صفحة جزء
وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه ، كالقراءة في السجود والقعود والتشهد في القيام ، وقراءة السورة في الأخريين لم تبطل به ، ولا يجب السجود لسهوه ، وهل يشرع ؛ على روايتين ، وإن سلم قبل إتمام صلاته عمدا أبطلها ، وإن كان سهوا ، ثم ذكر قريبا أتمها وسجد ، فإن طال الفصل ، أو تكلم لغير مصلحة الصلاة بطلت ، وإن تكلم لمصلحتها ، ففيه ثلاث روايات : إحداهن تبطل . والثانية : لا تبطل ، والثالثة : تبطل صلاة المأموم دون الإمام ، اختارها الخرقي .


( وإن أتى ) شرع في بيان زيادة الأقوال ، وهي قسمان : أحدهما : ما يبطل عمده الصلاة كالسلام ، وكلام الآدميين ، وسيأتي ، والثاني : ما لا يبطلها مطلقا ، وهو المراد بقوله ( بقول مشروع في غير موضعه ) عمدا [ ص: 509 ] سوى السلام ، قاله في " الوجيز " و " الفروع " وهو مراد من أطلق ( كالقراءة في السجود ، والقعود ، والتشهد في القيام ، وقراءة السورة في الأخريين ، لم تبطل به ) نص عليه ، لأنه مشروع في الصلاة في الجملة ، وقيل : تبطل به ، ذكره ابن الجوزي في " مسبوكه " ، وقاله ابن حامد ، وأبو الفرج في قراءته راكعا أو ساجدا ، فعلى هذا يجب السجود لسهوه ( و ) على الأول : ( لا يجب السجود لسهوه ) كسائر ما لا يبطل عمده الصلاة ( وهل يشرع ؛ على روايتين ) إحداهما : يشرع ، صححه في " الوسيلة " ، و " الرعاية " و " الفروع " ونصره جماعة ، فعلى هذا هو مستحب ، وجزم به في " الوجيز " لعموم قوله عليه السلام : إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين والثانية : لا يشرع قدمها في " المغني " لأنها لا تبطل بعمده ، فلم يشرع السجود لسهوه ، كترك سنن الأفعال ، وظاهره أنه إذا أتى بذكر أو دعاء متعمدا لم يرد الشرع به فيها ، كقول آمين رب العالمين ، وفي التكبير الله أكبر كبيرا ، أنه لا يشرع له سجود ، وجزم به في " المغني " و " الشرح " لأنه روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يقول : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، فلم يأمره بالسجود وفيه وجه أنها تبطل به ، ذكره ابن الجوزي ، وفيه بعد ( وإن سلم قبل إتمام صلاته عمدا أبطلها ) لأنه تكلم فيها ، والباقي منها إما ركن أو واجب ، وكلاهما تبطل الصلاة بتركه عمدا ( وإن كان ) السلام ( سهوا ) لم تبطل به رواية واحدة ، قاله في " المغني " لأنه عليه السلام هو وأصحابه فعلوه ، وبنوا على صلاتهم ، لأن جنسه مشروع فيها ، أشبه الزيادة فيها من جنسها ( ثم ذكر قريبا أتمها ) زاد غير واحد ، وإن انحرف عن القبلة ، أو خرج من المسجد ، نص عليه ( وسجد ) لما روى ابن سيرين عن أبي هريرة قال : [ ص: 510 ] صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي ، قال ابن سيرين : قد سماها أبو هريرة ، ولكن نسيت أنا ، فصلى بنا ركعتين ، ثم سلم ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد ، فاتكأ عليها كأنه غضبان ، ووضع يده اليمنى على اليسرى ، وشبك بين أصابعه ، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى ، وخرجت السرعان من أبواب المسجد ، فقالوا : قصرت الصلاة ، وفي القوم أبو بكر ، وعمر فهابا أن يكلماه ، وفي القوم رجل في يده طول ، يقال له ذو اليدين ، فقال : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؛ فقال : لم أنس ، ولم تقصر ، فقال : ما يقول ذو اليدين ؛ فقالوا : نعم ، فتقدم فصلى ما ترك ، ثم سلم ، ثم كبر ، وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه ، وكبر ، فربما سألوه : بم سلم ؛ فيقول : نبئت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم متفق عليه ، ولفظه للبخاري . لكن إن لم يذكر حتى قام فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي عليه من جلوس ، لأن هذا القيام واجب للصلاة ، فلزمه الإتيان به مع النية ، وشرط الإتمام استمرار الطهارة ، فلو أحدث استأنفها ( فإن طال الفصل ) بطلت في قول الجمهور ، لأنها صلاة واحدة ، فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل ، ولتعذر البناء معه ، ويرجع فيه إلى العرف ، قال في " المغني " و " الشرح " : والمقاربة لمثل حاله عليه السلام في خبر ذي اليدين إذ لم يرد بتحديده نص ، وقيل : قدر ركعة طويلة ، قاله القاضي في " الجامع " ، وقيل : قدر الصلاة التي هو فيها ، وقيل : مادام في المسجد ، لأنه محل للصلاة .

تنبيه : إذا لم يذكر المتروك حتى شرع في صلاة غيرها ، فإن طال الفصل بطلت ، وإن لم يطل عاد إلى الأولى وأتمها ، وعنه : يستأنفها ، اقتصر عليه في [ ص: 511 ] " الكافي " لتضمن عمله قطع نيتها ، وعنه : يستأنفها إن كان ما شرع فيه نفلا ، وذكر في " المبهج " يكمل الأولى من الثانية نفلا كانت أو فرضا ، لأنه سهو معذور فيه ، وفي " الفصول " فيما إذا كانتا صلاتي جمع أتمها ، ثم سجد عقيبها للسهو عن الأولى ، لأنهما كصلاة واحدة ، ولم يخرج من المسجد ، والأول : المذهب ، لأنه عمل عملا من جنس الصلاة سهوا فلم تبطل ، كما لو زاد ركعة ، وأما إتمام الأولى بالثانية فلا يصح ، لأنه قد خرج من الأولى بالسلام ، ونية الخروج منها ، ولم ينوها بعد ذلك ، ونية غيرها لا تجزئ عن نيتها كحالة الابتداء ( أو تكلم ) في هذه الحال أي : إذا سلم يظن أن صلاته قد تمت ( لغير مصلحة الصلاة ) كقوله : يا غلام اسقني ماء ، ونحوه ( بطلت ) نص عليه في رواية جماعة ، وهو المذهب ، لما روى معاوية بن الحكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس رواه مسلم ، وأبو داود ، وقال : " لا يحل مكان لا يصلح " ، وعنه : لا تفسد بالكلام في هذه الحال ، لأنه نوع من النسيان ، أشبه المتكلم جاهلا ، وأطلق جمع الخلاف .

( وإن تكلم لمصلحتها ففيه ثلاث روايات ، إحداهن تبطل ) مطلقا اختارها الخلال ، وصاحبه ، وقدمها في " المحرر " و " الرعاية " وصححها جماعة ، وهي اختيار أكثر الأصحاب ، لما روى زيد بن أرقم قال : كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل منا صاحبه ، وهو إلى جنبه في الصلاة ، حتى نزلت وقوموا لله قانتين [ البقرة : 239 ] فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام متفق عليه ، وللترمذي فيه : كنا نتكلم خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة . وزيد مدني ، وهو يدل على [ ص: 512 ] أن نسخ الكلام كان بالمدينة ، ويعضده حديث معاوية ( والثانية : لا تبطل ) مطلقا ، نص عليه في رواية جماعة ، وقدمه ابن تميم ، وذكر المؤلف أنه الأولى ، وصححه في " الشرح " لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر ، وعمر ، وذا اليدين تكلموا ، وبنوا على صلاتهم ، فعلى هذا إن أمكنه استصلاح الصلاة بإشارة ، ونحوها ، فتكلم ، فذكر في المذهب وغيره ، أنها تبطل ، وعنه : إن تكلم لمصلحتها سهوا لم تبطل ، وإلا بطلت ، قال في " المحرر " : وهو أصح عندي ، لأن النهي عام ، وإنما ورد في حال السهو فيختص به ، ويبقى في غيره على الأصل ( والثالثة تبطل صلاة المأموم ) لأنه لا يمكنه التأسي بالخليفتين ، فإنهما كانا مجيبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإجابته واجبة بالنص ، ولا بذي اليدين ، لأنه تكلم سائلا عن قصر الصلاة في وقت يمكن ذلك فيه ، فعذر ، بخلاف غيره ( دون الإمام ، اختارها الخرقي ) لأن له أسوة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان إماما ، وتكلم ، وبنى على صلاته ، فعلى هذه المنفرد كالمأموم ذكره في " الرعاية " وهو ظاهر " المحرر " وظاهره أن الخلاف جار بمن ظن تمام صلاته ، ثم تكلم ، واختاره جمع ، وقال القاضي ، والمجد : هو على الإطلاق ، وصححه ابن تميم ، وقدمه في " الرعاية " لأن الكلام هنا قد يكون أشد ، كإمام نسي القراءة ، ونحوها ، فإنه يحتاج أن يأتي بركعة ، فلا بد له من إعلام المأموم ، والكلام غير المبطل ما كان يسيرا ، فإن كثر وطال أبطل ، اختاره الشيخان ، والقاضي زاعما أنه رواية واحدة ، لأن الأحاديث المانعة من الكلام عامة تركت في اليسير ، للأخبار ، فيبقى ما عداه على مقتضى العموم ، وقيل : لا تبطل ، وهو ظاهر كلامه ، واختاره القاضي في " الجامع الكبير " ، لأن ما عفي عنه بالنسيان استوى قليله وكثيره ، كالأكل في الصوم .

[ ص: 513 ] مسألة : لا بأس بالسلام على المصلي ، نص عليه ، وفعله ابن عمر لقوله تعالى فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم [ النور : 61 ] أي : على أهل دينكم ، وعنه : يكره ، وهي قول ابن عقيل ، وقدمها في " الرعاية " وقاله الشعبي ، وعطاء ، وأبو مجلز ، لأنه ربما غلط فرد بالكلام ، وعنه : يكره في فرض ، وقيل : لا يكره إن عرف كيفية الرد ، وإن كثر ذلك عرفا بلا ضرورة ، وإن رده لفظا بطلت ، لأنه كلام آدمي أشبه تشميت العاطس ، ويرده إشارة لفعله عليه السلام ، رواه أبو داود ، والترمذي ، وصححه ، ولا يجب في الأصح ، وعنه : يكره ، وعنه : في فرض ، ولا يرده في نفسه ، بل يستحب بعدها لرده عليه السلام على ابن مسعود بعد السلام ، ولو صافح إنسانا يريد السلام عليه لم تبطل .

التالي السابق


الخدمات العلمية