صفحة جزء
فصل

وأما النقص فمتى ترك ركنا ، فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى ، بطلت التي تركه منه وإن ذكره قبل ذلك ، عاد ، فأتى به وبما بعده ، وإن كان بعد السلام ، فهو كترك ركعة كاملة وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات ، وذكر في التشهد ، سجد سجدة ، فصحت له ركعة ، ويأتي بثلاث ، وعنه : تبطل صلاته ، وإن نسي التشهد الأول ، ونهض ، لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائما ، وإن استتم قائما لم يرجع ، وإن رجع جاز ، وإن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع ، وعليه السجود لذلك كله .


فصل

( وأما النقص ، فمتى ترك ركنا ) ناسيا أو ساهيا غير تكبيرة الإحرام ، أو النية إذا قلنا بركنيتها ( فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت ) الركعة ( التي تركه منها ) فقط ، نص عليه ، وجزم به الأصحاب ، لأنه ترك ركنا ، ولم يمكن استدراكه لتلبسه بالركعة التي بعدها ، فلغت ركعته ، وصارت التي تشرع فيها عوضا عنها ، ولا يعيد الاستفتاح ، نص عليه في رواية الأثرم ، وقال الشافعي : إن ذكر الركن المتروك قبل السجود في الثانية ، فإنه يعود إلى السجدة الأولى ، وإن ذكر بعد سجوده في الثانية ، وقعت عن الأولى ، لأن الركعة قد صحت ، وما فعله في الثانية سهوا لا يبطل كما لو ذكر قبل القراءة ، وذكر أحمد هذا القول فقر به ، إلا أنه اختار الأول ، وذكره ابن تميم ، وغيره وجها ، والأول أقوى ، لأن المزحوم في الجمعة إذا زال الزحام ، والإمام راكع في الثانية فإنه يتبعه ، ويسجد معه ، ويكون السجود من الثانية دون الأولى . فعلى هذا إن [ ص: 519 ] كان الترك من الأولى صارت الثانية أوليته ، والثالثة ثانيته ، والرابعة ثالثته ، ويأتي بركعة ، وكذا القول في الثانية ، والثالثة ، والرابعة ، فإن رجع عمدا مع علمه بطلت صلاته ، نص عليه ، لتركه الواجب عمدا ، وظاهره أنه لا يبطل ما مضى من الركعات قبل المتروك ركنها ، وقال ابن الزاغوني : بلى ، وبعده ابن تميم ، وغيره ( وإن ذكره قبل ذلك ) أي : قبل القراءة ( عاد ) لزوما ( فأتى به ) أي : بالمتروك ، نص عليه لكون القيام غير مقصود في نفسه ؛ لأنه يلزم منه قدر القراءة الواجبة ، وهي المقصودة ؛ ولأنه أيضا ذكره في موضعه ، كما لو ترك سجدة من الركعة الأخيرة ، فذكرها قبل السلام ، فإنه يأتي بها في الحال ، وقال في " المبهج " : من ترك ركنا ناسيا فلم يذكر حتى شرع في ركن آخر بطلت تلك الركعة ، وذكره بعضهم رواية ، فعلى الأول : إن لم يعد مع علمه بطلت صلاته ، وإن كان سهوا أو جهلا لم تبطل ، لأنه متعمد ، أشبه ما لو مضى قبل ذكر المتروك ، وتبطل تلك الركعة ، وقال أبو الخطاب : إذا لم يعده لا يعتد بما يفعله بعد المتروك ، فإن ذكر الركوع ، وقد جلس أتى به ، وبما بعده ، فإن ذكر بعد أن قام من السجدة الثانية ، وكان جلس للفصل ، أتى بالسجدة فقط ، ولم يجلس ، لأنه لم يتركه ، وقيل : بلى ، ثم يسجد ، وإلا جلس للفصل ، ثم يسجد ( و ) يأتي معه ( بما بعده ) لوجوب الترتيب ( وإن كان بعد السلام فهو كترك ركعة كاملة ) كذا ذكره جماعة منهم في " المحرر " لأن الركعة التي لغت بترك ركنها غير معتد بها ، فوجودها كعدمها ، فإذا سلم قبل ذكرها فقد سلم من نقص ، فإن طال الفصل أو أحدث بطلت لفوات الموالاة ، كما لو ذكره في يوم آخر ، وإن لم يطل ، بل كان عن قرب عرفا لم تبطل ، وأتى بركعة ، وظاهره لو انحرف عن القبلة أو خرج من المسجد ، نص عليه ، ويسجد له [ ص: 520 ] قبل السلام نقله حرب بخلاف ترك الركعة بتمامها ، وقال أبو الخطاب : وجزم به في " التبصرة " ، و " التلخيص " تبطل ، ونقله الأثرم ، وغيره ، لأنه ترك ركن الصلاة ، ولم يمكنه استدراكه ، لكونه خرج منها بالسلام ، والأول أولى ، كما لو كان المتروك ركعة ، فإنه إجماع لخبر ذي اليدين ، لكن ذكر في " المغني " و " الشرح " إن كان المتروك سلاما أتى به فحسب ، وإن كان تشهدا أتى به وبالسلام ، وإن كان غيرهما أتى بركعة كاملة ، وهو المنصوص ، وقيل : يأتي بالركن ، وبما بعده قال ابن تميم : وهو أحسن ، وإن لم يعلم حتى شرع في صلاة فقد سبق .

تنبيه : إذا ترك ركنا لا يعلم موضعه ، أو جهل عين الركن المتروك ، بنى على الأحوط ، لئلا يخرج من الصلاة وهو شاك فيها ، فيكون مغررا بها لقوله عليه السلام : لا غرار في صلاة ، ولا تسليم رواه أبو داود . قال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن تفسيره ، أما أنا فأرى أن لا يخرج منها إلا على يقين أنها قد تمت ، فعلى هذا إذا ترك سجدة لا يعلم من الأولى أو الثانية ، جعلها من الأولى ، وأتى بركعة ، وإن ترك سجدتين لا يعلم من ركعة أو ركعتين ، سجد سجدة ، وحصلت له ركعة ، وإن ذكر بعد شروعه في قراءة الثالثة لغت الأوليان ، فإن ترك ركنا لا يعلم هل هو ركوع أو سجود جعله ركوعا ، وإن شك في القراءة ، والركوع جعله قراءة ، وإن ترك اثنتين متواليتين من الفاتحة جعلهما من ركعة ، وإن لم يعلم تواليهما جعلهما من ركعتين .

( وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات ، وذكر في التشهد ، سجد سجدة ، فصحت له ركعة ، ويأتي بثلاث ) نقله الجماعة ، وصححه في " التلخيص " وهو المذهب ، لأنه قد بطل كل واحدة من الثلاث بشروعه في التي بعدها ، وبقيت [ ص: 521 ] الرابعة ناقصة فيتمها بسجدة فتصح ، وتصير أولاه ، ويأتي بالثلاث الباقية ، ثم يتشهد ، ويسجد للسهو ، ويسلم ، وعنه : تصح له ركعتان ، ويأتي بركعتين ، قال المؤلف : ويحتمل أن يكون هذا هو الصحيح ، لأن أحمد حكاه عن الشافعي ، وقال : هو أشبه من قول أبي حنيفة ، وعنه : لا يصح له سوى الإحرام فيبني عليها ( وعنه : تبطل صلاته ) وقاله إسحاق ، لأنه يؤدي إلى التلاعب في الصلاة ، ويفضي إلى عمل كثير غير معتد به ، وهو ما بين التحريمة ، والركعة الرابعة ، وبناه جماعة منهم صاحب " الشرح " على المسألة قبلها ، فإن لم يذكر حتى سلم بطلت ، نص عليه ، وذكره في المذهب ، و " التلخيص " رواية واحدة ، لأن الركعة الأخيرة بطلت بسلامه ، وفيه وجه : كما لو لم يسلم ، وإن ذكر ، وقد قرأ في الخامسة فهي أولاه ، ولغا ما قبلها ، ذكره في " التلخيص " وغيره ، ولا يعيد الافتتاح ، وتشهده قبل سجدتي الأخيرة زيادة فعلية ، وقبل السجدة الثانية زيادة قولية ( وإن نسي التشهد الأول ونهض ، لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائما ) كذا ذكره جماعة منهم صاحب " المحرر " ، و " الوجيز " لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس ، وإذا استتم قائما فلا يجلس ، ويسجد سجدتي السهو رواه داود ، وابن ماجه من رواية جابر الجعفي ، وقد تكلم فيه ، ولأنه أخل بواجب ، وذكره قبل الشروع في ركن ، فلزمه الإتيان به ، كما لو لم تفارق أليتاه الأرض ، وظاهره أنه يلزمه الرجوع ، سواء فارقت أليتاه الأرض ، أو كان إلى القيام أقرب ، ويجب على مأموم اعتدل متابعته ( وإن استتم قائما ) ولم يقرأ ( لم يرجع ، وإن رجع جاز ) نص عليه ، وهو معنى ما في " المحرر " و " المذهب " و " التلخيص " [ ص: 522 ] و " الكافي " وذكر أنه قول الأصحاب كما لو ذكره قبل الاعتدال ، ولأنه لم يتلبس بركن مقصود ، لأن القيام ليس بمقصود في نفسه ، ولهذا جاز تركه عند العجز ، بخلاف غيره من الأركان ، والأشهر يكره رجوعه ، جزم به في " الوجيز " وذكره في " الفروع " وعنه : يمضي وجوبا ، صححه المؤلف لما تقدم من حديث المغيرة ، ولأن القيام ركن ، فلم يجز الرجوع بعد الشروع فيه كالقراءة ، وعنه : يلزمه الرجوع ، وقاله النخعي ، ويتبعه المأموم ( وإن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع ) لحديث المغيرة ، ولأنه شرع في ركن مقصود ، كما لو شرع في الركوع ، وظاهره أنها تبطل صلاة الإمام إذا رجع بعد شروعه فيها ، إلا أن يكون جاهلا أو ناسيا ، وكذا حال المأمومين إن تبعوه ، وإن سبحوا به قبل أن يعتدل فلم يرجع تشهدوا لأنفسهم ، وتبعوه ، وقيل : بل يفارقونه ، ويتمون صلاتهم ( وعليه السجود لذلك كله ) جزم به أكثر الأصحاب لحديث المغيرة ، ولعموم قوله عليه السلام : إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين وعنه : إن كثر نهوضه ، وإن قل ، قدمه ابن تميم ، وفي " التلخيص " إن بلغ حد الركوع سجد ، لأنه زاد ما يبطل عمده الصلاة ، وقال القاضي في موضع : إذا لم يعتدل قائما فلا سجود ، وحكاه في " شرح المذهب " عن شيخه لخبر رواه الدارقطني .

مسألة : حكم ترك الذكر فيه كتركهما ، فلو نسي تسبيح ركوع ، فذكره بعد زواله عن حد الركوع حتى انتصب قائما ، فوجهان .

أحدهما : لا يرجع جزم به في " المغني " و " الشرح " لأنه يزيد ركوعا ، ويأتي بالتسبيح في ركوع غير مشروع .

فعلى هذا إن رجع بطلت لا سهوا ، بل يسجد له ، فإن أدركه مسبوق في هذا الركوع لم يدركها ، ذكره المؤلف .

[ ص: 523 ] والثاني : يجوز له الرجوع ، اقتصر عليه في " المحرر " وذكره القاضي قياسا على القيام من ترك التشهد ، وليس مثله ، لأن التشهد واجب في نفسه غير متعلق بغيره ، بخلاف بقية الواجبات ، لأنها تجب في غيرها ، كالتسبيح مع أن الأولى في التشهد لا يرجع إما جزما كما في " المغني " أو استحبابا كالمشهور ، وقياس بقية الواجبات مثله ، قاله في " المحرر " وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية