صفحة جزء
وإن قهقه أو نفخ ، أو انتحب ، فبان حرفان ، فهو كالكلام إلا ما كان من خشية الله تعالى . وقال أصحابنا في النحنحة مثل ذلك ، وقد روي عن أبي عبد الله أنه كان يتنحنح في الصلاة ولا يراها مبطلة للصلاة .


( وإن قهقه أو نفخ أو انتحب ، فبان حرفان ، فهو كالكلام ، إلا ما كان من خشية الله تعالى ) وفيه مسائل .

الأولى : إذا قهقه ، وهي ضحكة معروفة ، فإن قال : قه قه فالأظهر أنها تبطل به ، وإن لم يبن حرفان ، ذكره في " المغني " وقدمه الأكثر ، كالمتن ، وحكاه ابن المنذر إجماعا ، لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : القهقهة تنقض الصلاة ، ولا تنقض الوضوء رواه الدارقطني بإسناد فيه ضعف ، ولأنه تعمد [ ص: 516 ] فيها بما ينافيها أشبه الآدمي ، وظاهره أنها لا تفسد بالتبسم ، وهو قول الأكثر حكاه ابن المنذر .

الثانية : إذا نفخ فيها فهو كالكلام إذا بان حرفان ذكره في المذهب ، و " الوجيز " وصححه المؤلف لما روي عن ابن عباس قال : من نفخ في صلاته فقد تكلم . رواه سعيد ، وعن أبي هريرة نحوه ، لكن قال ابن المنذر : لا يثبت عنهما ، وعنه : تبطل مطلقا لظاهر ما ذكرنا ، وعنه : عكسها ، روي عن جماعة منهم ابن مسعود ، وقيل لقدامة بن عبد الله : نتأذى بريش الحمام إذا سجدنا ، فقال : انفخوا . رواه البيهقي بإسناد حسن ، وقدامة صحابي ، وعن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفخ في صلاة الكسوف رواه أحمد ، وأبو داود بإسناد حسن ، والبخاري تعليقا ، وكالحرف الواحد ، والأولى حمله على ما إذا لم ينتظم حرفان فإن انتظم بطلت .

الثالثة : إذا انتحب بأن رفع صوته بالبكاء من غير خشية ، كالكلام إذا بان حرفان ، لأنه من جنس كلام الآدميين ، وظاهره لا فرق بين ما غلب صاحبه ، وما لم يغلبه ، لكن قال في " المغني " و " النهاية " : إنه إذا غلب صاحبه لم يضره لكونه غير داخل في وسعه ، ولم يحكيا فيه خلافا . قوله : فهو كالكلام أي : يبطل إن كان عمدا ، وإن كان ساهيا أو جاهلا خرج على الروايتين .

الرابعة : إذا انتحب من خشية الله تعالى أنه لا يضر ، لما روى مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ، ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء رواه أحمد ، وأبو داود . قال أحمد : كان عمر [ ص: 517 ] يبكي حتى يسمع له نشيج ، وذكره البخاري عن عبد الله بن شداد أنه سمعه ، وهو في آخر الصفوف ، وظاهره ، وإن لم يكن عن غلبة ، وقاله القاضي ، وأبو الخطاب ، وصححه ابن تميم ، وهو ظاهر كلام الأكثر ، لأن الله تعالى مدح الباكين فقال خروا سجدا وبكيا [ مريم : 58 ] ويخرون للأذقان يبكون [ الإسراء : 109 ] ، وهو عام فيما تضمن حرفا أو حروفا ، ولأنه ذكر ودعاء ، ولهذا مدح إبراهيم فقال إن إبراهيم لأواه حليم [ التوبة : 114 ] ، وفي التفسير أنه كان يتأوه خوفا من الله تعالى .

والثاني : تبطل ذكره المؤلف أنه الأشبه بأصول أحمد ، لعموم النصوص ، والمدح على البكاء لا يخصصه ، كرد السلام ، وتشميت العاطس ، وكما لو لم يكن من خشية ، لأنه يقع على الهجاء ، ويدل بنفسه على المعنى كالكلام ، وإن استدعى البكاء كره ، كالضحك ، وإلا فلا .

فرع : إذا تأوه أو أن ، فبان حرفان من خوف الله تعالى لم تبطل ، وإن كان عن غير غلبة ، لأن الكلام لا ينسب إليه ، ولا يتعلق به حكم من أحكام الكلام ، فدل أنهما إذا ظهرا من بكاء أو بصاق أو تثاؤب أو سعال لا من خشية الله تعالى أنها تبطل قال في " المستوعب " وغيره : إذا قلنا إن الكلام ناسيا لا تبطل الصلاة به ، فما كان من هذه الأشياء غالبا لا تبطل به ، وإن بان حرفان ( وقال أصحابنا في النحنحة مثل ذلك ) أي : هي كالنفخ ، والقهقهة ، إن بان حرفان فسدت ، لأنه إذا أبانهما كان متكلما ، أشبه ما لو أن ( وقد روي عن أبي عبد الله أنه كان يتنحنح في الصلاة ) نقلها المروذي ، ومهنا .

[ ص: 518 ] ( ولا يراها مبطلة للصلاة ) اختارها المؤلف ، ويعضده ما روى أحمد ، وابن ماجه عن علي قال : كان لي مدخلان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل ، والنهار ، فإذا دخلت عليه ، وهو يصلي يتنحنح لي ، وللنسائي معناه ، ولأنه صوت لا يدل بنفسه ، ولا مع لفظ غيره على معنى ، لكونها حروفا غير محققة ، كصوت أعقل ، ولا يسمى فاعلها متكلما ، بخلاف النفخ ، والتأوه ، وأطلق في " المحرر " الروايتين ، وقيل : إن تنحنح لضرورة ، أو حرفان فوجهان ، وحمل الأصحاب ما روي عن الإمام أحمد أنه لم يأت بحرفين ، ورده المؤلف بأن ظاهر حاله أنه لم يعتبر ذلك ، لأن الحاجة تدعو إليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية