صفحة جزء
ويجب الاستنجاء من كل خارج إلا الريح ، فإن توضأ قبله ، فهل يصح وضوءه ؛ على روايتين وإن تيمم قبله خرج على الروايتين ، وقيل : لا يصح وجها واحدا .


( ويجب الاستنجاء أو الاستجمار من كل خارج ) لخبر عائشة وغيره ، إذ الأمر يقتضي الوجوب ، وأكد ذلك بلفظ الإجزاء فإنه غالبا يستعمل فيه ، وكلامه شامل للمعتاد ، كالغائط ، والبول ، والنادر كالدود ، والحصى ، والطاهر ، والنجس ، وهو ظاهر كلام الأصحاب ، وظاهر " المحرر " أنه لا يجب في طاهر ، كمني ، ودواء تحملت به ، إن قيل بطهارة فرجها ، والمذي على رواية ، وللرطب [ ص: 96 ] واليابس ، حتى لو أدخل ميلا في ذكره ، ثم أخرجه لزمه الاستنجاء ، وهو المشهور ربطا للحكم بالمظنة ، وهي استصحاب الرطوبة ، وقال في " المغني " ، و " الشرح " : القياس أنه لا يجب في يابس لا ينجس المحل ، وذكر ابن تميم ذلك وجها ( إلا الريح ) فإنه لا يجب لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من استنجى من ريح فليس منا رواه الطبراني في " معجمه " الصغير ، قال أحمد : ليس فيها استنجاء في كتاب الله تعالى ، ولا سنة رسوله عليه السلام ، ولأن الغسل إنما يجب لإزالة النجاسة ، ولا نجاسة فيها ، قال في " المبهج " : لأنها عرض باتفاق الأصوليين ، وفيه نظر ، لأن من المعلوم أن للريح الخارجة من الدبر رائحة منتنة قائمة بها ، ولا شك في كون الرائحة عرضا ، فلو كانت الريح أيضا عرضا ، لزم قيام العرض بالعرض وهو غير جائز عند المتكلمين ، وهي طاهرة ، وفي " النهاية " نجسة فتنجس ماء يسيرا ، وفيه بعد ، وذكر أبو الخطاب : أنها غير ناقصة بنفسها ، بل بما يتبعها من النجاسة ، ويعفى عن خلع السراويل للمشقة ، وقيل : لا استنجاء من نوم وريح ، وإن أصحابنا بالشام قالت : الفرج يرمص كما ترمص العين ، وأوجبت غسله ، ذكره أبو الوقت الدينوري ( فإن توضأ قبله ) أي : قبل الاستنجاء إذا كانت النجاسة عليه ( فهل يصح وضوءه ؛ على روايتين ) إحداهما : يصح ، قدمه في " المحرر " وجزم به في " الوجيز " وصححها القاضي ، وفي " الشرح " لأنها إزالة نجاسة ، فلم تشترط لصحة الطهارة ، كالتي على غير الفرج ، فعليها يباح له به مس المصحف ، ولبس الخف ، والصلاة عند عجزه عما يستنجي به ، ويستمر وضوءه ما لم يحدث ، ثم يزيلها بخرقة ، أو غيرها ، والأخرى : لا يصح ، وهي ظاهر الخرقي ، وقدمها في " الرعاية " ، و " الفروع " ، وذكر أنه [ ص: 97 ] اختيار الأكثر لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث المقداد : يغسل ذكره ، ثم يتوضأ فرتب الوضوء بعد الغسل ، ولأنها طهارة يبطلها الحدث ، فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم ، فعلى هذه لا يستبيح شيئا مما ذكرنا ( وإن تيمم قبله خرج على الروايتين ) السابقتين ، فيصح عند ابن حامد ، واختار القاضي ، وابن حمدان البطلان ، وبناه في " المغني " ، و " الشرح " على رواية صحة الوضوء فقط ( وقيل : لا يصح وجها واحدا ) جزم به في " الوجيز " لأنه لا يرفع الحدث ، وإنما يستباح به ، ولا يباح مع قيام المانع ، كالتيمم ، فعلى هذا إذا كانت على غير الفرج ، فهو كما لو كانت عليه ، ذكره القاضي ، وابن عقيل ، وفي وجه : يجزئ ، لأنه استباح الصلاة بغيره ، أشبه ما لو كانت على الثوب ، قال في " المغني " : وهو الأشبه ، لأن نجاسة الفرج سبب وجوب التيمم ، فجاز أن يكون بقاؤها مانعا ، بخلاف سائر النجاسات .

مسألة : يحرم منع المحتاج إلى الطهارة ، ولو وقفت على طائفة معينة ، ولو في ملكه ، لبذلها للمحتاج شرعا وعرفا ، ولو صرح الواقف بالمنع ، قال الشيخ تقي الدين : يمنع أهل الذمة من دخول طهارة إن حصل بهم ضرر ، ومع عدمه ، لا مزاحمة لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية