صفحة جزء
إن تكلم في صلب الصلاة بطلت ، وعنه : لا تبطل إذا كان ساهيا ، أو جاهلا ، ويسجد له


( وإن تكلم في صلب الصلاة بطلت ) اعلم أن الكلام فيها ينقسم إلى أقسام : .

أحدها : أن يتكلم عمدا عالما أنه فيها ، مع علمه بتحريم ذلك لغير مصلحة الصلاة ، ولا لأمر يوجب ذلك ، بطلت إجماعا ، حكاه ابن المنذر ، لما روى ابن مسعود قال : كنا نسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة فيرد علينا ، ثم قال : إن في الصلاة لشغلا متفق عليه ، وفي لفظ لأبي داود قال : فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال : إن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا فيها وأبعد في " الرعاية " فحكى قولا أنها لا تبطل بكلام يسير .

والثاني : أن يتكلم ساهيا ، وهو مبطل لها في قول الأكثر للعموم ( وعنه : لا تبطل إذا كان ساهيا ) قدمه أبو الحسين ، وابن تميم ، ونصره في " التحقيق " ، ولا فرق بين أن يتكلم ساهيا أنه في صلاة أو يظن أن صلاته قد تمت ، فيسلم ، [ ص: 514 ] ويتكلم ( أو جاهلا ) ذكره المؤلف ، وصاحب " التلخيص " لأنه عليه السلام لم يأمر معاوية حين شمت العاطس جهلا بتحريمه بالإعادة ، والساهي مثله ، لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان ، وظاهره أنه لا فرق بين الجاهل بتحريم الكلام أو الإبطال به ، قال القاضي في " الجامع " : لا أعرف عن أحمد نصا في الجاهل بتحريم الكلام ، وألحق بعض أصحابنا الحديث العهد بالإسلام به ، وفيه وجه لا تبطل بحال ، ذكره في " المغني " احتمالا ؛ لما روى أبو هريرة أن أعرابيا قال وهو في الصلاة : اللهم ارحمني ومحمدا ، ولا ترحم معنا أحدا فلم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة ، رواه البخاري ، ثم قال : والأولى أن يخرج هذا على الروايتين في الناسي ، لأنه معذور بمثله .

الثالث : أن يتكلم جاهلا ، وقد ذكر .

( ويسجد له ) لعموم الأحاديث ، ولأن عمده يبطلها ، فوجب السجود لسهوه كترك الواجبات .

لا يقال : لم يأمر معاوية بالسجود فكيف يسجد ؛ لأنه كان مأموما ، والإمام يتحمل عنه سهوه .

الرابع : أن يتكلم مغلوبا عليه ، وهو أنواع .

أحدها : أن تخرج الحروف بغير اختياره ، كما لو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب ، فبان حرفان ، أو سبق لسانه حال قراءته إلى كلمة غير القرآن لم تبطل ، نص عليه ، لأنه لا يمكنه التحرز منه ، وقيل : هو كالناسي .

الثاني : أن ينام فيتكلم ، فقد توقف أحمد عن الجواب عنه ، والأولى أنها لا تبطل به ، لرفع القلم عنه ، ولعدم صحة إقراره ، وعتقه .

[ ص: 515 ] الثالث : أن يكره على الكلام فصحح في " المغني " الإبطال به ، وذكره ابن شهاب ، كما لو أكره على زيادة ركن أو ركعة ، وذكر في " التلخيص " أنه كالناسي لقوله عليه السلام : رفع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه قال القاضي : هو أولى منه بالعفو ، وصحة الصلاة ، نصره في " التحقيق " ، لأنه منسوب إليه ، بدليل أنه لو أكره على إتلاف ما لم يضمنه ، والناسي يضمن ما أتلفه ، والأول أولى ، لأن النسيان يكثر بخلاف الإكراه .

الرابع : أن يتكلم بكلام واجب ، مثل أن يخشى على ضرير أو صبي الوقوع في هلكة ، أو يرى حية تقصد غافلا ، أو نارا يخاف أن تشتعل في شيء ، ولا يمكنه التنبيه بالتسبيح ، فقال أصحابنا : تبطل به لما سبق ، وقيل : لا ، وهو ظاهر كلام أحمد ، وصححه في " الرعاية " لقصة ذي اليدين ، وقيل : هو كالناسي ، وذكر ابن تميم ، وغيره أنه متى أمكن استغناؤه بإشارة لم يجز أن يتكلم ، ولا يتكلم بزيادة على حاجته ، وحاصله أن المبطل منه ما كان على حرفين كقوله أب ، ودم أي : ظاهرا ، لأنه لا تنتظم كلمة من أقل منهما ، فلو قال : لا ، فسدت صلاته ، لأنها لام وألف .

التالي السابق


الخدمات العلمية