صفحة جزء
وإن أحرم منفردا ثم نوى الائتمام لم يصح في أصح الروايتين ، وإن نوى الإمامة ، صح في النفل ، ولم يصح في الفرض ، ويحتمل أن تصح وهو أصح عندي . فإن أحرم مأموما ، ثم نوى الانفراد لعذر جاز ، وإن كان لغير عذر لم يجز في إحدى الروايتين ، وإن نوى الإمامة لاستخلاف الإمام إذا سبقه الحدث صح في ظاهر المذهب .


( وإن أحرم منفردا ثم نوى الائتمام لم تصح في أصح الروايتين ) وهو المذهب ، وصححه في " الشرح " و " الفروع " وجزم به في " الوجيز " لأنه لم ينو الائتمام في ابتداء الصلاة ، ولأنه نقل نفسه مؤتما ، فلم يجز كنية إمامته فرضا ، ولا فرق بين أن يصلي وحده ركعة أو لا ، والجواب نقله إلى الإمامة للحاجة إليه ، والثانية : تصح كما لو نوى الإمامة ، ولأنه نقل نفسه إلى الجماعة ، فعلى هذا يكره ، وعنه : لا ، ومتى فرغ قبل إمامه ، فارقه وسلم ، نص عليه ، وإن [ ص: 421 ] انتظره ليسلم معه جاز ( وإن ) أحرم منفردا ، ثم ( نوى الإمامة صح في النفل ) قدمه في " المحرر " قال ابن تميم وغيره : وهو المنصوص ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يتهجد وحده ، فجاء ابن عباس فأحرم معه ، فصلى به النبي - صلى الله عليه وسلم - متفق عليه ( ولم يصح في الفرض ) على المذهب ، لأنه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة ، أشبه ما لو أحرم يوم الجمعة بعد الخطبة وكمال العدد ، ثم انفضوا ، فأحرم بالظهر ، ثم تكامل العدد ، وهو في الصلاة فنوى الجمعة ، وعنه : لا تصح في فرض ، ولا نفل ، قدمه في " التلخيص " وقطع به بعضهم ، وفي " الفروع " اختاره الأكثر ، لأنه لم ينو الإمامة في ابتدائها أشبه ما لو ائتم بمأموم ( ويحتمل أن تصح ) فيهما ( وهو أصح عندي ) هذا رواية عنه ، واختارها تقي الدين ، لأنه عليه السلام أحرم وحده فجاء جابر وجبار فصلى بهما رواه أبو داود قاله في " الشرح " قلت : رواه مسلم في صحيحه ، ولأن الأصل مساواة الفرض للنفل في النية ، والحاجة داعية إلى ذلك ، فصح كحالة الاستخلاف .

( فإن أحرم مأموما ، ثم نوى الانفراد لعذر ) كمرض ، وغلبة نعاس ، وتطويل إمام ، وغير ذلك ( جاز ) لما روى جابر قال : صلى معاذ بقومه ، فقرأ سورة البقرة ، فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له : فقال : لآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال : أفتان أنت يا معاذ ؛ مرتين متفق عليه ، ولم يأمره بالإعادة ، وكالطائفة الأولى في صلاة الخوف ، فلو زال عذره ، وهو يصلي ، فله الدخول معه ، ولا يلزمه ، وكمسبوق مستخلف أتم من خلفه صلاتهم ، فعلى هذا إن فارقه في ثانية الجمعة لعذر ، أتمها جمعة كمسبوق ، وإن فارقه في الأولى فكمزحوم فيها حتى تفوته الركعتان ، وإن قلنا : لا تصح الظهر قبل الجمعة أتم نفلا ، وإن فارقه في قيام أتى ببقية [ ص: 422 ] القراءة ، وبعدها له الركوع في الحال ، وإن ظن في صلاة سر أن الإمام قرأ ، لم يقرأ ، وعنه : بلى ، لأنه لم يدرك معه الركوع .

فرع : لو سلم من له عذر ، ثم صلى وحده ، فظاهر كلامهم لا يجوز ، فيحمل فعل من فارق معاذا على ظن الجواز ، لكن لم ينكر عليه ، فدل على جوازه ، وذكره في شرح مسلم ( وإن كان لغير عذر لم يجز في إحدى الروايتين ) وهي الأصح ، كما لو ترك متابعة إمامه بغير نية المفارقة ، والثانية : يجوز ، ولا تبطل ، كما إذا نوى المنفرد الإمامة بل هاهنا أولى ، فإن المأموم قد يصير منفردا بغير نية ، وهو المسبوق إذا سلم إمامه ، والمنفرد لا يصير مأموما بغير نية بحال ، قال ابن تميم : والإمام كالمأموم في ذلك .

فرع : تبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه لعذر أو غيره ، اختاره الأكثر لا عكسه في الأظهر ، ويتمها منفردا ، وعنه : لا تبطل صلاة مأموم ، ويتمونها فرادى ، والأشهر : أو جماعة ، اختاره جمع ، وقال القاضي ، وصاحب " التلخيص " : إن فسدت صلاته بترك ركن فسدت صلاتهم رواية واحدة ، وإن كان بفعل منهي عنه كالحدث ، فروايتان ، واستثنى في " المستوعب " إذا صلى بهم محدثا ، ولم يذكر حتى سلم ، فإنه لا تبطل صلاتهم ، رواية واحدة ، استحسانا ( وإن ) أحرم مأموما ، ثم ( نوى الإمامة لاستخلاف الإمام إذا سبقه الحدث صح في ظاهر المذهب ) وهو المنصور عند أصحابنا ، لما روي أن عمر لما طعن ، أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه ، فأتم بهم الصلاة . رواه البخاري . فما عابه عائب ، ولا أنكره منكر ، فكان كالإجماع ، ولفعل علي رواه سعيد . [ ص: 423 ] وظاهره سواء قلنا ببطلان صلاة الإمام أولا ، وبالجملة فقد اختلفت الرواية فيها ، والأصح أنها باطلة كتعمده ، ولقوله عليه السلام : إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف ، فليتوضأ ، وليعد الصلاة رواه أبو داود بإسناد جيد من حديث علي بن طلق ، وعنه : إن كان من السبيلين ابتدأ ، ومن غيرهما يبني ، لأن نجاستهما أغلظ ، وعنه : يبني مطلقا اختاره الآجري لخبر رواه ابن ماجه ، والدارقطني عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ، ثم ليبن على صلاته ، وهو في ذلك لا يتكلم .

فعلى هذا إذا احتاج إلى عمل كثير ، فوجهان ، أصحهما : البناء ، قاله ابن تميم ، وعنه : يخير ، والأول أولى ، وحديث عائشة فيه إسماعيل بن عياش عن ابن جريج ، وهو حجازي ، وروايته عن الحجازيين ضعيفة عند أكثر المحدثين .

وإن سبق الإمام الحدث فجهل هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة ، فصلاة المأموم صحيحة .

تنبيه : إذا لم يستخلف الإمام ، فاستخلف الجماعة أحدهم ، أو مسبوقا منهم ، أو من غيرهم ، أو استخلف كل طائفة رجلا ، أو صلى بعضهم فرادى ، أو كلهم ، أو تطهر الإمام وأتم بهم قريبا وبنى ، صح الكل على المذهب ، وله أن يستخلف لحدوث مرض أو خوف أو حصر عن قراءة واجبة أو قصر ، ونحوه ، وظاهره ، وجنون ، وإغماء ، واحتلام ، ولو مسبوقا ، نص عليه ، ويستخلف من يسلم بهم ، وله استخلاف من لم يدخل معه نصا ، ويبني على ترتيب الأول [ ص: 424 ] في الأصح ، فإن استخلف في الركوع لغت تلك الركعة ، وقال ابن حامد : إن استخلفه فيه أو بعده ، قرأ لنفسه ، وانتظره المأموم ، ثم ركع ولحق المأموم ، وإن استخلف امرأة وفيهم رجل ، أو أميا وفيهم قارئ ، صحت صلاة الثاني بالنساء والأميين فقط ، وقال في " الرعاية " : ومن استخلف فيما لا يعتد له به ، لم يمنع اعتداد المأموم به .

التالي السابق


الخدمات العلمية