صفحة جزء
ويكره تكرار الفاتحة ، والجمع بين سور في الفرض ، ولا يكره في النفل ، ولا تكره قراءة أواخر السور وأوساطها ، وعنه : يكره ، وله أن يفتح على الإمام إذا أرتج عليه ، وإذا نابه شيء مثل سهو إمامه ، أو استئذان إنسان عليه ، سبح إن كان رجلا ، وإن كانت امرأة صفحت ببطن كفها على ظهر الأخرى ، وإن بدره البصاق بصق في ثوبه ، وإن كان في غير المسجد ، جاز أن يبصق عن يساره ، أو تحت قدمه اليسرى .


( ويكره تكرار الفاتحة ) لعدم فعل ذلك ، وهي ركن ، واختلف في [ ص: 485 ] تكرارها ، وأقل أحواله الكراهة ( والجمع بين سور في الفرض ) في رواية ، لأنه خلاف السنة المأثورة ، والثانية : لا يكره ، وهي الصحيحة ، لقول ابن مسعود : لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن ، فذكر عشرين سورة من المفصل ، سورتين في ركعة متفق عليه .

وعن ابن عمر : أنه كان يقرأ في المكتوبة بالسورتين في ركعة رواه مالك ، وكتكرار سورة في ركعة ، وتفريق سورة في ركعتين ، نص عليهما ، لكن لا تستحب الزيادة على سورة في ركعة ، ذكره جماعة لفعله عليه السلام ، وعنه : تكره المداومة ( ولا يكره ) أي : الجمع بين سور ( في النفل ) قال في " الشرح " : رواية واحدة ، لأنه عليه السلام قرأ في ركعة سورة ( البقرة ) و ( آل عمران ) و ( النساء ) وكان عثمان يختم القرآن في ركعة ، وقال أحمد : صليت ركعتين ختمت فيهما القرآن ، وقيل : يكره ، وهو بعيد ( ولا تكره قراءة أواخر السور ، وأوساطها ) وهو المشهور عنه : لقوله تعالى فاقرءوا ما تيسر منه ولقول أبي سعيد : أمرنا أن نقرأ الفاتحة ، وما تيسر رواه أبو داود ، وعن ابن مسعود : أنه كان يقرأ في الآخرة من صلاة الصبح آخر ( آل عمران ) وآخر ( الفرقان ) . رواه الخلال . قال الحسن : غزوت مع ثلاثمائة من الصحابة ، فكان أحدهم يقرأ إذا أم أصحابه بخاتمة ( البقرة ) وبخاتمة ( الفرقان ) وبخاتمة ( الحشر ) وكان لا ينكر بعضهم على بعض ( وعنه : يكره ) في الفرض ، نقلها المروذي ، وقال : سورة أعجب إلي ، قال المروزي : كان لأبي عبد الله قرابة يصلي به ، فكان يقرأ في الثانية من الفجر بآخر السورة ، فلما أكثر قال أبو عبد الله : تقدم أنت فصل ، فقلت له : هذا يصلي بكم منذ كم ، قال : دعنا منه ، يجيء بآخر السورة ، وكرهه .

[ ص: 486 ] قال المؤلف : ولعل أحمد إنما أحب اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن المنقول عنه قراءة السورة أو بعضها من أولها ، وعنه : تكره المداومة ، وعنه : قراءة الأوساط لا الأواخر لعدم نقله ، وظاهره جواز قراءة أوائل السور ، وصرح به بعضهم ، وتكره قراءة كل القرآن في فرض ، وعنه : لا كفرائض .

تذنيب : يستحب أن يقرأ كما في المصحف ، ويكره تنكيس السور في ركعة أو ركعتين كالآيات ، وعنه : لا ، اختاره المجد ، وغيره للأخبار ، واحتج أحمد بأنه عليه السلام تكلم على ذلك فدل على التسوية .

وقال الشيخ تقي الدين : ترتيب الآيات واجب ، لأن ترتيبها بالنص ، وترتيب السور بالاجتهاد في قول الجماهير ، فتجوز قراءة هذه قبل هذه ، وكذا في الكتابة ، ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابتها ، لكن لما اتفقوا على المصحف زمن عثمان صار هذا مما سنه الخلفاء الراشدون ، وعلل المجد كراهة تنكيس الآيات بأنه مظنة تغير المعنى ، بخلاف السور إلا ما ارتبطت ، وتعلقت بالأولى كسورة قريش مع الفيل على رأي . فحينئذ يكره ، ولا يبعد تحريمه عمدا ، لأنه تغيير لموضع السورة ، فإن نكس الكلمات حرم ، وبطلت .

( ويشرع ( له أن يفتح على إمامه إذا أرتج عليه ) قاله عامة الأصحاب ، وروي عن عثمان ، وابن عمر ، ورواه البيهقي بإسناد حسن عن علي ، وظاهره لا فرق بين الفرض والنفل في القراءة الواجبة أو غيرها ، وعنه : إن طال ، وعنه : في نفل ، وقيل : إن سكت ، وقيل : يجوز في الفرض في الحمد ، وفي النفل مطلقا ، وعنه : تبطل به لقوله عليه السلام : يا علي لا تفتح على الإمام .

[ ص: 487 ] رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف ، قال الشعبي : فيه الحارث ، وكان كذابا ، وقيل : تبطل بتجرده للتفهيم ، والأول : أصح لما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة فلبس عليه ، فلما انصرف قال لأبي : أصليت معنا ؛ قال : نعم ، قال فما منعك ؛ رواه أبو داود ، وقال الخطابي : إسناده جيد ، ولأنه تنبيه فيها بما هو مشروع ، أشبه التسبيح ، فعلى هذا يجب في الفاتحة ، كما لو نسي سجدة ، وقيل : لا يجب فيها كغيرها ، وظاهره أنها لا تبطل ، ولو فتح بعد أخذه في قراءة غيرها ، فإن عجز عن إتمام ما أرتج عليه ، فقال ابن عقيل : يسقط ، وتصح صلاته ، وصلاة الأمي خلفه دون القارئ ، فإنه يفارقه ، ويتم لنفسه ، وقيل : عليه أن يخرج ، ثم إن استخلف من يتم بهم ، وصلى معه جاز ، وإلا تعلم ما أرتج عليه ، ثم صلى ، صححه المؤلف ، قال ابن تميم وغيره : وهو أظهر ، وظاهره أنه لا يفتح على غير إمامه ، نص عليه ، لأن ذلك يشغله عن صلاته ، فإن فعل لم تبطل ، قال في " الشرح " : وكما لو فتح غير المصلي عليه .

تنبيه : إذا عطس ، أو بشر بما يسره ، فقال : الحمد لله ، أو أخبره بما يغمه فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، أو خاطب بشيء من القرآن لم تبطل على الأصح للأخبار ، لكن يكره لعاطس الحمد ، ونقل أبو داود يحمد في نفسه ، ولا يحرك لسانه ، فلو عطس حال شروعه في الحمد فنوى القراءة لما عطس ، فهل يجزئ عن فرض ؛ على وجهين ، وقال القاضي : إذا قصد بالحمد الذكر أو القرآن لم تبطل ، فإن قصد خطاب آدمي بطلت ، وإن قصدهما فوجهان ( وإذا نابه شيء ) أي : أمر ( مثل سهو إمامه ) كما لو أتى بفعل في غير محله لزم المأموم تنبيهه .

[ ص: 488 ] ( أو استئذان إنسان ) داخل ( عليه سبح إن كان رجلا ) ولو كثر ، ويجوز بقراءة ، وتكبير ، وتهليل في الأظهر ( وإن كانت امرأة صفحت ) وفي " المحرر " و " الوجيز " صفقت ، وهما سواء معناهما متقارب ، وقيل : التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على باطن الأخرى ، وقيل : بأصبعين من إحداهما على صفحة الأخرى ، والتصفيق الضرب بجميع إحدى الصفحتين على الأخرى ، نقله القاضي عياض ( ببطن كفها على ظهر الأخرى ) لقوله عليه السلام في خبر سهل : إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ، وليصفح النساء وعن أبي هريرة مرفوعا : التسبيح للرجال ، والتصفيق للنساء متفق عليهما ، وظاهره أنها لا تسبح بل هو مكروه ، نص عليه كتصفيقه ، وتطبيق ، وصفير ، ويكره بنحنحة في الأصح ، وشرط التصفيق ما لم يطل ، قاله في " الفروع " وهو مراد ، وظاهر ذلك : لا تبطل بتصفيقها على جهة اللعب ، قال في " الفروع " : ولعله غير مراد ، وتبطل به لمنافاته الصلاة ، والخنثى كامرأة .

فرع : إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت واجبة في الصلاة مطلقا ، نص عليه ، وإن قرأ آية فيها اسمه - صلى الله عليه وسلم - في نفل ، وأطلقه بعضهم ، ولا يجيب الوالد في نفل إن لزم بالشروع ، وسأله المروذي عنها ، فقال : يروى عن ابن المنكدر : إذا دعتك أمك فيها فأجبه ، وأبوك لا تجبه ، وكذا الصوم ( وإن بدره البصاق ) ويقال بالسين ، والزاي أيضا ، والمخاط أو النخامة ( بصق في ثوبه ) وحك بعضه ببعض إذهابا لصورته إن كان في المسجد ، لما روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قام أحدكم في صلاته فإنه يناجي ربه فلا يبزقن قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه ، ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ، ثم رد [ ص: 489 ] بعضه على بعض رواه البخاري ، ولمسلم معناه من حديث أبي هريرة ، ولما فيه من صيانة المسجد عن البصاق فيه ، قال أحمد : البزاق في المسجد خطيئة ، وكفارته دفنه للخبر ، قال أبو الوفاء : لأن بدفنه تزول القذارة ، واختار المجد : يجوز في بقعة يندفن فيها يخلق موضعها استحبابا ، ويلزم غيره إزالتها إن لم يزلها فاعلها ، لخبر أبي ذر ( وإن كان في غير المسجد بصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى ) قاله جماعة لقوله عليه السلام : ليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى ، وظاهره أنه يكره أن يبصق أمامه أو عن يمينه لخبر أبي هريرة ، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها رواه البخاري ، ولأبي داود بإسناد جيد عن حذيفة مرفوعا ، ومن تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه ، وفي " الوجيز " ويبصق في الصلاة أو المسجد في ثوبه ، وفي غيرهما يسرة ، وفيه نظر .

التالي السابق


الخدمات العلمية