صفحة جزء
وإذا استأذنت المرأة إلى المسجد ، كره منعها . وبيتها خير لها .


( وإذا استأذنت المرأة إلى المسجد كره منعها ) صرح به جماعة ; لقوله عليه السلام : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وبيوتهن خير لهن ، وليخرجن تفلات . رواه أحمد ، وأبو داود . وتخرج غير متطيبة لهذا الخبر ، وقال عليه السلام : إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن . متفق عليه ، وأمه كامرأته ، وظاهره : أن لها حضور صلاة الرجال جماعة للخبر ، وعنه : الفرض ، وكرهه القاضي ، وابن عقيل للشابة ، وذكره ابن هبيرة اتفاقا ، والمراد للمستحسنة خوف الفتنة بها ، قال بعض الحنفية : والفتوى اليوم على الكراهة في كل الصلوات لظهور الفساد ، واستحبه ابن هبيرة ، وقيل : يحرم في الجمعة ، قال في " الفروع " : [ ص: 58 ] ويتوجه في غيرها مثلها ، وإن مجالس الوعظ كذلك وأولى ، ( وبيتها خير لها ) أطلقه الأصحاب ; وهو مراد ، وجزم به المجد وغيره للأخبار الخاصة في النساء بالنسبة إلى مسجده عليه السلام ، وروى أحمد : حدثنا هارون : أخبرني عبد الله بن وهب : حدثنا داود بن قيس ، عن عبد الله بن سويد الأنصاري ، عن عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إني أحب الصلاة معك ، قال : قد علمت أنك تحبين الصلاة معي ، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي ، قالت : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيتها ، وأتته فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل وهو حديث حسن إن شاء الله تعالى ، وأطلق في " عيون المسائل " ، و " المستوعب " ، و " الرعاية " أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف ، وبالمدينة بخمسين ألفا ، وبالأقصى نصفه ; لخبر أنس . فيكون المراد غير صلاة المرأة في بيتها فلا تعارض ، وكذا مضاعفة النفل على غيرها ، لكن كلام الأصحاب أن النافلة بالبيت أفضل للأخبار ، ومسجد المدينة مراد ; لأنه السبب ، وهذا أظهر ، ويحتمل أن مرادهم التفضيل المذكور بالنسبة إلى سائر المساجد ، أو إلى غير البيوت ، فلم تدخل البيوت فلا تعارض .

مسائل : الجن مكلفون في الجملة ; يدخل كافرهم النار ، ومؤمنهم الجنة ، لا أنه [ ص: 59 ] تصير ترابا كالبهائم ، وثوابه النجاة من النار ، وهم في الجنة كغيرهم بقدر ثوابهم خلافا لمن قال : لا يأكلون ، ولا يشربون فيها ، أو أنهم في ربض الجنة ، ولم يبعث إليهم نبي قبل نبينا ، وليس منهم رسول . ذكره القاضي وغيره ، وقيل : بلى ; وهو قول الضحاك ، وقال ابن حامد : هم كالإنس في التكليف ، والعبادات ، وتنعقد الجمعة والجماعة بالملائكة ، وبمسلمي الجن ; وهو موجود زمن النبوة ، والمراد في الجمعة من لزمته كما هو ظاهر كلام ابن حامد ، فإن المذهب لا ينعقد بآدمي لا تلزمه ، كمسافر وصبي . فهنا أولى ، وذكر الشيخ تقي الدين أنهم كالإنس في الحد والحقيقة ، فلا يكون تكليفهم مساويا لما على الإنس ، لكن يشاركونهم في جنس التكليف بالأمر والنهي ، والتحليل والتحريم بلا نزاع ; فقد يدل على مناكحتهم ، وغيرها ، ويقتضيه إطلاق الأصحاب ، وفي " المغني " : لا تصح الوصية لجني ; لأنه لا يملك بالتمليك كالهبة ، قال في " الفروع " : فيتوجه من انتفاء التمليك منا منع الوطء ; لأنه في مقابلة مال ، وإذا صح نكاح جنية فهي في الحقوق كآدمية ، لظاهر الشرع إلا ما خصه الدليل ، وأنه لا بد من شروط صحة ذلك ، ويقبل قولهم : إن ما بيدهم ملكهم مع إسلامهم ، وكافرهم كالحربي ، ويجري التوارث الشرعي ، وأنه يعتبر لصحة صلاتهم ما يعتبر لصحة صلاة الآدمي ، وظاهر ما سبق أنهم في الزكاة والصوم والحج كذلك ، ويحرم عليهم ظلم الإنس ، وظلم بعضهم بعضا ، ويسقط فرض غسل ميت بغسلهم . قال في " الفروع " : ويتوجه مثله كل فرض كفاية إلا الأذان ، وكذا تحل ذبيحته لوجود المقتضي ، وعدم المانع ، ولعدم اعتبار التكليف فيه ، وقال ابن مسعود : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال : ذاك رجل بال الشيطان في [ ص: 60 ] أذنه متفق عليه . خص الأذن لأنها حاسة الانتباه . قيل : ظهر عليه ، وسخر منه ، ويتوجه أنه على ظاهره كقيئه ، فيكون بوله وقيئه طاهرا ; وهو غريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية