صفحة جزء
فصل في الإمامة ، السنة أن يؤم القوم أقرؤهم . ثم أفقههم ، ثم أسنهم ، ثم أقدمهم هجرة ، ثم أشرفهم . ثم الأتقى ، ثم من تقع له القرعة ، وصاحب البيت ، وإمام المسجد أحق بالإمامة إلا أن يكون بعضهم ذا سلطان . والحر أولى من العبد ، والحاضر أولى من المسافر . والبصير أولى من الأعمى في أحد الوجهين


فصل في الإمامة ( السنة أن يؤم القوم أقرؤهم ) هذا ظاهر " المذهب " ، وجزم به معظم الأصحاب لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم . رواه أحمد ، ومسلم ، وعن أبي مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ، وفي لفظ لمسلم : ولا يؤمن الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه . رواه مسلم ، قال الطبري : لما استخلف عليه السلام أبا بكر بعد قوله : يؤم القوم أقرؤهم ، صح أن أبا بكرا أقرؤهم وأعلمهم ; لأنهم لم يكونوا يتعلمون شيئا من القرآن حتى يتعلموا معانيه ، وما يراد به ، كما قال ابن مسعود : كان الرجل منا إذا علم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعلم معانيهن ، والعمل بهن . لكن أجاب أحمد عن حديث أبي بكر في تقديمه مع تقدم قوله : أقرؤكم أبي أراد به الخلافة ، ومراده بالأقرأ أجوده كما جزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " ; لقوله عليه السلام : من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ، ومن قرأ ولحن فيه فله بكل حرف حسنة رواه الترمذي ، وقال : حسن صحيح ، ولأنه أعظم في الأجر ، وقيل : يقدم [ ص: 61 ] الأكثر قرآنا ; لقوله عليه السلام ليؤمكم أكثركم قرآنا ، وعليهما إذا عرف واجب الصلاة ، وما يحتاجه فيها ، وقيل : وسجود السهو ، وقيل : وجاهل يأتي بها عادة ، والمنصوص خلافه ، وعنه : يقدم الأفقه عليه ، اختاره ابن عقيل إذا كان يقرأ ما يكفي في الصلاة ; لأنه قد ينوبه في الصلاة ما لا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه فقدم كالإمامة الكبرى والحكم ، ( ثم أفقههم ) للخبر السابق ، فإن اجتمع فقيهان قارئان ، وأحدهما أفقه أو أقرأ قدم ، فإن كانا قارئين قدم أجودهما قراءة ، وأكثرهما ، ويقدم قارئ لا يعرف أحكام صلاته على فقيه أمي ، فإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة قدم ; لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة ( ثم أسنهم ) اختاره الخرقي ، وذكر السامري ، وصححه في " المذهب " ، وفي " الرعاية " أنه أشهر ، وجزم به في " الوجيز " ; لقوله عليه السلام لمالك بن الحويرث : إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم متفق عليه ، ولأنه أقرب إلى الخشوع وإجابة الدعاء ( ثم أقدمهم هجرة ) للخبر ، ومعناه أن يكون أحدهما أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وقيل : بآبائه ، وقيل : بكل منهما ; لأنه قربة وطاعة فقدم به ، وسبق الإسلام كالهجرة ، قاله في " الشرح " ، و " الفروع " ( ثم أشرفهم ) لقوله عليه السلام الأئمة من قريش ، وقال : قدموا قريشا ، ولا تقدموها ، والنسب يكون بعلو النسب ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " فعليه تقدم بنو هاشم ثم قريش ، وظاهر كلام أحمد : يقدم الأقدم هجرة ثم الأسن ثم الأشرف ، وقدمه في " المحرر " ، وقال الخرقي : يقدم الأسن ثم الأشرف ثم الأقدم هجرة ، وقدمه في " الفروع " ، وقال ابن حامد : الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن [ ص: 62 ] عكس ما في المتن ( ثم الأتقى ) وجزم به في " الوجيز " ; لأنه أقرب إلى الإجابة ، وقد ورد : إذا أم الرجل القوم ، وفيهم من هو خير منه ، لم يزالوا في سفال . ذكره الإمام أحمد في رسالته ، وقال جماعة : ثم الأتقى ، والأورع ، وقيل : يقدمان على الأشرف ، وذكره في " الشرح " احتمالا ; لقوله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [ الحجرات : 13 ] ولأن شرف الدين خير من شرف الدنيا ( ثم من تقع له القرعة ) ذكره في " المذهب " ، و " التلخيص " ، وجزم به في " الوجيز " ; وهو رواية ; لأن سعد بن أبي وقاص أقرع بين الناس في الأذان يوم القادسية فالإمامة أولى ، ولأنهم تساووا في الاستحقاق ، وتعذر الجمع فأقرع بينهم كسائر الحقوق ، ثم اختيار الجماعة في رواية ، وقيل : يقدم بعمارة المسجد ، وجزم به في " الفصول " ، فإن اختلفت الجماعة عمل بالأكثر ، فإن استووا قيل : يقرع ، وقيل : يختار السلطان الأولى ، وقيل : يقدم بحسن الخلق ، وفاقا لأبي حنيفة ، ومالك ، وقيل : والخلقة وفاقا لمالك ، وزاد : بحسن اللباس ، وهذا كله على سبيل الاستحباب بغير خلاف علمناه . ( وصاحب البيت ) بشرطه ( وإمام المسجد أحق بالإمامة ) من الكل بغير خلاف نعلمه ، لما روي أن ابن عمر أتى أرضا له عندها مسجد يصلي فيه مولى له ، فصلى ابن عمر معهم ، فسألوه أن يؤمهم فأبى ، وقال : صاحب المسجد أحق ، ولأن في تقديم غيره افتئاتا ، وكسرا لقلبه ، وقال ابن عقيل : إنما يكون أولى مع التساوي ، والأول أولى ، ويستحب تقديمهما للأفضل منهما ، ويستثنى من الأولى أن السيد يقدم على عبده في بيت العبد لفعل الصحابة ، رواه صالح ، ولعموم ولايته ( إلا أن يكون بعضهم ذا سلطان ) فهو أولى في المنصوص ; لأنه [ ص: 63 ] عليه السلام أم عتبان بن مالك ، وأنسا في بيوتهما ، ولأن له ولاية عامة ، وكذا الوالي من قبله زاد في " الكافي " : ونائبهما ، واقتضى ذلك أن السلطان مقدم على خليفته ، وذكر أبو الخطاب وجها أنهما يقدمان عليه لعموم قوله عليه السلام من زار قوما فلا يؤمهم ، ولأن ولاية صاحب البيت والمسجد خاصة ، وإمامة السلطان عامة ، ولذلك لا يتصرف السلطان إلا بالغبطة كالوكيل ، بخلاف المالك فافترقا ، وقال ابن حامد : صاحب البيت وحده أحق بها ; وهو أولى . فرع : معير ومستأجر أولى في الأصح من مستعير ، ومؤجر ، وفي " الوجيز " : وساكن البيت أحق ، ومقتضاه أن المستعير مقدم على المالك ، وفيه نظر على المذهب ( والحر أولى من العبد ) ذكره الأصحاب ; لأنه أكمل في أحكامه ، وأشرف ، ويصلح إماما في الجمعة والعيد ، ولو تبعض ، وعنه : العبد أولى إن كان أفضل أو أدين لما ذكرناه ، واقتضى ذلك صحة إمامته في قول الجمهور ; لأن عائشة كان يؤمها غلام لها ، وفيه شيء ، ولعموم يؤم القوم أقرؤهم وصلى ابن مسعود ، وحذيفة ، وأبو ذر وراء أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد ، رواه صالح في مسائله ، ولأنه من أهل الأذان فصح أن يكون إماما كالحر ، فعلى هذا لا يكره ، جزم به غير واحد ( والحاضر أولى من المسافر ) ذكره معظم الأصحاب ; لأنه إذا أم حصل جميع الصلاة في جماعة بخلافه ، وقال القاضي : إن كان إماما فهو أحق ، جزم به ابن تميم ; لأنه عليه السلام كان يصلي بهم عام الفتح ، ويقول لأهل البلد : صلوا أربعا فإنا سفر رواه أبو داود ، فعلى هذا يتمها المقيم بعد السلام كمسبوق ، فإن أتم المسافر فروايتا متنفل بمفترض ، وقال ابن عقيل : [ ص: 64 ] ليس بجيد ; لأنه الأصل فليس بمتنفل ، وصحح في " الشرح " الصحة ; لأن المسافر إذا نوى الإتمام لزمه ، فيصير المجموع فرضا ، فعلى هذا لا تكره إمامته بمسافر كعكسه ، وفي " الفصول " إن نوى المسافر القصر احتمل أن لا يجزئه ; لأن الائتمام لزمه حكما ( والبصير أولى من الأعمى في أحد الوجهين ) ذكره غير واحد ، وجزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " ; لأنه أقدر على توقي النجاسات واستقبال القبلة باجتهاده ، والثاني : يقدم الأعمى ; وهو رواية ; لأنه أخشع لكونه لا يشتغل في الصلاة بما يلهيه ، وعنه : هما سواء ، وقاله القاضي ; لأن الخشوع مع توقي النجاسة يتقابلان فيتساويان ، قال المؤلف : والأول أولى ; لأن البصير لو غمض عينيه كره له ذلك ، ولو كان فضيلة لكان مستحبا ; لأنه يحصل بتغميضه ما يحصله الأعمى ، فإن كان الأعمى أصم ففي صحة إمامته وجهان ، وظاهره أنها تكره إمامته ; لأنه عليه السلام استخلف ابن أم مكتوم على المدينة يصلي بهم رواه أحمد ، وغيره من حديث أنس .

تنبيه : لم يتعرض المؤلف لإمامة البدوي ، والأصح أنها لا تكره إمامته ، ويقدم الحضري ، وتكره إمامة من يصرع ، نص عليه ، قال جماعة : ومن تضحك صورته أو رؤيته ، وقيل : والأمرد ، وفي " المذهب " وغيره ، وإمامة من اختلف في صحة إمامته ، قال في " الفروع " : فيؤخذ منه : تكره إمامة الموسوس ; وهو متجه لئلا يقتدي به عامي ، وظاهر كلامهم : لا ، قال في " المذهب " : والمتوضئ أولى من المتيمم .

التالي السابق


الخدمات العلمية