مات أخذوا إرثه بمثل ذلك ، إن خلف الميت شيئا يقضى منه وإلا فلا ، فإن فسره بحق شفعة أو مال ، قبل وإن قل . وإن فسره بما ليس بمال ، كقشر جوزة أو ميتة أو خمر ، لم يقبل وإن فسره بكلب أو حد قذف ، فعلى وجهين . وإن قال : غصبت منه شيئا . ثم فسره بنفسه ، أو ولده ، لم يقبل .


باب الإقرار بالمجمل .

المجمل : ما لم تتضح دلالته ، وهو نقيض المبين ، وهو ما احتمل أمرين فصاعدا على السواء .

( إذا قال : له علي شيء ، أو كذا ) صح إقراره بغير خلاف نعلمه .

ويفارق الدعوى حيث لا تصح بالمجهول ; لكون الدعوى له والإقرار عليه ، فلزمه ما عليه مع الجهالة دون ما له ؛ ولأن الدعوى إذا لم تصح فله تحريرها ، والمقر لا داع له إلى التحرير ، ولا يؤمن رجوعه عن إقراره فألزمنا مع الجهالة .

وتصح الشهادة على الإقرار به كالمعلوم . ( وقيل له : فسر ) أي : يلزمه تفسيره ; لأن الحكم بالمجهول لا يصح . ( فإن أبى حبس حتى يفسر ) أي : إذا امتنع من التفسير فإنه يحبس حتى يفسر . ذكره الأصحاب ; لأن التفسير حق عليه ، فإذا امتنع منه حبس عليه كالمال .

وقال القاضي : يجعل ناكلا ويؤمر المقر له بالبيان ، فإن بين شيئا ، فصدقه المقر ، ثبت . وإن كذبه وامتنع من البيان ، قيل له : إن بينت وإلا [ ص: 356 ] جعلتك ناكلا ، وقضيت عليك . ( فإن مات أخذوا إرثه بمثل ذلك ، إن خلف الميت شيئا يقضى منه ) زاد في " المحرر " و " الرعاية " و " الفروع " : وقلنا : لا يقبل تفسيره بحد قذف ; لأن الحق ثبت على مورثهم ، فتعلق بتركته كما لو كان معينا . ( وإلا فلا ) أي : لا يؤاخذ بالتفسير حيث لم يخلف الميت شيئا يقضى منه ; لأن الوارث لا يلزمه وفاء دين الميت إذا لم يخلف تركة كمال يلزمه في حياته .

وعنه : إن صدق الوارث موروثه في إقراره ، أخذ به وإلا فلا . وقيل : إن أبى وارث أن يفسره ، وقال : لا علم لي بذلك . حلف ، ولزمه من التركة ما يقع عليه الاسم ، كالوصية له بشيء .

قال في " الشرح " : ويحتمل أن يكون المقر كذلك ـ إذا حلف أن لا يعلم ـ كالوارث .

فرع : إذا ادعى عليه شيئا ، فأقر بغيره صح ، نص عليه إن صدقه ، والدعوى باقية ، ( فإن فسره بحق شفعة أو مال ، وإن قل ، قبل ) وثبت ; لأنه يصح إطلاقه على ما ذكر حقيقة وعرفا ، إلا أن يكذبه المقر له ، ويدعي جنسا آخر ، أو لا يدعي شيئا ، فيبطل إقراره . وكذلك سائر ما يتمول غالبا . ( وإن فسره بما ليس بمال ، كقشر جوزة أو ميتة أو خمر ، لم يقبل ) وكذلك سائر ما لا يتمول عادة ; لأن إقراره اعتراف بحق عليه . فإذا فسره بقشر جوزة أو بيضة لم يقبل ; لأنه لا يثبت في الذمة . [ ص: 357 ] وأما الميتة والخمر فليسا بحق عليه . قال جماعة : وكحبة بر أو شعير . وقيل : يقبل . وجزم به الأزجي ، وزاد : إنه يحرم أخذه ، ويجب رده . . . . وإن قلته لا تمنع طلبه والإقرار به . والأشهر : لا يقبل برد سلام وتشميت عاطس وعيادة مريض وإجابة دعوة ونحوه ; لأن هذه الأشياء تسقط بفواتها ، ولا تثبت في الذمة . وقيل : يقبل تفسيره إذا أراد حقا على رد سلامه إذا سلم ، وتشميته إذا عطس ، للخبر . ( وإن فسره بكلب أو حد قذف ، فعلى وجهين ) :

أحدهما : يقبل . لم يذكر في حد القذف ، في " الكافي " غيره ، وصححه في " الشرح " ، فيه أيضا ; لأنه حق عليه في ذمته ، والكلب شيء يجب رده وتسليمه إليه ، فالإيجاب يتناوله .

والثاني : لا يقبل . جزم به في " الوجيز " ; لأن حد القذف ليس بمال ، والإقرار إخبار عما يجب ضمانه ، والكلب لا يجب ضمانه . ولم يفرق المؤلف هنا في الكلب بين ما يجوز اقتناؤه أو يحرم ، وكذا السامري ، وقدمه في " الرعاية " .

والمذهب ـ كما ذكره في " الكافي " و " المحرر " و " الشرح " و " الفروع " ـ : أن الخلاف إنما هو فيمن يباح نفعه .

فعلى هذا : لو فسره بما لا يجوز اقتناؤه لم يقبل ، قولا واحدا . والخلاف جار [ ص: 358 ] في جلد ميتة . وذكر الأزجي : وفي ميتة . وأطلق في " التبصرة " الخلاف في كلب وخنزير . ( وإن قال : غصبته شيئا . ثم فسره بنفسه ، أو ولده ، لم يقبل ) جزم به في " المستوعب " و " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " : في نفسه ; لأن الغصب لا يثبت عليه ، ولا على ولده ؛ إذ الغصب الاستيلاء على مال الغير ، وإن فسره بخمر أو جلد ميتة أو كلب فيه نفع ، قبل منه .

وفي الولد وجه : أنه يقبل . وفي " المغني " و " الشرح " : أنه إن فسره بما ينتفع به قبل .

قال الأزجي : فإن كان المقر له مسلما ، لزمه إراقة الخمر وقتل الخنزير . وإن قال : غصبتك . ثم فسره بحبسه وسجنه ، قبل .

وفي " الكافي " : لا يلزمه شيء ; لأنه قد يغصبه نفسه . وذكر الأزجي : إن قال : غصبتك . ولم يقل شيئا ، قبل بنفسه وولده عند القاضي .

قال : وعندي لا ; لأن الغصب حكم شرعي ، فلا يقبل إلا بما هو ملتزم شرعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية