صفحة جزء
[ ص: 1 ] باب صلاة التطوع وآكدها صلاة الكسوف والاستسقاء


بسم الله الرحمن الرحيم .

باب صلاة التطوع .

التطوع في الأصل : فعل الطاعة ، وشرعا وعرفا : طاعة غير واجبة . والنفل والنافلة : الزيادة ، والتنفل : التطوع ( وهي أفضل تطوع البدن ) لما روى سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، رواه ابن ماجه ، وإسناده ثقات إلى سالم . قال أحمد : سالم لم يلق ثوبان ، بينهما معدان بن أبي طلحة ، وليست هذه الأحاديث صحاحا ، ورواه البيهقي في " سننه " ، وابن حبان في " صحيحه " ، ومالك في " موطئه " بلاغا ، وله طرق فيها ضعف ; ولأن فرضها آكد الفروض ، فتطوعها آكد التطوعات ، ولأنها تجمع أنواعا من العبادة : الإخلاص ، والقراءة ، والركوع ، والسجود ، ومناجاة الرب ، والتوجه إلى القبلة ، والتسبيح ، والتكبير ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن أطلق أحمد والأصحاب أن الجهاد أفضل الأعمال المتطوع بها . قال أحمد : لا أعلم شيئا من الفرائض أفضل من الجهاد ، وذكر أكثر أصحابنا : ثم العلم ، ثم الصلاة . وعلى ما ذكره في الجهاد أنه أفضل الأعمال المتطوع بها ، والصلاة أفضل تطوع بدني محض . وذكر جماعة أن النفقة فيه أفضل ، وجزم به آخرون ، بأن الرباط أفضل من الجهاد ، وقال الشيخ تقي الدين : استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من جهاد لم تذهب فيه نفسه وماله . ونقل مهنا : طلب العلم أفضل [ ص: 2 ] الأعمال لمن صحت نيته . قيل : فأي شيء تصحيح النية ؛ قال : ينوي : يتواضع فيه ، وينفي عنه الجهل . وقيل : بل الصوم ; لقوله عليه السلام لأبي أمامة : " عليك بالصوم فإنه لا مثل له " . رواه النسائي وفيه لين ، وقيل : ما تعدى نفعه ; كعيادة مريض ، واتباع جنازة . وظاهر كلام ابن الجوزي أن الطواف أفضل من الصلاة فيه ، وقاله الشيخ تقي الدين ، وذكره عن الجمهور . وقيل : الحج أفضل ; لأنه جهاد ; فإن فيه مشهدا ليس في الإسلام مثله ; وهو يوم عرفة ، وإن مات به فقد خرج من ذنوبه ، ونقل عنه مهنا : أفضلية الذكر على الصلاة والصوم . قال في " الفروع " : فيتوجه أن عمل القلب أفضل من عمل الجوارح . وحاصله أن أفضلها جهاد ثم توابعه ، ثم علم : تعلمه وتعليمه ، ثم صلاة . ونص : أن طواف الغريب أفضل منها فيه ، والوقوف بعرفة أفضل منه في الصحيح ، ثم ما تعدى نفعه ، فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق ، وعتق أفضل من صدقة على أجنبي ، إلا زمن حاجة ، ثم حج ، ثم عتق ، ثم صوم . واختار الشيخ تقي الدين : أن الذكر بقلب أفضل من القراءة بلا قلب ; وهو معنى كلام ابن الجوزي : ( وآكدها صلاة الكسوف والاستسقاء ) لأنه يشرع لها الجماعة مطلقا ، أشبها الفرائض . وظاهره أن الكسوف آكد من صلاة الاستسقاء ; لأنه عليه السلام لم يتركها عند وجود سببها ، بخلاف الاستسقاء ; فإنه كان يستسقي تارة ، ويترك أخرى ، ويلحق بهما في الآكدية ما تسن له الجماعة كالتراويح . ذكره في " المذهب " ، و " المستوعب " ; وهو معنى ما في " الفروع " .

التالي السابق


الخدمات العلمية