صفحة جزء
[ ص: 107 ] وسنن الوضوء عشر : السواك ، والتسمية ، وعنه : أنها واجبة مع الذكر ، وغسل الكفين إلا أن يكون قائما من نوم الليل ، ففي وجوبه روايتان ، والبداءة بالمضمضة والاستنشاق ، والمبالغة فيهما إلا أن يكون صائما ، وتخليل اللحية ، وتخليل الأصابع ، والتيامن ، وأخذ ماء جديد للأذنين ، والغسلة الثانية والثالثة .


( وسنن الوضوء ) سمي وضوءا لتنظيفه المتوضئ وتحسينه ( عشر السواك ) لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء رواه أحمد بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة ، وللبخاري تعليقا عند كل وضوء والمراد عند المضمضة ، ( والتسمية ) هذا اختيار الخرقي ، والمؤلف ، قال الخلال : إنه الذي استقرت عليه الرواية لقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة الآية [ المائدة 6 ] فلم يذكرها ، ولأنها طهارة ، فلم تجب لها التسمية ، كطهارة الخبث ، قال أحمد : ليس يثبت في هذا حديث ، ولا أعلم فيه حديثا له إسناد جيد ، وإن صح فهو محمول على تأكيد الاستحباب ( وعنه : أنها واجبة مع الذكر ) اختارها أبو بكر ، وابن شاقلا ، وأبو جعفر ، وأبو الحسين ، والقاضي ، وأصحابه لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ، رواه أحمد ، وأبو داود ، ولأحمد ، وابن ماجه من حديث سعيد بن زيد ، وأبي سعيد مثله ، قال البخاري : أحسن ما في هذا الباب حديث سعيد بن زيد ، وكذلك قال إسحاق : هو أصحها ، فعلى هذا تسقط سهوا كالصلاة ، نص عليه ، وهو المذهب ، لأن الوضوء عبادة تتغاير أفعالها ، فكان في واجباتها ما يسقط سهوا كالصلاة ، ولا تسقط في أخرى ، فعلى هذا تكون شرطا ، اختارها ابن عبدوس ، والمجد ، لكن قال الشيرازي : متى سمى في أثنائه أجزأه على كل حال ، لأنه قد ذكر الله تعالى على وضوئه ، وإذا قيل بوجوبها ، فهل تسمى فرضا أو سنة ؛ فيه روايتان ، والأخرس تكفي إشارته بها .

[ ص: 108 ] تتميم ، محلها اللسان لأنها ذكر ، ووقتها بعد النية لتكون شاملة لجميع أفعال الوضوء ، وصفتها : بسم الله ، فإن قال : بسم الله الرحمن أو القدوس لم يجزئه على الأشهر ، كما لو قال الله أكبر على المحقق .

( وغسل الكفين ) أي : قبل الوضوء مطلقا ، لما روى أحمد ، والنسائي ، عن أوس بن [ أبي ] أوس الثقفي ، قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فاستوكف ثلاثا أي : غسل كفيه ، والمذهب أنهما يغسلان ثلاثا ، ولو تحقق طهارتهما ، نص عليه ( إلا أن يكون قائما من نوم الليل ) ناقض للوضوء ، ( ففي وجوبه روايتان ) الأصح والظاهر عن أحمد وجوب غسلهما تعبدا ، واختاره أكثر أصحابنا ، لما تقدم من الأمر به ، وهو يقتضي الوجوب ، والثانية : هي مستحبة ، اختارها الخرقي ، والشيخان ، لأن الله تعالى أمر القائم إلى الصلاة بغسل أعضاء الوضوء ، وهو شامل للقائم من النوم ، لا سيما وقد فسره زيد بن أسلم بالقيام من الليل ، ولم يذكر غسل اليدين ، وحمل الأمر على الندب ، لأنه علل بوهم النجاسة ، وطريان الشك على يقين الطهارة غير مؤثر فيها .

فرع : إذا نسي غسلهما سقط مطلقا ، لأنها طهارة مفردة ، وإن وجب ، وفيه وجه لا يسقط ، لأنه من تمام الوضوء ، والأول : أقيس ، لأنه يجوز تقديم غسلهما قبل الوضوء ، ووجوب غسلهما لمعنى فيهما ، وقيل : بل لإدخالهما الإناء ، ويعتبر لغسلهما نية وتسمية .

[ ص: 109 ] مسألة : يتوجه كراهة غمسها في مائع ، وأكل شيء رطب بها .

( والبداءة بالمضمضة والاستنشاق ) أي : قبل غسل الوجه لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عثمان : أنه أدخل يده في الإناء فمضمض ، واستنشق ، ثم غسل وجهه ، ولأنهما في حكم الباطن فقدما ، لئلا يخرج منه أذى بعد غسل الظاهر فيلوثه ، وقيل : يجب ( والمبالغة فيهما ) إلى أقاصيهما ، هذا قول عامة المتأخرين ، لأن في بعض ألفاظ لقيط بن صبرة : وبالغ في الاستنشاق ، واقتصر الخرقي عليه تبعا لحديث لقيط قال : قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن الوضوء ، فقال : وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ، رواه أحمد ، وأبو داود ، وصححه الترمذي ، وصرح به ابن الزاغوني ، وابن شاقلا ، وإنما لم يجب على المشهور ، ونص أحمد لسقوطها بصوم النفل ، والواجب لا يسقط بالنفل ، وعن أحمد وجوب المبالغة فيهما على المفطر ، وقيل : في الكبرى ، والمبالغة في الاستنشاق : اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ، ولا يصيره سعوطا ، وفي المضمضة : إدارة الماء في أقاصي الفم ، زاد في " الرعاية " : أو أكثره ، ولا يصيره وجورا ، وله بلعه كلفظه ( إلا أن يكون صائما ) فإنه مكروه ، صرح به غير واحد ، وحرمه أبو الفرج الشيرازي ، وينبغي أن يقيد ذلك بصوم الفرض ، صرح به الزركشي .

( وتخليل اللحية ) لما روي عن عثمان : أنه توضأ ، وخلل لحيته حين غسل وجهه ، ثم قال رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل الذي رأيتموني فعلت رواه الترمذي ، وصححه ، وحسنه البخاري ، وهذا إذا كانت كثيفة ، فأما إن كانت خفيفة تصف البشرة فإنه يجب غسلها ، وقيل : يجب التخليل لظاهر الأمر ، وهو قول [ ص: 110 ] إسحاق ، وقيل : لا يستحب ، وهو بعيد ، وعلى الأول : فيخللها من تحتها بأصابعه ، نص عليه ، أو من جانبيها بماء الوجه ، وقيل : بماء جديد ، ونص أحمد على أنه إن شاء خللها مع وجهه ، وإن شاء إذا مسح رأسه ، وحكم بقية الشعور كعنفقة ، وشارب ، وحاجب ، ولحية امرأة ، وخنثى كذلك .

( وتخليل الأصابع ) أي : تخليل أصابع اليدين والرجلين لما روى لقيط بن صبرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وخلل بين الأصابع رواه الخمسة ، وصححه الترمذي ، وهو في الرجلين آكد ، ذكره في " الشرح " وعنه : لا يسن تخليل أصابع اليدين ، إذ تفريجهما يغني عن تخليلهما ، ويخلل أصابع رجليه بخنصره اليسرى ، لأنها معدة لإزالة الوسخ والدرن من باطن رجله ، لأنه أبلغ ، يبدأ بخنصرها إلى إبهامها ، وفي اليسرى بالعكس ، ليحصل التيامن فيه ، وأصابع يديه إحداهما بالأخرى ، فإن كانت ، أو بعضها ملتصقة سقط .

( والتيامن ) بغير خلاف علمناه ، لما روى أبو هريرة مرفوعا قال : إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم رواه أحمد ، وأبو داود بإسناد جيد ، وشذ الرازي فحكى في " تفسيره " عن أحمد وجوب غسل اليمنى قبل اليسرى ، وهو منكر ، فقد قال ابن عبدوس : هما في حكم اليد الواحدة ، حتى لو غسل إحداهما بماء الأخرى جاز ( وأخذ ماء جديدا للأذنين ) ظاهرهما ، وباطنهما في رواية ، وهي المذهب ، لما روى عبد الله بن زيد : أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ فأخذ [ ص: 111 ] لأذنيه ماء خلاف الذي لرأسه رواه البيهقي ، وقال إسناده صحيح ، ولأن من فعل ذلك خرج من الخلاف ، والثانية ، واختارها القاضي ، وأبو الخطاب ، والمجد : لا يسن ، لأن غالب من وصف وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أنه مسح رأسه وأذنيه بماء واحد يؤكده قوله عليه السلام : الأذنان من الرأس رواه ابن ماجه ، فعلى الأولى يدخل سباحتيه في صماخي أذنيه ، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ، كذا وصفه ابن عباس عنه - صلى الله عليه وسلم - رواه النسائي ، وتسن مجاوزة موضع الفرض .

( والغسلة الثانية والثالثة ) لما روى عبد الله بن زيد : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين رواه البخاري ، وفي رواية : أنه عليه السلام دعا بماء فتوضأ مرة مرة ، فقال : هذا وظيفة الوضوء ، أو قال : هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة ، ثم توضأ مرتين مرتين ، وقال : هذا وضوء من توضأه كان له كفلان من الأجر ، وتوضأ ثلاثا ثلاثا ، وقال : هذا وضوئي ، ووضوء المرسلين قبلي رواه ابن ماجه ، وقوله عليه السلام في حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : لما سئل عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم رواه أبو داود ، وتكلم مسلم على قوله : أو نقص ، وأوله البيهقي على نقصان العضو ، واستحسنه الذهبي ، وأما الزيادة على الثلاث : فيكره . زاد بعضهم لغير وسواس ، وقيل : يحرم للخبر ، قال أحمد : لا يزيد عليها إلا رجل مبتلى .

[ ص: 112 ] خاتمة : ظاهر كلامه أنه لا يسن مسح العنق ، وهو الصحيح لعدم ثبوت ذلك في الحديث ، وعنه : يسن ، اختاره في " الغنية " وابن الجوزي ، وابن رزين ، وأطلق في " المحرر " الخلاف ، وأنه لا يسن غسل داخل العينين ، واختاره القاضي ، والشيخان ، نظرا إلى أن الضرر المتوقع كالمتحقق ، وقيل : يسن مع أمن الضرر ، جزم به صاحب " التلخيص " وحكى بعضهم رواية بالوجوب مخرجة من وجوب ذلك في الغسل ، والأصح أنه لا يجب غسلهما لنجاسة .

التالي السابق


الخدمات العلمية