صفحة جزء
[ ص: 502 ] باب سجود السهو

ولا يشرع في العمد ، ويشرع للسهو في زيادة ونقص وشك ، للنافلة والفرض ، فأما الزيادة ، فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياما أو قعودا أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت الصلاة ، وإن كان سهوا سجد له ، وإن زاد ركعة ، فلم يعلم حتى فرغ منها ، سجد لها ، وإن علم فيها جلس في الحال ، وتشهد إن لم يكن تشهد ، وسجد وسلم ، وإن سبح به اثنان ، لزمه الرجوع ، فإن لم يرجع بطلت صلاته ، وصلاة من اتبعه عالما ، فإن فارق أو كان جاهلا لم تبطل .


باب سجود السهو .

قال صاحب " المشارق " السهو في الصلاة : النسيان فيها ، وقيل : هو الغفلة ، وقيل : النسيان عدم ذكر ما قد كان مذكورا ، والسهو : ذهول وغفلة عما كان مذكورا ، وعما لم يكن .

فعلى هذا هو أعم من النسيان ، ولا مرية في مشروعية سجود السهو .

قال الإمام أحمد : يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة أشياء : سلم من اثنتين فسجد ، وسلم من ثلاث فسجد ، وفي الزيادة والنقصان . قام من اثنتين ، ولم يتشهد . وقال الخطابي : المعتمد عليه عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة يعني حديثي ابن مسعود ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وابن بحينة .

( ولا يشرع في العمد ) ذكره الأصحاب لقوله عليه السلام : إذا سها أحدكم فليسجد فعلق السجود على السهو لأنه شرع جبرانا ، والعامد لا يعذر ، ولا ينجبر خلل صلاته بسجوده ، بخلاف الساهي ، ولذلك أضيف السجود إلى السهو ، وقال الشافعي : يسجد لترك القنوت ، والتشهد ، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ، لأن ما تعلق الجبر بسهوه تعلق بعمده كجبران الحج ، وجوابه بأنه يبطل بزيادة ركن .

( ويشرع للسهو في زيادة ، ونقص ، وشك ) لأن الشرع إنما ورد به في ذلك ، فدل أن حديث النفس لا يشرع له سجود ، لعدم الاحتراز منه ، وهو معفو عنه .

[ ص: 503 ] ( للنافلة ، والفرض ) في قول أكثر أهل العلم للأخبار الواردة فيه ، ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود ، فشرع لها السجود كالفريضة ، ويستثنى منه صلاة الجنازة ، لأنه لا سجود في صلبها ، ففي جبرها أولى ، ولا في سجدة تلاوة ، لأنه لو شرع كان الجبر زائدا على الأصل أو شكرا ، ونظر إلى شيء يلهي ، وعنه : يسجد في ذلك كله ، ذكره ابن تميم ، قال ابن حمدان : استحبابا ، ولا يسجد لسهو في سجدتي السهو ، نص عليه ، وهو إجماع حكاه إسحاق ، لأنه يفضي إلى التسلسل ، وكذا إن سها بعدهما قبل السلام ، وكثرة سهو ، حتى يصير كوسواس ، ذكره ابن أبي موسى .

( فأما الزيادة ) هذا شروع في بيان تفصيل الأحوال الثلاثة وحكمها ، ثم هي تنقسم إلى قسمين : زيادة أقوال ، وزيادة أفعال ، وزيادة الأفعال قسمان : أحدهما قوله ( فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة قياما ) أي : يقوم في موضع جلوس ( أو قعودا ) أي : يقعد في موضع قيام ( أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت الصلاة ) إجماعا ، قاله في " الشرح " لأنه بها يخل بنظم الصلاة ، ويغير هيئاتها ، فلم تكن صلاة ، ولا فاعلها مصليا ( وإن كان سهوا سجد له ) قليلا كان أو كثيرا لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين رواه مسلم ، ولأن الزيادة سهو ، فيدخل في قول الصحابي : سها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسجد ، بل هي نقص في المعنى ، فشرع لها السجود لينجبر النقص ، لكن متى ذكر عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير ، قال جماعة : إن زاد عقيب ركعة جلوسا يسيرا ، زاد جمع : بقدر جلسة الاستراحة ، فهل يسجد لسهوه ، ويبطل عمده ؛ فيه وجهان ، وفي " التلخيص " إن جلس عن قيام ، ولم يتشهد ، ثم ذكر ، ولم يسجد للسهو ، قال القاضي : سواء كان بقدر جلسة [ ص: 504 ] الاستراحة أو أطول ، لأن صفتها تخالف صفة الجلوس للتشهد ، وقياس المذهب أنه إن كان يسيرا لا يسجد ، لأنه لا يبطل عمده الصلاة ، ولا وجه لما ذكره القاضي ، إلا إذا قلنا تجبر الهيئات بالسجود ، ولهذا علل بتغاير القعودين في الكيفية ، وقيل : إن قام إلى خامسة في رباعية ، عاد ، فسلم ، وبطل فرضه ، وتصير نفلا ، وفيه نظر .

مسألة : إذا رفع رأسه من السجود يجلس للاستراحة ، وكان موضع جلوسه للفصل ، أو التشهد ، ثم ذكر أتى بذلك ، ولا سجود عليه ، ولو جلس للتشهد قبل السجود ، سجد كذلك ، وإن جلس للفصل فظنه التشهد ، وطوله ، لم يجب السجود ، ولو نوى القصر فأتم سهوا ففرضه الركعتان ، ويسجد للسهو ، وإن قام أو سجد فيها إكراما لإنسان بطلت .

( وإن زاد ركعة ) لخامسة في الرباعية أو رابعة في المغرب أو ثالثة في الفجر ( فلم يعلم حتى فرغ منها سجد لها ) لما روى ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى خمسا ، فلما انفتل ، قالوا : إنك صليت خمسا فانفتل ، ثم سجد سجدتين ، ثم سلم متفق عليه ، وفي رواية قال : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتي السهو رواه مسلم ( وإن علم ) بالزيادة ( فيها ) أي : في الركعة ( جلس في الحال ) بغير تكبير ، نص عليه ، لأنه لو لم يجلس لزاد في الصلاة عمدا ، وذلك مبطل لها ( وتشهد إن لم يكن تشهد ) لأنه ركن لم يأت به ( وسجد ) للسهو لقوله عليه السلام : من زاد أو نقص فليسجد سجدتين ( وسلم ) لتكمل صلاته ، وظاهره أنه إذا كان قد تشهد فإنه يسجد ، ويسلم ، وفي " الشرح " وغيره إن كان تشهد ، ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عليه ، ثم سجد للسهو ، ثم سلم .

[ ص: 505 ] تنبيه : إذا قام إلى ثالثة نهارا ، وقد نوى ركعتين نفلا ، رجع إن شاء ، وسجد للسهو ، وله أن يتمها أربعا ، ذكره في " الشرح " ولا يسجد ، وهو أفضل ، وإن كان ليلا ، وكما لو قام إلى ثالثة في الفجر ، نص عليه ، لأنها صلاة شرعت ركعتين أشبهت الفجر ( وإن سبح به ) وفي " الفروع " نبه ، وهو أولى لشموله ( اثنان ) ثقتان فأكثر ، ويلزمهم تنبيهه ، وذكر صاحب " النظم " احتمالا في الفاسق كأذانه ، وفيه نظر ، وفي المميز خلاف ( لزمه الرجوع ) إليهما ، وظاهره سواء سبحا به إلى زيادة أو نقصان ، وسواء قلنا يعمل بغلبة ظنه أو لا ، وسواء غلب على ظنه صوابهما أو خطؤهما ، نص عليه ، لأنه عليه السلام رجع إلى قول أبي بكر ، وعمر ، وأمر عليه السلام بتذكيره ، وعنه : يستحب ، ذكرها القاضي ، وعليها يعمل بيقينه أو الحري لا أنه لا يرجع ، وظاهره أنه لا يرجع إلى ثقة ، نص عليه ، لأنه عليه السلام لم يرجع إلى قول ذي اليدين وحده ، وقيل : يرجع إليه في زيادة ، لا مطلقا ، واختار أبو محمد الجوزي : يرجع إلى واحد يظن صدقه .

قال في " الفروع " ولعل المراد ما ذكره الشيخ : إن ظن صدقه عمل بظنه ، لا بتسبيحه ، لكن أطلق أحمد أنه لا يرجع إليه ، وظاهر ما ذكروه أن المرأة كالرجل في هذا ، وإلا لم يكن في تنبيهها فائدة ، ولما كره تنبيهها بالتسبيح ، ونحوه ، ظاهره : أنه يلزمه الرجوع إليهما ، ولو تيقن صواب نفسه ، وهو قول أبي الخطاب ، وذكره الحلواني رواية ، كالحاكم بحكم بالشاهدين ، ويترك يقين نفسه ، والمذهب أنه لا يلزمه الرجوع إليهما حينئذ ، لأن قولهما إنما يفيد الظن ، واليقين مقدم عليه ، وأجاب في " المغني " و " الشرح " بأنه علم خطأهما فلا يرجع إليهما فيه ، وكذا يقول في الشاهدين ، متى علم الحاكم كذبهما أو غلطهما لم يجز الحكم [ ص: 506 ] بشهادتهما ، ولا أظن أبا الخطاب يمنع من ذلك ، ومراده ما قاله القاضي : يترك الإمام اليقين ، ومراده الأصل ، قال : كالحاكم يرجع إلى الشهود ، ويترك الأصل ، واليقين ، وهو براءة الذمم ، وكذا شهادتهما برؤية لهلال يرجع إليهما ، ويترك الأصل واليقين ، وهو بقاء الشهر .

فرع : إذا اختلف الجماعة عليه سقط قولهم ، كالبينتين إذا تعارضتا ، ويعمل بغلبة ظنه ، وفي وجه - وذكر في " الوسيلة " أنه أشبه بالمذهب - أنه يرجع إلى من وافقه ، وقال ابن حامد : يرجع إلى قول من أثبت الخطأ ، ويرجع منفردا إلى يقين ، وقيل : لا ، لأن من في الصلاة أشد تحفظا قال القاضي : والأول أشبه بكلام أحمد في الطواف .

( فإن لم يرجع ) الإمام في موضع يلزمه الرجوع ( بطلت صلاته ) نص عليه ، وجزم به الأصحاب ، لأنه ترك الواجب عمدا ( وصلاة من اتبعه عالما ) على الأصح فيهما ، لأنه اقتدى بمن يعلم بطلان صلاته ، كما لو اقتدى بمن يعلم حدثه ( فإن فارق ) وسلم صحت صلاته في أصح الروايات ، واختاره الأكثر ، لأنه فارقه لعذر ، أشبه من فارق إمامه إذا سبقه الحدث ، وعنه : ينتظره ليسلم معه وجوبا ، وعنه : استحبابا ، وعنه : يجب متابعته فيها ، وعنه : يخبر المأموم في انتظاره أو اتباعه ، وعنه : تبطل في الكل ، ومعنى الإبطال أنها تخرج أن تكون فرضا بل يسلم عقب الرابعة ، وتكون لهم نفلا ، ذكره في " الفصول " عن الأصحاب ( أو كان ) متبعه ( جاهلا ) وساهيا ( لم تبطل ) على الأصح ، لأن الصحابة تابعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخامسة في حديث ابن مسعود ، ولم تبطل صلاتهم ، وتابعوه أيضا في حديث ذي اليدين ، ولم يأمرهم بالإعادة .

[ ص: 507 ] تنبيه : إذا أدركه مسبوق فيها انعقدت صلاته ، واعتد بها ، قدمه ابن تميم ، وقاله القاضي ، بناء على اقتداء المفترض بالمتنفل ، والمذهب المنصوص عليه أنه لا يعتد بها ، لأنها سهو وغلط ، وعنه : الوقف ، نقلها أبو الحارث ، والأول نصره المؤلف ، وهذا إذا لم يعلم بأنها زائدة ، فإن علم لم يدخل معه مفترض ، وكذا لا يدخل معه في سجود سهو بعد السلام على الأصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية