صفحة جزء
ويكره الالتفات في الصلاة ، ورفع بصره إلى السماء ، وافتراش الذراعين في السجود ، والإقعاء في الجلوس ، وهو أن يفرش قدميه ، ويجلس على عقبيه ، وعنه : أنه سنة ، ويكره أن يصلي وهو حاقن أو بحضرة طعام تتوق نفسه ، إليه ويكره العبث ، والتخصر والتروح وفرقعة الأصابع وتشكيلها .


فصل

( ويكره الالتفات في الصلاة ) ، جزم به في " المحرر " و " الوجيز " وغيرهما ، لما روت عائشة قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة ، فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد رواه البخاري ، وعن أنس مرفوعا قال : إياك والالتفات في الصلاة ، فإن الالتفات في الصلاة هلكة ، فإن كان لا بد ففي التطوع لا الفريضة ، ولأنه يكون به خارجا وجهه عن جهة الكعبة ، وأقل ما فيه الكراهة ، ويستثنى منه ما إذا كان لحاجة فإنه لا يكره ، لما روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ، وهو يلتفت إلى الشعب رواه أبو [ ص: 477 ] داود ، ورواه النسائي ، وفيه : وكان أرسل فارسا إليه يحرس ، وعلى الأول : لا تبطل الصلاة به إلا أن يستدير عن القبلة بجملته ، أو يستدبرها ما لم يكن في الكعبة أو فيها ، أو في شدة خوف ، فإن استدار بصدره مع وجهه لم تبطل ، ذكره ابن عقيل والمؤلف خلافا لابن تميم ، وغيره ( ورفع بصره إلى السماء ) وفاقا لما روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم ، فاشتد قوله في ذلك حتى قال : لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهن رواه البخاري ، وكذا يكره تغميضه ، نص عليه ، واحتج بأنه فعل اليهود ، ولأنه يغير هيئة المصلي ، وربما كان سببا للنوم ، فأما مع الحاجة فلا ، وقد نقل أبو داود : إن نظر أمته عريانة غمض عينيه ( وافتراش الذراعين في السجود ) أي : يمدهما على الأرض ملصقا لهما بها ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : اعتدلوا في السجود ، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب متفق عليه من حديث أنس . قال الترمذي : وأهل العلم يختارونه ( والإقعاء في الجلوس ) ذكره معظم الأصحاب ، وفي " الشرح " أنه الأولى ، لما روت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفرش رجله اليسرى ، وينصب اليمنى ، ويقعد على مقعدته متفق عليه ، وعن أبي هريرة قال : نهاني النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاث : عن نقرة كنقر الديك ، وإقعاء كإقعاء الكلب ، والتفات كالتفات الثعلب رواه أحمد ، لأنه يتضمن ترك الافتراش المسنون فعلا ، وقولا ، فكان مكروها ، وحينئذ لا تبطل به ، وقال ابن حامد ، والقاضي في " شرحه الصغير " : تبطل به ، وذكر ابن تميم ، وغيره أنه يكره الإقعاء من غير حاجة ، وعنه : هو جائز ، روى مهنا عنه : لا أفعله ، [ ص: 478 ] ولا أعيب على من يفعله ، العبادلة كانوا يفعلونه ( وهو أن يفرش قدميه ، ويجلس على عقبيه ) كذا فسره الإمام أحمد ، واقتصر عليه في " المغني " و " الفروع " قال أبو عبيد : هذا قول أهل الحديث ، فأما عند العرب : فهو جلوس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب ، قال في " المغني " : ولا أعلم أحدا قال باستحباب الإقعاء على هذه الصفة ، وقيل : هو أن لا يمد ظهري قدميه ، ويجلس على عقبيه أو بينهما على أليتيه أو ينصب قدميه ، ويجلس بينهما ، أو عليهما ، أو يفرشهما ، ويجلس عليهما ، أو يجلس على وركيه ، وأليتيه مع نصب ركبتيه أو فخذيه ، وذكر في " الرعاية " رواية أن هذا كله يسن ( وعنه : أنه سنة ) لقول طاوس لابن عباس في الإقعاء على القدمين فقال : هي السنة قال : قلنا إنا لنراه جفاء ، فقال : هي سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - رواه مسلم .

مسألة : يكره أن يعتمد على يده أو غيرها ، وهو جالس لقول ابن عمر : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجلس الرجل في الصلاة ، وهو معتمد على يديه رواه أحمد ، وأبو داود ، وأن يستند إلى الجدار ، ونحوه ، لأنه يزيل مشقة القيام إلا من حاجة ، لأنه عليه السلام لما أسن ، وأخذه اللحم ، اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه رواه أبو داود ، فإن كان يسقط لو أزيل لم يصح ، ونقل الميموني : لا بأس بالاستناد إليه ، وحمل على الحاجة .

( ويكره أن يصلي ، وهو حاقن ) أي : بوله سواء خاف الجماعة أو لا ، لا نعلم فيه خلافا ، لما روت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صلاة بحضرة طعام ، ولا وهو يدافعه الأخبثان رواه مسلم ، والمراد به أن يبتدئ بها مع [ ص: 479 ] المدافعة ، ولأنه يشغله عن خشوع الصلاة ، وحضور قلبه فيها ، فإن فعل صحت على المذهب ، كما لو صلى وقلبه مشغول بشيء من الدنيا ، وعنه : يعيد ، وعنه : إن أزعجه ، وقاله ابن أبي موسى ، ويتوجه أنه إذا خاف فوت الوقت فإنه يصلي معها من غير كراهة ، وفي معناه الحاقب ، وهو الذي احتبس غائطه ، وعبارته في " الفروع " أشمل ، قال ابن أبي الفتح : وفي معناهما من به ريح محتبسة ، فتجيء الروايات ، وحكم الجوع ، والعطش المفرط كذلك ، قاله بعض أصحابنا ، قال ابن عقيل : إنما جمع بينهما الشارع لاستوائهما في المعنى ، وكذا قال : يكره ما يمنعه من إتمام الصلاة بخشوعها كحر ، وبرد ، لأنه يقلقه ( أو بحضرة طعام تتوق نفسه إليه ) جزم به في " المحرر " و " الوجيز " قال الترمذي : هو أشبه بالاتباع ، وهو مروي عن أبي بكر ، وعمر ، وابنه لقوله عليه السلام : لا صلاة بحضرة طعام ولحديث ابن عمر ، وهو في الصحيحين ، وللبخاري : كان ابن عمر يوضع له الطعام ، وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ ، وإنه يسمع قراءة الإمام . وهذا ما لم يضق الوقت ، فإن ضاق فلا يكره بل يجب ، وظاهره أنه إذا لم تتق نفسه إليه أنه يبدأ بالصلاة من غير كراهة ، وقدم في " الفروع " وغيره أنه يكره ابتداؤها تائقا لطعام ، والمعنى يقتضيه ، وظاهره سواء كان بحضرته أو لا ، لقول أبي الدرداء : من فقه الرجل إقباله على حاجته ، حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ . رواه أحمد في الزهد ، والبخاري في تاريخه لكن الأول هو ظاهر الأخبار ، وعلى هذا إن بدأ بالصلاة صحت إجماعا ، حكاه ابن المنذر ، لأن البداءة بالطعام رخصة ، فإذا لم يفعلها صحت كسائر الرخص .

( ويكره العبث ) لأنه عليه السلام رأى رجلا يعبث في صلاته فقال : [ ص: 480 ] لو خشع قلب هذا لخضعت جوارحه قال في " الهداية " للحنفية ، لأن العبث حرام خارج الصلاة فما ظنك به فيها ، وخالفه غيره ( والتخصر ) هو وضع يده على خاصرته ، لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلي الرجل مختصرا متفق عليه ، ولأنه يمنع الخضوع ، والخشوع ، ويمنع من وضع اليمين على الشمال ، وتكره صلاة الحازق من ضيق الخف ، ومن لا يعقل غالبا ، كخوف أو غضب أو إزعاج ، وتخبيط ، ونحوه ( والتروح ) بمروحة ، ونحوها ، وقاله جماعة منهم عطاء ، لأنه من العبث ، زاد في " الشرح " و " الفروع " إلا لحاجة كغم شديد ، نص عليه ، ومراوحته بين رجليه مستحبة ، وتكره كثرته ، لأنه فعل اليهود ( وفرقعة الأصابع ) لما روى الحارث عن علي قال : لا تقعقع أصابعك ، وأنت في الصلاة رواه ابن ماجه . ( وتشبيكها ) لما روى كعب بن عجرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ، ففرج بين أصابعه رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وإسناده ثقات ، وقال ابن عمر في الذي يصلي ، وهو مشبك أصابعه : تلك صلاة المغضوب عليهم . رواه ابن ماجه .

مسائل : يكره أن يصلي ، وبين يديه ما يلهيه ، أو ينظر في كتاب ، وأن يلف شعره أو ثوبه أو يصلي وهو معقوص الشعر ، ولو فعلهما لعمل قبل صلاته ، أو مكتوف اليدين ، ومس لحيته ، وأن يمسح أثر السجود ، وفي " المغني " إكثاره منه ، ولو بعد التشهد ، وعنه : وبعد الصلاة ، وأن ينفخ فيها ، ويحرك الحصى ، وأن يخص موضع جبهته بما يسجد عليه ، لأنه من شعار الرافضة ، وأن يعلق في قبلته شيئا من مصحف ، وغيره ، ولا بأس بكونه على الأرض ، وأن يكتب في القبلة ، وأن يصلي وبين يديه نجاسة ، أو باب مفتوح ، أو إلى نار في [ ص: 481 ] قنديل ، وشمعة ، والرمز بالعين ، والإشارة لغير حاجة ، وإخراج لسانه ، وفتح فمه ، ووضعه فيه شيئا لا بيده ، نص عليه ، وأن يستصحب ما فيه صورة من فص أو ثوب ، وصلاته إلى متحدث أو نائم ، نص عليه ، وعنه : لا يكره النفل ، وإلى كافر ، وصورة منصوبة ، نص عليهما ، وظاهره ولو كانت صغيرة لا تبدو للناظر إليها ، وأنه لا يكره إلى غير منصوبة ، ولا سجوده على صورة ، ولا صورة خلفه في البيت ، ولا فوق رأسه في سقف ، أو عن أحد جانبيه ، وإلى وجه آدمي ، نص عليه ، وفي " الرعاية " أو حيوان غيره ، والأول أصح ، لأنه كان عليه السلام يعرض راحلته ويصلي إليها ، وإلى امرأة تصلي بين يديه ، وإن غلبه تثاؤب في صلاته كظم ، فإن أبى استحب وضع يده على فيه على الأصح للخبر ، ولا يقال تثاوب بل تثاءب .

التالي السابق


الخدمات العلمية