صفحة جزء
ثم يرفع رأسه مكبرا ، ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ، ويجلس عليها ، وينصب اليمنى ، ثم يقول : رب اغفر لي ثلاثا ، ثم يسجد الثانية كالأولى ، ثم يرفع رأسه مكبرا ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه إلا أن يشق عليه ، فيعتمد بالأرض ، وعنه : يجلس جلسة الاستراحة على قدميه وأليتيه ، ثم ينهض ، ثم يصلي الثانية كالأولى إلا في الإحرام والاستفتاح ، وفي الاستعاذة روايتان ،


[ ص: 458 ] ( ثم يرفع رأسه ) إذا قضى سجوده ( مكبرا ) ويكون ابتداؤه مع ابتدائه ، وانتهاؤه مع انتهائه ( ويجلس مفترشا يفرش رجله اليسرى ، ويجلس عليها ، وينصب اليمنى ) ويفتح أصابعه نحو القبلة ، لقول أبي حميد في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - : ثم ثنى رجله اليسرى ، وقعد عليها ، واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه وفي حديث عائشة : وكان يفرش رجله اليسرى ، وينصب اليمنى متفق عليه قال جماعة منهم الجد : ويبسط يديه على فخذيه مضمومة الأصابع ، زاد في " التلخيص " ويضم الإبهام ، ولم يذكره آخرون ( ثم يقول ) بين السجدتين ( رب اغفر لي ثلاثا ) ذكره السامري ، وصاحب " التلخيص " و " الفروع " وغيرهم لما روى حذيفة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين : رب اغفر لي رب اغفر لي رواه النسائي ، وابن ماجه ، وإسناده ثقات ، وقال ابن أبي موسى : مرتين ، وهو ظاهر الخرقي للخبر ، وفي " الرعاية " يقول : رب اغفر لي أو لنا ثلاثا ، وفي " الشرح " إن قال : رب اغفر لنا فلا بأس ، ولم يعين أحمد في رواية جماعة ثلاثا ، بل قال : يقول : رب اغفر لي ، قال حرب : ومذهبه إن قال شيئا ، وإن لم يقل جاز ، والأمر عنده واسع ، والأصح خلافه ، ولا يكره في الأصح ما ورد عن ابن عباس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي ، وارحمني ، واهدني ، وارزقني ، وعافني رواه أبو داود ، وعنه : يستحب في نفل ، واختار المؤلف : وفرض .

( ثم يسجد الثانية كالأولى ) من التكبير ، والتسبيح ، والهيئة ، لأنه عليه السلام كان يفعل ذلك ( ثم يرفع رأسه مكبرا ) لأنه عليه السلام كان يكبر في كل [ ص: 459 ] رفع ، وخفض ( ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه ) نص عليه لحديث وائل بن حجر ، وعن ابن عمر قال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة رواه أبو داود ، ولأنه أشق فكان أفضل كالتجافي ، قال القاضي : لا يختلف قوله إنه لا يعتمد على الأرض ، سواء قلنا يجلس للاستراحة أو لا ( إلا عليه فيعتمد بالأرض ) لما روى الأثرم عن علي قال : من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع ، وذكر في " الشرح " أنه إذا شق عليه اعتمد على الأرض لا نعلم فيه خلافا ، واقتضى كلامه أنه لا يجلس جلسة الاستراحة ، وهو المذهب المنصور عند أصحابنا ، لما روى أبو هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينهض على صدور قدميه رواه الترمذي بإسناد فيه ضعف ، وروي ذلك عن عمر ، وابنه ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، قال أحمد : أكثر الأحاديث على هذا ، قال الترمذي : وعليه العمل عند أهل العلم ، قال أبو الزناد : تلك السنة ، وفي " الغنية " يكره أن يقدم إحدى رجليه ، وأنه قيل : يقطع الصلاة ، وكذا في رسالة أحمد يكره ( وعنه : يجلس جلسة الاستراحة ) اختارها أبو بكر عبد العزيز ، وشيخه الخلال ، وذكر أن أحمد رجع عن الأولى ، لما روى مالك بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض رواه البخاري ، وقيل : له ذلك إن كان ضعيفا ، قال المؤلف : وفي هذا جمع بين الأخبار ، وإلا فمثل هذا لا يخفى على عمر ، وعلي ، ومن سمينا ، فيجلس ( على قدميه ، وأليتيه ) نص عليه في رواية المروزي ، وذكر ابن الجوزي أنه ظاهر المذهب ، لأنه لو جلس مفترشا لم يأمن السهو ، وليفارق الجلسة بين السجدتين [ ص: 460 ] وعليه يحمل قول ابن عباس في الإقعاء على القدمين : هو سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - للاتفاق على أنه لا يستحب في هذه الصورة ، وذكر الآمدي أن أصحابنا لا يختلفون في ذلك ، وقيل : يجلس مفترشا كالجلوس بين السجدتين ، قدمه في " الشرح " و " الفروع " وذكره القاضي ، والمؤلف في " المغني " احتمالا ، واحتج بحديث أبي حميد ، وقال : هو صحيح صريح لا ينبغي العدول عنه ، وقال الخلال : روي عن أحمد ما لا أحصيه كثرة أنه يجلس على أليتيه ، وهل هي فصل بين الركعتين أو من الثانية ، فيه وجهان ( ثم ينهض ) بغير تكبير ، لأنه انتهى تكبيره عند انتهاء جلوسه ، وقال أبو الخطاب : ينهض مكبرا ، ورده في " المغني " بأنه يفضي إلى أن يوالي بين تكبيرتين في ركن واحد لم يرد الشرع بجمعهما فيه .

بشرى : روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قام العبد يصلي ، أتي بذنوبه فوضعت على رأسه أو عاتقه ، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه رواه ابن حبان في صحيحه .

( ثم يصلي الثانية كالأولى ) لقوله عليه السلام للمسيء في صلاته لما وصف له الركعة الأولى : ثم افعل بعد ذلك في صلاتك كلها وفهم منه مساواة قراءة الثانية للأولى ، وسيأتي ( إلا في الإحرام ) لأنها للدخول في الصلاة ، وهو منتف ( والاستفتاح ) بغير خلاف نعلمه لما روى أبو هريرة ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح القراءة بـ ( الحمد لله رب العالمين ) ولم يسكت رواه مسلم ، واستثنى أبو الخطاب ، و " المغني " و " الوجيز " و " الفروع " تجديد النية لاستصحابها حكما ، ولأنها تراد للعقد ، وقد انعقدت ، قال المجد : وترك استثنائها أولى ، لأنها شرط لا ركن ، ويجوز أن يتقدم الصلاة [ ص: 461 ] اكتفاء بالدوام الحكمي ( وفي الاستعاذة روايتان ) كذا في " المغني " إحداهما : لا يتعوذ من تعوذ في الأولى ، قدمه في " المحرر " و " الفروع " وهو قول عطاء ، والحسن ، والثوري لظاهر خبر أبي هريرة المتقدم ، ولأن الصلاة جملة واحدة ، فإذا أتى بالاستعاذة في أولها كفى ، فلو تركها في الأولى أتى بها في الثانية ، قال ابن الجوزي : رواية واحدة بخلاف الاستفتاح ، نص عليه ، لأنه يراد لافتتاح الصلاة ، وهي للقراءة ، وقيل : يفتتح إن وجب ، والثانية : يستعيذ في كل ركعة ، لظاهر قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل 98 ] ولحصول الفصل ، كالصلاتين ، فعلى هذه يستعيذ المسبوق ، وعلى الأولى كالاستفتاح ، فإذا قام للقضاء استفتح ، واستعاذ ، نص عليه ، لأن ما يدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته .

التالي السابق


الخدمات العلمية