صفحة جزء
ثم يكبر ويخر ساجدا ، ولا يرفع يديه ، فيضع ركبتيه ، ثم يديه ، ثم جبهته وأنفه ، ويكون على أطراف أصابعه ، والسجود على هذه الأعضاء واجب ، إلا الأنف على إحدى الروايتين ، ولا يجب عليه مباشرة المصلى بشيء منها إلا الجبهة على إحدى الروايتين ، ويجافي عضديه عن جنبيه ، وبطنه عن فخذيه ، ويضع يديه ، حذو منكبيه ، ويفرق بين ركبتيه ، ويقول : سبحان ربي الأعلى ثلاثا ،


( ثم يكبر ويخر ساجدا ) للنصوص ( ولا يرفع يديه ) في ظاهر المذهب لقول ابن عمر : وكان لا يفعل ذلك في السجود متفق عليه ، وعنه : بلى ، وعنه : في كل خفض ورفع ، وفيه عن ابن عمر ، وأبي حميد أحاديث صحاح ، وحيث استحب [ ص: 452 ] رفعهما فقال أحمد : هو من تمام الصلاة ، من رفع أتم صلاة ، وعنه : لا أدري ، قال القاضي : إنما توقف على نحو ما يقوله ابن سيرين أن الرفع من تمام صحتها ، لأنه قد حكي عنه : أن من تركه يعيد ، ولم يتوقف أحمد عن التمام الذي هو تمام فضيلة وسنة ، ومن تركه فقد ترك السنة ( فيضع ركبتيه ، ثم يديه ) على المشهور في المذهب ، وهو قول عامتهم لما روى وائل بن حجر قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه رواه النسائي ، وابن ماجه ، والترمذي ، وقال : حسن غريب لا نعرف أحدا رواه غير شريك ، والعمل عليه عند أكثرهم ، ورواه أبو داود بإسناد جيد من غير طريق شريك ، ولأنه أرفق بالمصلي ، وأحسن في الشكل ، ورأي العين ، وعنه : عكسه ، لما روى أبو هريرة مرفوعا قال : إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ، ولا يبرك بروك البعير رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، لكن قال الخطابي : حديث وائل أصح ، وقال الحاكم : هو على شرط مسلم ، وتقدير مساواته فهو منسوخ بما روى ابن خزيمة عن أبي سعيد قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين ، فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين لكنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل ، وقد تكلم فيه ابن معين والبخاري ، والمراد باليدين ها هنا الكفان ( ثم جبهته ، وأنفه ) بغير خلاف لما روى أبو حميد الساعدي قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض رواه الترمذي ، وصححه ( ويكون على أطراف أصابعه ) أي : أصابع رجليه ، ويثنيهما إلى القبلة ذكره في " المغني " و " الشرح " لقوله عليه السلام : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ذكر منها [ ص: 453 ] أطراف القدمين ، وفي الصحيح : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد غير مفترش ، ولا قابضهما ، واستقبل بأطراف رجليه القبلة ، وفي رواية : وفتخ أصابع رجليه وفي " المستوعب " أنه يقيم قدمه ، ويجعل بطون أصابعهما على الأرض ، وقال في " التلخيص " : يجب جعل باطن أطرافها إلى القبلة ، إلا أن يكون فيهما نعال أو خف ، وقيل : يجب فتخها إن أمكن ، قال في " الرعاية " : ويكره أن يلصق كعبيه في سجوده قاله في " المستوعب " .

فرع : إذا سقط على جنبه بعد قيامه من الركوع ، ثم انقلب ساجدا لم يجزئه سجوده حتى ينويه ، لأنه خرج عن سنن الصلاة وهيئتها ، وإن سقط منه ساجدا أجزأه بغير نية ، لأنه على هيئتها فلو قطع النية عن ذلك لم يجزئه ، قال ابن تميم وغيره : ولا تبطل صلاته .

( والسجود على هذه الأعضاء واجب ) أي : ركن مع القدرة اختاره الأكثر ، وذكره ابن الجوزي قولا واحدا ، وعنه : لا يجب على غير الجبهة ، ذكرها الآمدي لقوله عليه السلام : سجد وجهي فدل على أن السجود على الوجه ، وبه يسمى ساجدا لا بوضع غيره من الأعضاء ، ولأنه لو وجب السجود على هذه الأعضاء لوجب كشفها كالجبهة ، قال القاضي في " الجامع " : هذا ظاهر كلام أحمد ، فإنه قد نص في المريض يرفع شيئا يسجد عليه ، ومعلوم أنه قد أخل بالسجود على يديه ، ذكره في " المغني " و " الشرح " فعلى هذه فيكون السجود على البقية سنة ، والأول أولى ، لما روى ابن عباس مرفوعا : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة ، وأشار بيده إلى أنفه ، واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين متفق عليه ، وقال : إذا سجد أحدكم سجد معه سبعة آراب : [ ص: 454 ] وجهه ، وكفاه ، وركبتاه ، وقدماه رواه مسلم ، وأجاب في " المغني " و " الشرح " بأن سجود الوجه لا ينفي سجود ما عداه ، وسقوط الكشف لا يمنع وجوب السجود ، فإنا نمنع في الجبهة على رواية ، ولو سلم فالجبهة هي الأصل في السجود ، وهي تكشف عادة بخلاف غيرها ( إلا الأنف ) فإنه لا يجب السجود عليه ( على إحدى الروايتين ) اختارها جماعة ، وهي ظاهر " الوجيز " وصححها القاضي قاله في الوسيلة ، لأنه عليه السلام لم يذكر الأنف منها ، وعن جابر قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر رواه تمام في " فوائده " وإذا سجد بأعلى الجبهة لم يسجد على الأنف ، والثانية : " ركن " ذكر ابن هبيرة أنها المشهورة ، وقدمها ابن تميم والجد ، وصححها ابن المنجا وغيره لما تقدم ، فمتى أخل بالسجود على عضو من هذه لم تصح .

تنبيه : إذا عجز عن السجود بغير الجبهة سجد بما يقدر عليه ما أمكنه ، ولا يجب أن يرفع إليه شيئا يسجد عليه ، لأنه هو الهبوط ، ولا يحصل بالرفع ، وإن عجز عن الجبهة لعارض من مرض أو غيره سقط عنه السجود بما يقدر عليه ، قال أحمد في المريض يرفع إلى جبهته شيئا يسجد عليه : إنه يجزئه ، حكاه في " المغني " و " الشرح " وصححه ابن تميم ، وقيل : لا يسقط ، جزم به القاضي في " التعليق " لأنه لا يمكن وضعه بدون بعضها ، ويمكن رفعه بدون شيء منها ، ويجزئه بعض كل عضو منها ، وذكر في " التلخيص " أنه يجب سجوده بباطن كفه أو بعضه ، وفي " الرعاية " وقيل : وأصابعه ، وهو قول ابن حامد ، ولا يجزئ سجوده على كلاهما عن جبهته وفاقا ، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الإجزاء ، قال : ولا أعلم أحدا سبقه إلى هذا ، قلت : ولعله ذهب إلى أن الجبهة ، والأنف عضو واحد ، [ ص: 455 ] لإشارته عليه السلام إليه ، والعضو الواحد يجزئ السجود على بعضه .

( ولا تجب عليه مباشرة المصلى بشيء منها ) أي : من أعضاء السجود ، وهو إجماع في القدمين ، لصحة صلاة لابس الخفين ، وفي الركبتين لاتصالهما بالعورة أو منها ، عند بعض ، وقول الجمهور في اليدين لما روى عبد الله بن عبد الرحمن قال : جاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل ، فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد رواه أحمد ، وابن ماجه ( إلا الجبهة ) فإنه يجب عليه مباشرة المصلى بها ( على إحدى الروايتين ) ذكرها أبو الخطاب لقول خباب : شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا ، فلم يشكنا رواه البيهقي ، ومسلم ، وليس فيه جباهنا وأكفنا ، وعن علي قال : إذا سجد أحدكم فليحسر العمامة عن جبهته . رواه البيهقي ، وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة ، ولأنه سجد على ما هو حائل له ، أشبه ما لو سجد على يديه ، والثانية : لا يجب ، وهي الأصح في المذهب ، ونصرها في " المغني " و " الشرح " وقدمها في " المحرر " و " الفروع " لما روى أنس قال : كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود متفق عليه . قال البخاري : قال الحسن : كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ، ويداه في كمه . وروى البيهقي عن الحسن قال : كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجدون ، وأيديهم في ثيابهم ، وعلى عمائمهم . وذكر القاضي أنه لو سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله صحت صلاته رواية واحدة ، والجواب عن حديث خباب أنهم طلبوا منه ما يزيل عنهم ضرر الرمضاء في جباههم وأكفهم بتأخير الصلاة أو تسقيف المسجد أو نحوه ، لا أنهم طلبوا الرخصة في السجود على العمائم ، والأكمام ، لأنه إنما طلبه الفقراء ، ولم يكن لهم عمائم ، ولا أكمام طوال [ ص: 456 ] يتقون بها الرمضاء ، وعلى الصحة ففي كراهة حائل متصل حتى طين كثير روايتان ، ولا يكره لعذر ، نقله صالح ، وغيره ، وذكر السامري أن ظاهر ما نقله أكثر الأصحاب لا فرق ، قال في " الفروع " : وليس بمراد ، بل قال جماعة : يكره بمكان شديد الحر والبرد ، قال ابن شهاب : لترك الخشوع ، كمدافعة الأخبثين .

مسألتان : الأولى : إذا سجد على يديه لم يجزئه قولا واحدا ، لأن السجود فيها يفضي إلى تداخل أعضاء السجود ، قال القاضي في الجامع : لم أجد عن أحمد نصا فيها ، ويجزئه إن قلنا : لا يجب السجود على غير الجبهة ، وإن قلنا بالوجوب ، فلا ، لئلا يتداخل محل السجود بعضه في بعض .

الثانية : إذا علا موضع رأسه على موضع قدميه فلم تستعل الأسافل بلا حاجة جاز ، وقيل : يكره ، وقيل : تبطل ، وقيل : إن كثر ، وقال في " التلخيص " : التنكيس في السجود ، وهو استعلاء الأسافل واجب ، والصحيح أن اليسير لا بأس به دون الكثير ، ولم يذكر جماعة التنكيس في الواجبات ، والسنن .

( و ) يسن أن ( يجافي عضديه عن جنبيه ، وبطنه عن فخذيه ) وفخذيه عن ساقيه ، لما في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد يجنح حتى يرى وضح إبطيه وعن أبي حميد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض ، ونحى يديه عن جنبيه ، ووضع كفيه حذو منكبيه رواه أبو داود ، وقال أبو عبد الله في " رسالته " : جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا سجد لو مرت بهيمة لنفدت ، وذلك لشدة رفع مرفقيه ، وعضديه ، وهذا ما لم يؤذ جاره ( ويضع يديه ) يعني راحتيه على الأرض مبسوطتين مضمومتي الأصابع مستقبلا [ ص: 457 ] بهما القبلة ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد ضم أصابعه رواه أبو حاتم ، والبيهقي ( حذو منكبيه ) لما تقدم ، ونقل عبد الله : حذاء أذنيه ، ونقل أبو طالب : قريبة من أذنيه ( ويفرق بين ركبتيه ) ورجليه ، لأنه عليه السلام كان إذا سجد فرج بين فخذيه ، وذكر ابن تميم ، وغيره أنه يجمع بين عقبيه ، ويكره افتراش الذراع في السجود للنهي المتفق عليه من حديث أنس .

مسألة : له أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال ، ولم يقيده جماعة ، لخبر أبي هريرة أن الصحابة شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشقة السجود عليهم ، قال : استعينوا بالركب قال ابن عجلان : هو أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود ، وقيل : في نفل ، وعنه : يكره ، قال في " الفروع " : وظاهر المسألة لو وضع جبهته بالأرض ، ولم يعتمد عليها يجزئه ، وقد احتج بعض أصحابنا بأمره عليه السلام بتمكين الجبهة من الأرض ، وبفعله ، ووجوب الرجوع إليه ، وهذا يقتضي الوجوب ، فهذان وجهان ، وقد ذكروا لو سجد على حشيش أو قطن أو ثلج ، وبرد ، ولم يجد حجمه ، لم يصح ، لعدم المكان المستقر عليه ( ويقول : سبحان ربي الأعلى ثلاثا ) كالتسبيح في الركوع على ما مر ، وفي " المغني " أنه يستحب الدعاء بما ورد لقوله عليه السلام : وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم رواه مسلم ، ومعناه : حقيق ، وجدير ، وقال القاضي : لا تستحب الزيادة عليه في الفرض ، وفي النفل روايتان ، ورده المؤلف بما صح من الأخبار ، وسنته عليه السلام أحق بالاتباع .

التالي السابق


الخدمات العلمية