صفحة جزء
ثم يجلس مفترشا ، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، يقبض منها الخنصر والبنصر ، ويحلق الإبهام مع الوسطى ، ويشير بالسبابة في تشهده مرارا ، ويبسط اليسرى على فخذه اليسرى ، ثم يتشهد فيقول : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، هذا التشهد الأول ،


( ثم يجلس ) للتشهد إجماعا ( مفترشا ) كجلوسه بين السجدتين ، لحديث أبي حميد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس للتشهد جلس على رجله اليسرى ، ونصب الأخرى ، وقعد على مقعدته رواه البخاري ، وعنه : إن تورك في أثنائه جاز ، ولا فضل فيه لما روى ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس في وسط الصلاة ، وفي آخرها متوركا والأول أصح ، لأن حديث أبي حميد مقدم على حديث ابن مسعود ، فإن أبا حميد ذكره في عشرة من الصحابة فصدقوه ، وهو متأخر عن ابن مسعود ، فالأخذ به متعين ( ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ) وكذا اليسرى ، لأنه أشهر في الأخبار لا يلقمهما ركبتيه ، وفي " الكافي " واختاره صاحب " النظم " التخيير ، كذا في الأخبار : يديه ، وفيها : كفيه ، وفي حديث وائل بن حجر : ذراعيه ( يقبض منها الخنصر ، والبنصر ، ويحلق الإبهام مع الوسطى ) كذا ذكره السامري ، وابن الجوزي [ ص: 462 ] وجزم به في " المحرر " وقدمه في " التلخيص " و " الفروع " لما روى وائل بن حجر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ، ثم عقد من أصابعه ، الخنصر والتي تليها ، وحلق حلقة بأصبعه الوسطى على الإبهام ، ورفع السبابة يشير بها رواه أحمد ، وأبو داود ، وعنه : يبسطهما ، ويحلق الإبهام مع الوسطى ، وهي ظاهر الخرقي ، وعنه : يقبض أصابعه الثلاث ، ويعقد إبهامه كخمسين ، قدمه ابن تميم ، واختاره المجد في " شرح الهداية " لخبر ابن عمر ، وعنه : هي كيسراه ، فيضع أصابعها مضمومة مستقبلا بها القبلة لا مفرجة ( ويشير بالسبابة ) سميت به ، لأنهم كانوا يشيرون بها إلى السب ، وسباحة ، لأنه يشار بها للتوحيد ، والمراد سبابة اليمنى لفعله عليه السلام ، وظاهره لا بغيرها ، ولو عدمت ، قال في " الفروع " : ويتوجه احتمال ، لأن عليه التنبيه على التوحيد ( في تشهده مرارا ) وكذا في " المستوعب " وظاهره أنه يشير بها في كل تشهده ، وهو رواية ، والأشهر أن موضع الإشارة بها عند ذكر الله لتنبه على الوحدانية ، زاد ابن تميم : وذكر رسوله ، وقدم في " التلخيص " أنه يرفعهما في تشهده مرتين أو ثلاثا ، وذكر جماعة أنه يشير بها ، ولم يقولوا مرارا ، وظاهره ولو مرة ، وهو ظاهر كلام أحمد ، والأخبار ، وعلى كل حال لا يحركها في الأصح لفعله عليه السلام ، قال في " الغنية " : ويديم نظره إليها في كل تشهده لخبر ابن الزبير رواه أحمد .

فائدة : يشير بالسباحة إذا دعا في صلاته أو غيرها ، نص عليه لحديث وائل ، قال : فرأيته يحركها يدعو بها رواه أبو داود .

( ويبسط اليسرى على فخذه اليسرى ) لما روى ابن عمر قال : كان رسول الله [ ص: 463 ] - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ، ورفع أصبعه التي تلي الإبهام فدعا بها ، ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها رواه مسلم ، قوله : على فخذه اليسرى أي : لا يخرج بها عنها ، بل يجعل أطراف أصابعه مسامتة لركبتيه ، زاد في " المحرر " وغيره : مضمومة الأصابع ، زاد في " المغني " وغيره : مستقبلا بأطراف أصابعها القبلة ، قال في " التلخيص " : قريبا من الركبة ، وفي " الكافي " أو يلقمهما ركبتيه ، وقال ابن تميم : إن قبض بها على ركبته فلا بأس ( ثم يتشهد سرا لخبر ابن مسعود ، وهو في الصحيحين وغيرهما ( فيقول : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ، ورسوله ) ولفظه : كنا إذا جلسنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ، قلنا : السلام على الله من عباده ، السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل ، السلام على فلان ، فسمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن الله هو السلام ، فإذا جلس أحدكم فليقل : التحيات لله إلى آخره ، قال : ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدع ، وفي لفظ : علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد ، كفي بين كفيه ، كما يعلمني السورة من القرآن قال الترمذي : هو أصح حديث في التشهد ، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ، والتابعين ، وليس في المتفق عليه حديث غيره ، ورواه أيضا ابن عمر ، وجابر ، وأبو هريرة ، وعائشة ، ويترجح بأنه اختص بأنه عليه السلام أمره بأن يعلمه الناس . رواه أحمد . وليس تشهد ابن عباس أفضل ، وهو التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله إلى آخره ، ولفظ مسلم : وأشهد أن محمدا رسول الله ولا تشهد عمر ، وهو : التحيات [ ص: 464 ] لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك إلى آخره ، فإن تشهد بأحدها أجزأه ، حكاه ابن هبيرة اتفاقا ، لكن قال بعض أصحابنا : وهو الذي في " التلخيص " إنه لا يجزئ غير تشهد ابن مسعود ، فعلى هذا لو ترك منه حرفا لم يجزئه ، وقد ذكر المؤلف ، وصححه هو وغيره : أنه متى أخل بلفظة ساقطة في بعض التشهدات فلا بأس ، وقدمه جماعة ، كما إذا أسقط لفظا لا يسقط المعنى به ، فعلى هذا الواجب خمس كلمات ، وهي : التحيات لله ، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أو ( رسول الله ) ، لأن هذا يأتي على معنى الجميع ، وهو المتفق عليه في الروايات ، وظاهره أنه لا يسمي في أوله ، وصرح القاضي بالكراهة ، وأنه يرتب الجمل ، وهو وجه ، لأن إذا لم يرتب فقد أخل به في ذكر مشروع ، فلم يصح كالأذان .

فائدة : إذا قال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ينوي به النساء ومن لا شركة له في صلاته في ظاهر كلامهم لقوله عليه السلام : أصابت كل عبد لله صالح في السماء ، والأرض .

مهمات : التحيات جمع تحية ، وهي العظمة ، وقال أبو عمرو : الملك ، وقال ابن الأنباري : السلام ، وقيل : البقاء ، والصلوات : هي الخمس ، وقيل : الرحمة ، وقيل : الأدعية ، وقيل : العبادات ، والطيبات هي الأعمال الصالحة ، وقال ابن الأنباري : الطيبات من الكلام ، ومن خواص الهيللة أن حروفها كلها مهملة تنبيها على التجرد من كل معبود سوى الله تعالى ، وجوفية ليس فيها شيء من الشفوية إشارة إلى أنها تخرج من القلب .

[ ص: 465 ] ( هذا التشهد الأول ) وظاهره تخفيفه ، وأنه لا يستحب الزيادة عليه ، ونصه فيها : أساء ، ذكره القاضي في الجامع ، واختار ابن هبيرة : تسن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واختاره الآجري ، وزاد : وعلى آله ، وذكر جماعة : لا بأس بزيادة وحده لا شريك له ، وقيل : قولها أولى ، ويكرره مسبوق ، نص عليه ، فإن سلم قبل تمامه قام ولم يتمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية