صفحة جزء
وهل تصح إمامة الفاسق والأقلف ؛ على روايتين . وفي إمامة أقطع اليدين وجهان


( وهل تصح إمامة الفاسق والأقلف ، على روايتين ) إحداهما : لا تصح إمامة [ ص: 65 ] الفاسق مطلقا ، قاله أكثر الأصحاب ، وقدمه السامري وصاحب " الفروع " ، وذكر ابن هبيرة أنها الأشهر ، قال ابن الزاغوني : وهي اختيار المشايخ ; لقوله تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون [ السجدة : 18 ] ولما روى ابن ماجه عن جابر مرفوعا لا يؤمن امرأة رجلا ، ولا أعرابي مهاجرا ، ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره سلطان يخاف سوطه وسيفه وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اجعلوا أئمتكم خياركم ، فإنهم وفدكم بينكم وبين ربكم قال البيهقي : إسناده ضعيف ، ولأنه لا يقبل إخباره لمعنى في دينه ، أشبه الكافر ، ولا يؤمن على شرائط الصلاة ، ولا فرق بين أن يكون فسقه من جهة الاعتقاد أو من جهة الأفعال ، فمتى كان يعلن ببدعته ، ويتكلم بها ، ويناظر عليها لم يصح . قال أحمد : لا يصلى خلف أحد من أهل الأهواء إذا كان داعية ، أي : يظهرها ، ويدعو إليها ، وعليه حمل المؤلف كلام الخرقي ، ومن صلى خلف من يعلن ببدعته أو بسكر أعاد ، فيكون موافقا لما اختاره الشيخان من أن البطلان مختص بظاهر الفسق دون خفيه ، قال في " الوجيز " : لا يصح خلف الفاسق المشهور فسقه ، لكن ظاهر كلامه ; - وهو المذهب - مطلقا . فعلى هذا تصح خلف عدل استنابه ، ولا إعادة في المنصوص ، وقيل : إن كان المستنيب وحده عدلا فوجهان ، صححه أحمد وخالف القاضي وغيره ، وظاهر كلامهم : لا يؤم فاسق فاسقا ، وقاله القاضي وغيره ، بخلاف الأمي ; لأنه لا يمكنه رفع ما عليه من النقص ، والفسق يزول بالتوبة ، ويعيد في المنصوص إذا علم فسقه [ ص: 66 ] ودخل في كلامه الجمعة ، والمذهب أنها تصلى خلفه لأنها تختص بإمام واحد ، فالمنع منها خلفه يؤدي إلى تفويتها دون سائر الصلوات ، نعم لو أقيمت في موضعين في أحدهما عدل فعلها وراءه ، ونقل ابن الحكم : أنه كان يصلي الجمعة ثم يصلي الظهر أربعا ، وذكر غير واحد الإعادة ظاهر المذهب كغيرها ، وصححه ابن عقيل : وعنه : لا إعادة ، قال في " الرعاية " : هي الأشهر لأنها صلاة مأمور بها كغيرها ، وكذا إن خاف فتنة أو أذى صلى خلفه وأعاد ، نص عليه ، فإن نوى الانفراد ووافقه في أفعالها ، لم يعد على الأصح ، وألحق المؤلف وصاحب " التلخيص " العيد بالجمعة ، والثانية : تصح مع الكراهة ، ذكر الشريف أنها قول أكثرهم ، روى ابن مسعود ، وواثلة ، وأبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا بأسانيد ضعيفة رواها الدارقطني ، وعن مكحول عن أبي هريرة : الصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا . رواه أبو داود ، والدارقطني ، وقال : مكحول لم يلق أبا هريرة ، ومن دونه ثقات ، وضعف في " التحقيق " إسناده ، وعن عمر مرفوعا : صلوا على من قال : لا إله إلا الله ، وصلوا خلف من قال : لا إله إلا الله رواه الخلال ، والدارقطني بإسناد ضعيف ، وكما تصح مع فسق المأموم ، وعنه : في نفل جزم به جماعة ، وذكره بعضهم رواية واحدة ، وأما إمامة الأقلف فعنه تصح مع الكراهة ، ذكره في " المحرر " ، وقدمه ابن تميم ، وصاحب " الفروع " ، وجزم في " الوجيز " ; لأنه إن أمكنه غسل النجاسة غسلها ، وإلا عفي عن إزالتها لعدم الإمكان ، والثانية : لا تصح ; لأنه حامل [ ص: 67 ] نجاسة ظاهرة يمكنه إزالتها ، وهل ذلك لترك الختان الواجب أو لعجزه عن غسل النجاسة ، فيه وجهان ، وقيل : إن كثرت إمامته لم تصح ، وعلى المنع تصح إمامته بمثله ، قاله جماعة ، زاد ابن تميم : إن لم يجب الختان ، وقيل : يصح في التراويح إذا لم يكن قارئ غيره . فروع : الأول : تصح خلف من خالف في فرع ، نص عليه ، لفعل الصحابة والتابعين ، مع شدة الخلاف ، ما لم يعلم أنهم تركوا ركنا أو شرطا ، وذكر ابن أبي موسى في الصلاة خلف شارب نبيذ معتقدا حله روايتين ، وذكر أنه لا يصلى خلف من يقول : الماء من الماء أو يجيز ربا الفضل .

الثاني : إذا ترك ركنا أو شرطا عند المأموم ، فعنه يعيد المأموم ، اختاره جمع ، وقدمه في " المستوعب " ، و " المحرر " لاعتقاده فساد صلاة إمامه ، كما لو اعتقد مجمعا عليه فبان خلافه ، وعنه : لا يعيد ، اختاره تقي الدين كالإمام ، وكعلم المأموم لما سلم في الأصح . الثالث : إذا ترك الإمام عمدا ما يعتقده وحده واجبا بطلت صلاتهما ، وقال السامري : تفسد صلاة المأموم إن علم في الصلاة بحال الإمام . الرابع : إذا ترك ركنا أو شرطا أو واجبا مختلفا فيه بلا تأويل ولا تقليد أعاد ، ذكره الآجري إجماعا لتركه فرضه ، ولهذا أمر عليه السلام الذي ترك الطمأنينة بالإعادة ، وعنه : لا ، لخفاء الطرق ، وعنه : إن طال .

[ ص: 68 ] الخامس : إذا فعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة من المختلف فيه ، فإن داوم على ذلك فسق ، وإن لم يداوم ، فذكر المؤلف أنه لا بأس بالصلاة خلفه ; لأنه من الصغائر ، وذكر السامري أنه يفسق ، قال ابن عقيل : لو شرب النبيذ عامي بلا تقليد لعالم فسق ; وهو معنى كلام القاضي بناء على ما صرح به جماعة أنه لا يجوز أن يقدم على فعل لا يعلم جوازه ، ويفسق إن كان مما يفسق به . ( وفي إمامة أقطع اليدين ) أو أحدهما ( وجهان ) وقيل : روايتان ، حكاهما الآمدي ، إحداهما : يصح ، اختاره القاضي ، وجزم به في " الوجيز " ; لأنه لا يخل بركن في الصلاة كقطع الأنف ، والثاني : لا ، اختاره أبو بكر لإخلاله بالسجود على عضو ، وقيل : إن كثرت إمامته ، وحكم أقطع الرجلين أو أحدهما كذلك ، واختار في " المغني " ، و " الشرح " أنها لا تصح إمامته بمثله ، ذكره في " الكافي " ، وجزم ابن عقيل بأنها تكره إمامة من قطع أنفه

ولا تصح الصلاة خلف كافر . ولا أخرس ، ولا من به سلس البول ، ولا عاجز عن الركوع والسجود والقعود .

ولا تصلح خلف عاجز عن القيام ، إلا إمام الحي المرجو زوال علته ، ويصلون وراءه جلوسا . فإن صلوا قياما صحت صلاتهم في أحد الوجهين ، وإن ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياما .

( ولا تصح الصلاة خلف كافر ) وفاقا ; لأنها تفتقر إلى النية والوضوء ، وهما لا يصحان منه ، ولأنه ائتم بمن ليس هو من أهل الصلاة ، أشبه ما لو ائتم بمجنون ، وسواء علم بكفره في الصلاة أو بعد الفراغ منها ; لأن الكفر لا يخفى غالبا ، فالجاهل به مفرط ، وقيل : يصح إن كان يسره ، وعلى هذا لا إعادة على من صلى خلفه وهو لا يعلم ، كما لو ائتم بمحدث وهو لا يعلم .

وجوابه : بأن المحدث يشترط أن لا يعلم حدث نفسه ، والكافر يعلم حال نفسه .

[ ص: 69 ] تنبيه : إذا علمه مسلما فصلى خلفه فقال بعد الصلاة : هو كافر لم تبطل لأنها كانت محكوما بصحتها ; وهو ممن لا يقبل قوله ، وإن قال بعد سلامه هو كافر تهزؤا ، فنصه : يعيد المأموم ، كمن ظن كفره أو خلافه ، وقيل : لا ، كمن جهل حاله ; لأن الظاهر من المصلين الإسلام ، سيما إذا كان إماما ، وإن علم له حالان أو إفاقة وجنون لم يدر في أيهما ائتم ، وأم فيهما ، ففي الإعادة أوجه ، ثالثها : إن علم قبل الصلاة إسلامه ، وشك في ردته لم يعد ، وإلا أعاد ، ذكره في " الشرح " ( ولا أخرس ) لأنه أخل بفرض الصلاة ، كالمضطجع يؤم القائم ، وظاهره أنها لا تصح ولو بمثله ، نص عليه ، وقاله أكثر الأصحاب ; لأنه مأيوس من نطقه ، وفي " الأحكام السلطانية " ، و " الكافي " أنها تصح ، قال في " الشرح " : هو قياس المذهب قياسا على الأمي ، والعاجز عن القيام يؤم مثله ( ولا من به سلس البول ) لأن في صلاته خللا غير مجبور ببدل ; لكونه يصلي مع خروج النجاسة التي يحصل بها الحدث من غير طهارة ، أشبه ما لو ائتم بمحدث يعلم بحدثه ، وإنما صحت صلاته في نفسه للضرورة ، ولو عبر بمن حدثه مستمر كـ " الوجيز " ، و " الفروع " لكان أولى ، وتصح إمامته بمثله ، ذكره في " الشرح " ، وفي " الوجيز " ، وفي " الفروع " ، وجهان .

مسألة : لا يصح ائتمام المتطهر بعادم الطهورين ، ولا القادر على الاستقبال بالعاجز عنه ; لأنه تارك لشرط يقدر عليه المأموم ، أشبه ائتمام المعافى بمن حدثه مستمر ( ولا عاجز عن الركوع ، والسجود ، والقعود ) أي : لا تصح إمامة عاجز عن ركن أو شرط بالقادر عليه ، ذكره في " المحرر " ، و " الفروع " ; لأنه أخل [ ص: 70 ] بركن لا يسقط في النافلة ، فلم يجز كالقارئ بالأمي ، وقيل : يجوز ، واختاره الشيخ تقي الدين ، كالقاعد يؤم القائم ، وعلى الأول : ولا فرق فيه بين إمام الحي وغيره ، وقاس أبو الخطاب المنع على صلاة الجنازة والمربوط ، وأما القيام فهو أخف بدليل سقوطه في النافلة ، قال في " الشرح " : أمر النبي صلى الله عليه وسلم المصلين خلف الجالس بالجلوس ، ولا خلاف أن المصلي خلف المضطجع لا يضطجع ، وتصح إمامتهم بمثلهم ، جزم به في " الفروع " ، وفي " الشرح " أنه قياس المذهب ; لأنه عليه السلام صلى بأصحابه في المطر بالإيماء .

( ولا تصح خلف عاجز عن القيام ) لأنه عجز عن ركن من أركان الصلاة فلم يصح الاقتداء به ، كالعاجز عن القراءة ( إلا إمام الحي ) وهو الإمام الراتب في المسجد لما في المتفق عليه من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيته وهو شاك ، فصلى جالسا ، وصلى وراءه قوم قياما ، فأشار إليهم أن اجلسوا ، فلما انصرف قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به إلى قوله : وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون قال ابن عبد البر : روي هذا مرفوعا من طرق متواترة ، ولأن إمام الحي يحتاج إلى تقديمه بخلاف غيره ، والقيام أخف بدليل سقوطه في النفل ( المرجو زوال علته ) لئلا يفضي إلى ترك القيام على الدوام أو مخالفة الخبر ، ولا حاجة إليه ، والأصل فيه فعله عليه السلام ، وكان يرجى برؤه ، وعنه : يصح من غير إمام الحي ، وإن لم يرج زواله ( ويصلون وراءه جلوسا ) لما تقدم ، قال في الخلاف : هذا استحسان ، والقياس لا تصح ; لأنه عليه السلام صلى في مرض موته قاعدا ، وصلى أبو بكر ، والناس خلفه قياما متفق [ ص: 71 ] عليه من حديث عائشة ، وأجاب أحمد عنه بأنه لا حجة فيه ; لأن أبا بكر ابتدأ بهم قائما فيتمها كذلك ، والجمع أولى من النسخ ، ثم يحتمل أن أبا بكر كان هو الإمام ، قال ابن المنذر : وقد روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرضه خلف أبي بكر في ثوب متوشحا ورواه أنس أيضا ، وصححهما الترمذي ، قال : ولا نعرف أنه عليه السلام صلى خلف أبي بكر إلا في هذا الحديث ، قال مالك : العمل عليه عندنا ، لا يقال : لو كان هو الإمام لكان عن يسار النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي الصحيح : أنه كان عن يسار أبي بكر ; لأنه يحتمل أنه فعل ذلك ; لأن خلفه صف ، وفعل مثل قولنا أسيد بن حضير ، وجابر ، وقيس بن فهر ، وأبو هريرة ، لكن المستحب له أن يستخلف ; لأن الناس مختلفون في صحة إمامته ، مع أن صلاة القائم أكمل ، وكمالها مطلوب ( فإن صلوا قياما صحت صلاتهم في أحد الوجهين ) هذا هو المشهور ، وصححه في " التلخيص " ، و " الفروع " ، وقدمه في " المحرر " ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى وراءه القوم قياما لم يأمرهم بالإعادة ، ولأن القيام هو الأصل ، وقد أتوا به ، والثاني : لا يصح ، أومأ إليه أحمد للنهي عنه ، وقيل : لا تصح صلاة مع علم وجوب الجلوس دون جهله ، كالراكع دون الصف .

فرع : إذا قدر المقتدي والمريض على الإتيان بجميع الأركان فلا بأس بإمامتهما ( وإن ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم اعتل ) أي : حصل له علة ( فجلس أتموا خلفه قياما ) لقصة أبي بكر ، ولأن القيام هو الأصل ، فإذا بدأ به في الصلاة لزمه إذا قدر عليه ، كمن أحرم في الحضر ثم سافر ، قاله في " الشرح " [ ص: 72 ] وظاهره أنه لا يجوز الجلوس ، نص عليه ، وذكر الحلواني : ولم يكن إمام الحي

التالي السابق


الخدمات العلمية