صفحة جزء
ثم يرفع رأسه قائلا : سمع الله لمن حمده ويرفع يديه . فإذا قام قال : ربنا ولك الحمد ، ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ، فإن كان مأموما لم يزد على : ربنا ولك الحمد إلا عند أبي الخطاب ،


( ثم يرفع رأسه قائلا : سمع الله ) إن كان إماما أو منفردا ، لأنه عليه [ ص: 449 ] السلام كان يقول ذلك ، وروى الدارقطني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبريدة : يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد وظاهره أن ترتيب هذا الذكر واجب ، فلو قال : من حمد الله سمع له لم يجزئه لتغير المعنى ، فإن الأول صيغة تصلح للدعاء ، معنى سمع أجاب ، والثاني صيغة شرط وجزاء ، فافترقا ، أشبه ما لو نكس التكبير ( ويرفع يديه ) لحديث ابن عمر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع ، رفعهما متفق عليه . فيرفعهما مع رفع رأسه في رواية لما تقدم ، وعنه : بعد اعتداله ، نقل أحمد بن الحسين أنه رأى أحمد يفعله ، وقيل : يرفعهما المأموم مع رأسه رواية واحدة ، لأنه ليس في حقه ذكر بعد الاعتدال ، والرفع إنما جعل هيئة للذكر ، وكذا المنفرد ، إن قلنا : لا يقول بعد الرفع شيئا ( فإذا قام ) أي : اعتدل قائما ( قال : ربنا ولك الحمد ) هذا مشروع في حق كل مصل في قول أكثر أهل العلم ، لما روى أبو هريرة قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ، ثم يقول وهو قائم : ربنا ولك الحمد متفق عليه ، ويخير بين إثبات الواو وحذفها ، وبها أفضل ، نص عليه ، وهو الأصح للاتفاق عليه من رواية ابن عمر ، وأنس ، وأبي هريرة ، ويكون أكثر حروفا ، ويتضمن الحمد مقدرا أو مظهرا ، فإن التقدير ربنا حمدناك ، ولك الحمد ، لأن الواو لما كانت للعطف ، ولا شيء ها هنا يعطف عليه ظاهرا ، دل أن في الكلام مقدرا ، وهو قول اللهم ربنا ولك الحمد ، وبلا ( واو ) أفضل ، نص عليه ، لأنه متفق عليه من حديث أبي هريرة ، وأكثر فعله عليه السلام : اللهم ربنا لك الحمد ، وعنه : يقول : ربنا ولك الحمد ، ولا يتخير ، قال في " المغني " و " الشرح " : وكيفما قال جاز ، وكان حسنا ، لأن السنة وردت به .

[ ص: 450 ] فرع : إذا عطس حال رفعه ، فحمد الله لهما لا يجزئه ، نص عليه ، لأنه لم يخلصه للرفع ، وصحح المؤلف الإجزاء كما لو قاله ذاهلا ، وإن نوى أحدهما تعين ، ولم يجزئه عن الآخر .

( ملء السماء ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ) أي : حمدا لو كان أجساما لملأ ذلك ، ولمسلم ، وغيره : وملء ما بينهما والأول أشهر في الأخبار ، واقتصر عليه الإمام ، والأصحاب ، لما روى ابن أبي أوفى قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع ظهره من الركوع ، قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد ملء السماء ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد رواه أحمد ، ومسلم ، والمعروف في الأخبار ( السماوات ) لما روى علي قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد رواه أحمد ، ومسلم ، والترمذي ، وصححه ، وفي " المحرر " و " الوجيز " كـ " المقنع " ، وهذا في حق الإمام والمنفرد كسائر الأذكار ، وهو اختيار الأصحاب ، إذ الأصل التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيما وقد عضده قوله عليه السلام : صلوا كما رأيتموني أصلي وعنه : يقتصر المنفرد على التسميع والتحميد فقط حطا له عن رتبة الإمام ، ورفعا له عن رتبة المأموم ، لأنه أكمل منه لعدم تبعيته ، وعنه : يسمع فقط ، وعنه : عكسه ، وظاهره أنه لا تستحب الزيادة على ذلك في رواية ، وخصها في " المغني " و " الشرح " بالفريضة ، وكلام أحمد عام ، ونقل عنه أبو الحارث : إن شاء قال : أهل الثناء والمجد ، قال أحمد : وأنا أقوله ، فظاهره يستحب ، واختاره أبو حفص ، وصححه في " المغني " و " الشرح " .

[ ص: 451 ] ( فإن كان مأموما لم يزد على : ربنا ولك الحمد ) في ظاهر المذهب ، لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد متفق عليه ، واقتصاره على أمرهم بذلك يدل على أنه لا يشرع في حقهم سواه ، ويأتي به حين يرفع ، لأنه يأخذ في الرفع عقيب تسميع الإمام فيحمد حينئذ ، وأما الإمام والمنفرد فيقولان ذلك بعد الاعتدال من الركوع ، لأنهما في حال الرفع يشرعان في التسميع ( إلا عند أبي الخطاب ) فإنه يزيد على ذلك : ملء السماء إلى آخره ، وهو رواية نقلها الأثرم ، واختارها صاحب " النصيحة " ، والشيخ تقي الدين ، لأنه ذكر مشروع في الصلاة ، أشبه بقية الأذكار ، وظاهره اختصاص الزيادة عنده بما بعد التحميد ، وفي " المغني " لا أعلم خلافا أن المؤتم لا يسمع ، لأنه أمر بالتحميد عقيب تسميع إمامه ، وعنه : ويسمع ، وحكاه في " المحرر " قولا كالإمام ، والمنفرد ، ولأنه ذكر مشروع لهما ، فشرع للمأموم كسائر الأذكار ، وجوابنا بأن حديثنا خاص بالمأموم ، وحديث بريدة عام ، وتقديم الصحيح الخاص أولى ، مع أن إسناد حديث بريدة فيه جابر الجعفي ، وعمرو بن شمر ، وهما ضعيفان عند أكثر المحدثين .

مسألة : لم يتعرض المؤلف لهيئة اليدين بعد الرفع ، والمنصوص عنه : إن شاء أرسلهما ، وإن شاء وضع يمينه على شماله ، وفي المذهب ، و " التلخيص " يرسلهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية