صفحة جزء
ثم يجلس في التشهد الثاني متوركا يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ، ويخرجهما عن يمينه ويجعل أليتيه على الأرض ، والمرأة كالرجل في ذلك كله ، إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود ، وتجلس متربعة أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها ، وهل يسن لها رفع اليدين ؛ على روايتين ،


( ثم يجلس في التشهد الثاني متوركا ) لحديث أبي حميد ، فإنه وصف جلوسه في التشهد الأول مفترشا ، والثاني متوركا ، وهذا بيان الفرق بينهما ، وزيادة يجب الأخذ بها ، والمصير إليها ، وحينئذ لا يسن التورك إلا في صلاة فيها تشهدان أصليان في الأخير منهما ، وعنه : لا تورك في المغرب ، والأول : المذهب ، وصفته كما رواه الأثرم عن الإمام ( يفرش رجله اليسرى ، وينصب اليمنى ، ويخرجهما عن يمينه ، ويجعل أليتيه على الأرض ) واختاره أبو الخطاب ، وجزم به في " المحرر " و " الفروع " لقول أبي حميد ، فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض ، وأخرج قدمه من ناحية واحدة ، رواه أبو داود ، وفي لفظ : جلس على [ ص: 473 ] أليتيه ، ونصب قدمه اليمنى ، وذكر الخرقي ، والقاضي ، والسامري أنه يجعل باطن قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى ، وقدمه ابن تميم ، وصححه المجد في " شرح الهداية " لأنه عليه السلام كان يفعله . رواه مسلم من حديث ابن الزبير ، وعنه : يخرج قدمه الأيسر من تحت ساقه الأيمن لحديث أبي حميد أيضا ، وأيها فعل جاز .

فرع : سئل أحمد : هل يتورك في تشهد سجود السهو ؛ قال : نعم ، هو من بقية الصلاة ، وحمله في " الشرح " على ما إذا كان السهو في صلاة فيها تشهدان ، وعلله بأن تشهدها يتورك فيه ، وهذا تابع له ، وفيه نظر ، فإن مقتضى هذا أنه يتورك في كل تشهد كسجود السهو بعد السلام في الرباعية ، وغيرها ، وقاله القاضي ، لأنه تشهد ثان في الصلاة ، فيحتاج إلى الفرق ( والمرأة كالرجل في ذلك كله ) لشمول الخطاب لهما لقوله : صلوا كما رأيتموني أصلي ( إلا أنها تجمع نفسها في الركوع ، والسجود ) أي : لا يسن لها التجافي ، لما روى زيد بن أبي حبيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على امرأتين تصليان فقال : إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى بعض ، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل رواه أبو داود في " مراسيله " ولأنها عورة فكان الأليق بها الانضمام ، وذكر في " المستوعب " وغيره أنها تجمع نفسها في جميع أحوال الصلاة لقول علي رضي الله عنه ( وتجلس متربعة ) لأن ابن عمر كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة ( أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها ) وكذا في " الخرقي " ، و " المحرر " و " المذهب " ونص عليه ، لأنه غالب فعل عائشة ، وأشبه بجلسة الرجل ، وأبلغ في الانكماش ، والضم ، وأسهل عليها ، وظاهره أنها مخيرة بين الجلوس متربعة لاستوائهما ، ولكن السدل أفضل ، نص عليه ، واختاره [ ص: 474 ] في " شرح الهداية " ولا تجهر بقراءة إن سمعها أجنبي ، وإلا جهرت كذكر ( وهل يسن لها رفع اليدين ؛ على روايتين ) إحداهما : يسن ، قدمه ابن تميم والجد ، وهو عموم كلام الأصحاب ، لأن أم سلمة كانت ترفع يديها ، ورواه سعيد عن أم الدرداء ، ورواه الخلال عن حفصة بنت سيرين ، وقياسا على الرجل ، والثانية : لا يسن ، جزم بها في " الوجيز " قال في " الشرح " : لأنه في معنى التجافي ، فعلى هذا هل يكره أو يجوز ؛ على روايتين ، والثالثة : ترفع دونه ، قاله أبو بكر ، وهو أوسط الأقوال ، قاله المجد .

فائدة : لم يتعرض المؤلف لذكر الخنثى المشكل ، وحكمه كامرأة ، قاله ابن تميم ، وابن حمدان ، وغيرهما .

فصل

يستحب الذكر ، والاستغفار ثلاثا كما ورد في الأخبار ، ذكره في " الشرح " وغيره ، قال في " المستوعب " و " الرعاية " : ويقرأ آية الكرسي ، وكذا المعوذتين زاد بعضهم : وقل هو الله أحد ، ولم يذكره الأكثر ، ويسبح ثلاثا وثلاثين ، ويحمد كذلك ، ويكبر أربعا وثلاثين للخبر ذكره في " المستوعب " والمذهب ، وغيرهما ، قالوا : ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، وفي " المستوعب " وغيره : وهو حي لا يموت بيده الخير ، كذا قالوا ، واتباع السنة أولى ، ويفرغ من عدد ذلك معا [ ص: 475 ] قاله أحمد في رواية أبي داود للنص ، وعنه : يخير بينه ، وبين إفراد كل جملة ، واختار القاضي الإفراد ، ويستحب الجهر بذلك ، وحكى ابن بطال عن أهل المذاهب المتبوعة خلافه ، وكلام أصحابنا مختلف ، قاله في " الفروع " قال : ويتوجه يجهر لقصد التعليم فقط ، ثم يتركه ، والمقصود من العدد أن لا ينقص منه ، وأما الزيادة فلا تضر شيئا لا سيما من غير قصد ، لأن الذكر مشروع في الجملة ، فهو يشبه المقدر في الزكاة إذا زاد عليه ، ويشرع للإمام أن يدعو بعد الفجر والعصر لحضور الملائكة فيهما فيؤمنون على الدعاء ، والأصح : وغيرها ، جزم به جماعة ، ويستقبل المأموم ، ذكره السامري ، ولا يخص نفسه بدعوة ، وإن فعل فلا بأس ، نص عليه ، وقيل : يكره ، وهو قول إسحاق ، ويشير إلى السماء في دعائه بأصبعه ، ويسمعه المأموم ، وقيل : إن قصد تعليمه ، وإلا خفض صوته كالمأموم ، والمنفرد ، وعنه : يكره الجهر مطلقا ، ولا يجب الإنصات خلافا لابن عقيل ، قال ابن تميم : ويستحب للمأموم أن لا ينصرف قبل إمامه إلا أن يطيل الجلوس ، فإن كان رجال أو نساء استحب أن يقمن عقيب سلامه ، ويثبت الرجال قليلا ، وينصرف كيف شاء عن يمينه ، وشماله ، وهو في الصحيح ، وصححه الترمذي ، وقال : العمل عليه عند أهل العلم ، وفي " الرعاية " ينصرف عن يمينه ، وقيل : أو عن يساره إن سهل ، قال القاضي : يمينه أولى إلا أن تكون جهة انصرافه غيرها .

ومن أدب الدعاء بسط يديه ، ورفعهما إلى صدره ، وكشفهما أولى ، وذكر جماعة أن الدعاء للرهبة بظهر الكف لدعائه عليه السلام في الاستسقاء ، والبداءة بحمد الله تعالى ، والثناء عليه ، قال الشيخ تقي الدين : وختمه به ، والصلاة على النبي [ ص: 476 ] - صلى الله عليه وسلم - أوله ، وآخره قال الآجري : ووسطه ، وسؤاله بأسمائه وصفاته بدعاء جامع مأثور ، ويكون متطهرا مستقبل القبلة ، ويلح ، ويكرره ثلاثا ، ولا يسأم من تكراره في أوقات ، ولا يعجل ، وينتظر الفرج من الله تعالى ، ويجتنب السجع ، وسئل ابن عقيل : هل يجوز أن يقال في القرآن سجع ؛ فأجاب بالجواز ، قال ابن الصيرفي : لو سكت عن هذا كان أحسن ، ولا يعتد فيه ، ويبدأ بنفسه ، ويعم ، ويؤمن المستمع ، وتأمينه في أثناء دعائه ، وختمه به متجه ، ويكره رفع بصره ، وظاهر كلام جماعة خلافه ، وشرطه الإخلاص ، قال الآجري : واجتناب الحرام ، وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره أنه من الأدب ، وقال الشيخ تقي الدين : تبعد إجابته إلا مضطرا أو مظلوما ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد في الدعاء قال : يا حي يا قيوم رواه الترمذي من رواية إبراهيم بن الفضل ، وهو ضعيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية