صفحة جزء
ويستحب أن يصلي إلى سترة مثل آخرة الرحل ، فإن لم يجد خط خطا ، فإذا مر من ورائها شيء لم يكره ، وإن لم يكن سترة فمر بين يديه الكلب الأسود البهيم ، بطلت صلاته ، وفي المرأة والحمار روايتان .


( ويستحب أن يصلي إلى سترة ) مع القدرة عليها بغير خلاف نعلمه ، وظاهره لا فرق بين الحضر ، والسفر ، ولم يخش مارا لقوله عليه السلام : إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ، وليدن منها رواه أبو داود ، وابن ماجه من حديث أبي سعيد ، وفي " الواضح " يجب ، وهو بعيد ، ويشهد له ما رواه ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في فضاء ليس بين يديه شيء رواه أحمد ، وأبو داود ، والسترة : ما يستتر به ، ولو بخيط مطلقا ( مثل آخرة الرحل ) لقوله عليه السلام : إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، فليصل ، ولا يبال من يمر وراء ذلك رواه مسلم ، وصلى في الكعبة ، وبينه ، وبين الجدار نحو من ثلاثة أذرع رواه أحمد ، والبخاري فإن كان في مسجد ، ونحوه قرب من الجدار ، أو فضاء [ ص: 490 ] فإلى شيء شاخص من شجرة أو بعير أو ظهر إنسان أو عصا ، لأنه عليه السلام صلى إلى حربة ، وإلى بعير رواه البخاري ، ويلقي العصا بين يديه عرضا ، لأنها في معنى الخط ، ويستحب انحرافه عنها قليلا لفعله عليه السلام رواه أحمد ، وأبو داود من حديث المقداد بإسناد لين ، قال عبد الحق : وليس إسناده بقوي ، لكن عليه جماعة من العلماء على ما ذكر ابن عبد البر ، ويكون بينه ، وبينها ثلاثة أذرع ، نص عليه ، وكلما دنا فهو أفضل للنص ، ولأنه أصون لصلاته ، وطولها ذراع ، نص عليه ، وعنه : مثل عظم الذراع ، وهذا على سبيل التقريب ؛ لأنه عليه السلام قدرها بمؤخرة الرحل ، وهو عود في مؤخره ضد قادمته ، والمراد به رحل البعير ، وهو أصغر من القتب ، والمؤخرة تختلف فتارة تكون ذراعا ، وتارة أقل ، وعلى كل حال يجزئ الاستتار بها ، وعرضها لا حد له ، لأنها قد تكون غليظة كالحائط ، ودقيقة كالسهم ، لكن قال أحمد : ما كان أعرض هو أعجب إلي ( فإن لم يجد خط خطا ) نص عليه ، وهو المذهب لقوله عليه السلام : إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا ، فإن لم يجد فلينصب عصا ، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ، ولا يضره ما مر بين يديه رواه أحمد ، وأبو داود من حديث أبي هريرة ، وذكر الطحاوي أن فيه رجلا مجهولا ، وقال البيهقي : لا بأس به في مثل هذا ، وصفته كالهلال لا طولا ، لكن قال في " الشرح " : وكيفما خط أجزأه ، وعنه : يكره الخط ( فإذا مر من ورائها شيء لم يكره ) للأخبار السابقة ( فإن لم يكن له سترة فمر بين يديه ) قريبا ، ومرادهم ثلاثة أذرع ، فأقل من قدمه ، أو كانت تمر بينه وبينها ( الكلب الأسود البهيم ، بطلت صلاته ) بغير خلاف نعلمه في المذهب ، [ ص: 491 ] لقوله عليه السلام : إذا قام أحدكم فصلى فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، فإن لم يكن ، فإنه يقطع صلاته المرأة ، والحمار ، والكلب الأسود رواه أحمد من حديث أبي ذر ، والأسود البهيم الذي لا لون فيه ، ذكره جماعة ، وعنه : أو بين عينيه بياض ، وصححه ابن تميم ، فإن كان فيه بياض في غير هذا الموضع فليس ببهيم رواية واحدة ، وخص البهيم به مع أنه ليس في الخبر ، لأنه شيطان .

مسألة : يباح قتل البهيم ، ذكره المؤلف ، وغيره لقوله عليه السلام : لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كل أسود بهيم ، فإنه شيطان وذكر ابن تميم ، وغيره أنه يحرم اقتناؤه ( وفي المرأة ، والحمار ) الأهلي ( روايتان ) كذا أطلقهما في " المحرر " و " الفروع " إحداهما : لا تبطل ، نقلها الجماعة ، وهي ظاهر " الوجيز " لما روي أن زينب بنت أبي سلمة مرت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقطع صلاته رواه أحمد ، وابن ماجه بإسناد حسن ، وعن ابن عباس قال : أقبلت راكبا على حمار أتان ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بمنى إلى غير جدار ، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت ، وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر علي أحد ، وعن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل ، وأنا معترضة بينه ، وبين القبلة متفق عليهما ، والثانية : تبطل ، قدمه السامري ، وابن تميم ، ورجحه في " الشرح " للنص السابق ، وحديث عائشة لا حجة فيه ، لأن حكم الوقوف يخالف حكم المرور ، وحديث ابن عباس ليس فيه إلا أنه مر بين يدي بعض الصف ، وسترة الإمام سترة لمن خلفه ، وظاهره أنه لا يقطعها غير ما ذكر ، وهو المذهب ، وعنه : يقطعها شيطان ، قدمه ابن تميم وغيره ، وعنه : [ ص: 492 ] وسنور أسود ، وفي الصغيرة وجه ، وظاهره لا فرق بين الفرض ، والنفل ، وعنه : لا يبطل النفل ، وعنه : والجنازة .

فرع : وسترة مغصوبة ، ونجسة كغيرها قدمه في " الرعاية " وفيه وجه ، فالصلاة إليها كالقبر ، قال صاحب " النظم " : وعلى قياسه سترة الذهب ، قال في " الفروع " : ويتوجه منها لو وضع المارة سترة أو تستر بدابة جاز .

تذنيب : سترة الإمام سترة لمن خلفه ، ذكره الأصحاب ، وهو قول الفقهاء السبعة للأخبار ، ولا عكس ، فلا يستحب لمأموم سترة ، وليست سترة له ، ومعناه إذا مر ما يبطلها ، فظاهره أن هذا فيما يبطلها خاصة ، وأن كلامهم في نهي الآدمي عن المرور على ظاهره ، وكذا المصلي لا يدع شيئا بين يديه ، لأنه عليه السلام كان يصلي إلى سترة دون أصحابه ، وقال صاحب " النظم " : لم أر أحدا تعرض لجواز مرور الإنسان بين يدي المأمومين ، فيحتمل جوازه اعتبارا بسترة الإمام له حكما ، ويحتمل اختصاص ذلك بعدم الإبطال لما فيه من المشقة على الجميع ، قال القاضي عياض : اختلفوا هل سترة الإمام سترة لمن خلفه أم هي سترة له خاصة : ، وهو سترة لمن خلفه مع الاتفاق على أنهم يصلون إلى سترة ، ولمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا : إنما الإمام جنة أي : يمنع من نقص صلاة المأموم ، لا أنه يجوز المرور قدام المأموم .

التالي السابق


الخدمات العلمية