صفحة جزء
فصل في الموقف ، السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام . فإن وقفوا قدامه لم يصح ، وإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح . وإن كان واحدا وقف عن يمينه ، وإن وقف خلفه أو عن يساره لم يصح ، وإن أم امرأة وقفت خلفه .

وإن اجتمع أنواع ، تقدم الرجال ، ثم الصبيان ، ثم الخناثى . ثم النساء ، وكذلك يفعل في تقديمهم إلى الأمام إذا اجتمعت جنائزهم ، ومن لم يقف معه إلا كافر أو امرأة أو محدث يعلم حدثه فهو فذ .

وكذلك الصبي إلا في النافلة ، ومن جاء فوجد فرجة وقف فيها ، فإن لم يجد وقف عن يمين الإمام ، فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه ، فإن صلى ركعة فذا لم يصح .


فصل

في الموقف

( السنة أن يقف المأمومون ) رجالا كانوا أو نساء ( خلف الإمام ) لفعله عليه السلام ، كان إذا قام إلى الصلاة قام أصحابه خلفه ، وقد روي أن جابرا وجبارا وقف أحدهما عن يمينه ، والآخر عن يساره فأخذ بأيديهما حتى أقامهما خلفه رواه مسلم ، وأبو داود ، ولا ينقلهما إلا إلى الأكمل ، وعن سمرة قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا رواه الترمذي بإسناد ضعيف ، وقال : غريب ، والعمل عليه عند أهل العلم ، وكان أبو مسعود يرى أن يقف الاثنان عن جانبي الإمام ; لأنه صلى بين علقمة والأسود ، وقال : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل . رواه أحمد ، وفيه هارون بن عنترة ، وقد وثقه جماعة ، وقال ابن حبان : لا يحتج به ، وقال ابن عبد البر : لا يصح رفعه ، والصحيح : أنه من قول ابن مسعود .

[ ص: 82 ] وأجيب بأنه منسوخ أو محمول على الجواز ، وأجاب ابن سيرين بأن المسجد كان ضيقا . رواه البيهقي ، ويستثنى منه أن إمام العراة يقف وسطا وجوبا ، والمرأة إذا صلت بالنساء ، ( فإن وقفوا قدامه لم يصح ) في قول أكثر العلماء ; لقوله عليه السلام إنما جعل الإمام ليؤتم به ، والمخالفة في الأفعال مبطلة ، لكونه يحتاج في الاقتداء إلى الالتفات خلفه ، ولأنه لم ينقل عنه عليه السلام ولا هو في معنى المنقول فلم يصح ، كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام ; وهو عام في كل الصلوات ، ولو بإحرام فأكثر ; لأنه ليس موقفا بحال ، والاعتبار بمؤخر القدم ، وإلا لم يضر كطول المأموم ; لأنه يتقدم برأسه في السجود ، قال في " الفروع " : ويتوجه العرف ، فإن صلى قاعدا فالاعتبار بمحل القعود ; وهو الألية حتى لو مد رجليه وقدمها على الأمام لم يضر ، وإن كان مضطجعا فبالجنب . وذكر الشيخ تقي الدين وجها : يكره ، ويصح ، والمراد : وأمكن الاقتداء ; وهو متجه ، أشبه من خلفه . وقيل : تصح جمعة ، وعيد ، وجنازة لعذر ، واختاره الشيخ تقي الدين ، وقال : من تأخر بلا عذر ، فلما أذن جاء فصلى قدامه ؛ عزر ، فعلى الأول لا تصح صلاتهم ، قال ابن تميم : وفي صلاة الإمام وجهان ، هذا إن لم يكن خلفه صف ، لكن يستثنى منه المرأة أمت رجالا في تراويح ، وداخل الكعبة إذا تقابلا ، أو جعل ظهره إلى ظهر إمامه ; لأنه لا يعتقد خطأه ، فإن جعل ظهره إلى وجهه ; لأنه مقدم عليه . فإن وقفوا حول الكعبة مستديرين صحت ، فإن كان المأموم أقرب من جهته من الإمام في جهته جاز ، فإن كانا في جهة واحدة بطلت ، وقدم في " الرعاية " لا يضر ، وفي شدة الخوف إذا أمكن المتابعة ( وإن وقفوا عن يمينه أو عن جانبيه صح ) [ ص: 83 ] لما تقدم ، وقيل : إن وقف بينهما ففي الكراهة احتمالان ( وإن كان واحدا وقف عن يمينه ) لإدارة النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس وجابرا إلى يمينه لما وقفا عن يساره رواه مسلم ، ويندب تخلفه قليلا خوفا من التقدم ، ومراعاة للمرتبة . فإن عدم صحة مصافته لم يصح ، والمراد لمن لم يحضر معه أحد ، فيجيء الوجه : تصح منفردا ، وكصلاتهم قدامه ، ففي صحة صلاته وجهان ( وإن وقف خلفه ) لأنه صار فذا ( أو عن يساره لم يصح ) كذا ذكره جماعة ، والمراد : إذا صلى ركعة فأكثر ، نص عليه ، مع خلو يمينه ، وعنه : يصح ، اختاره أبو محمد التميمي ، والمؤلف ، قال في " الفروع " : وهي أظهر ، وفي " الشرح " هي القياس كما لو كان عن يمينه ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم رد ابن عباس ، وجابرا لا يدل على عدم الصحة بدليل رد جابر وجبار إلى ورائه مع صحة صلاتهما عن جانبيه ، وقيل : يصح إن كان خلفه صف ; لأنه عليه السلام صلى وأبو بكر عن يمينه ، وكان أبو بكر هو الإمام ، وفيه شيء ، وحكم الجماعة كالواحد .

تنبيه : إذا كبر عن يساره أداره من ورائه إلى يمينه ، فإن كبر الآخر عن يساره أخذهما بيده إلى ورائه ، فإن شق ذلك ، أو تعذر ، تقدم الإمام فصلى بينهما أو عن يسارهما ، ولو تأخر الأيمن قبل إحرام الداخل ليصليا خلفه جاز ، وفي النهاية و " الرعاية " بل أولى ; لأنه لغرض صحيح ، ولو أدركهما الداخل جالسين كبر وجلس عن يمين صاحبه أو يسار الإمام ، ولا تأخر إذن للمشقة ، وظاهره : أن الزمنى لا يتقدمون ولا يتأخرون للعلة .

( وإن أم امرأة وقفت خلفه ) لقوله عليه السلام : أخروهن من حيث [ ص: 84 ] أخرهن الله وسواء أكان معه رجل أو رجال ، ولا يصح وقوف امرأة فذا ، فإن وقفت وحدها فهي فذ ، وصححه في " الكافي " ، وإن وقفت مع رجل فكذا في قول جماعة ، ونقله المجد عن أكثر الأصحاب ، وعنه : لا ، اختاره القاضي وأبو الوفاء ، فإن كان في صف الرجال كره ، ولم تبطل صلاة من يليها وخلفها ، ذكره ابن حامد ، واختاره جماعة ، كما لو وقفت في غير صلاة ، وذكر ابن عقيل فيمن يليها رواية : تبطل ، وفي " الفصول " أنه الأشبه ، وأن أحمد توقف ، وذكر الشيخ تقي الدين أنه المنصوص ، وقيل : ومن خلفها ، وقيل : وأمامها ، ولا تبطل صلاتها ، وذهب الشريف ، وأبو الوفاء إلى خلافه للنهي عن وقوفها ، والوقوف معها ، فهما سواء ، فإن وقفت عن يمينه فظاهره يصح ، وعن يساره إن لم تبطل صلاتها ، ولا من يليها ، فكرجل في ظاهر كلامهم ، وفي " التعليق " إذا كان الإمام رجلا وهو عريان ، فإنها تقف عن يمينه .

( وإن اجتمع أنواع تقدم الرجال ) أحرارا كانوا أو عبيدا ; لقوله عليه السلام ليلني منكم أولو الأحلام والنهى رواه مسلم ، ويقدم الأفضل فالأفضل ( ثم الصبيان ) لأنه عليه السلام صلى فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان رواه أبو داود ، وزاد : والنساء خلف الغلمان وفيه لين وضعف ، وفي " المذهب " : رواية تأخيرهم عن الكل ( ثم الخناثى ) لأنه [ ص: 85 ] يحتمل أن يكونوا رجالا ، وفيه إشارة إلى صحة وقوف الخناثى صفا ، قال بعض أصحابنا : هو مبني على أن وقوف المرأة إلى جانب الرجل لا يبطل الصلاة ، وعلى أن الرجل الواحد إذا وقف مع امرأة لا يكون فذا ، وإلا لم يصح صفهم ، وإن أم رجل خنثى صح في الأصح ، فيقف عن يمينه ، صححه في " الشرح " ، وقيل : خلفه ، وإن أم رجلا وخنثى وقف الرجل عن يمينه ، والخنثى خلفهما ، وفي " الشرح " يقف عن يسار الإمام أو يمين الرجل ، ولا يقفان خلفه ، لجواز أن يكون امرأة إلا عند من أجاز للرجل مصافتها ، فإن أم امرأة وخنثى فقال ابن تميم : يقفان خلفه متباعدين ( ثم النساء ) فلو انفردت عن صف النساء أو حصلت بامرأة مثلها فوقفت خلفها لم يصح ، وفي " الكافي " عكسه ، لأنها يجوز وقوفها منفردة بدليل حديث أنس ( وكذلك يفعل في تقديمهم إلى الأمام ) وإلى القبلة في قبر لضرورة ( إذا اجتمعت جنائزهم ) وسيأتي ( ومن لم يقف معه إلا كافر ) اتفاقا ( أو امرأة ) أو خنثى فهو فذ ، قاله ابن حامد ، وفي " الكافي " ، و " التلخيص " لأنهم أهل الوقوف معه ، وفيه وجه ، وذكره في " المحرر " عن القاضي ، وصححه ابن عقيل ; لأنه وقف معه مفترض صلاته صحيحة ، أشبه الرجل ( أو محدث يعلم حدثه فهو فذ ) أي : لا تصح صلاته لأن وجوده كعدمه ، وكذا إذا وقف معه سائر من لا تصح صلاته ، قاله في " الشرح " فدل أن صحة صلاته صحة مصافته ، فلو جهل الحدث حتى سلما صحت ، ولم يكن فذا ، نص عليه . قال القاضي : كجهل مأموم حدث إمامه ، وفي " الفصول " إن بان مبتدعا أعاد ، ولأن المبتدع لا يؤم ، بخلاف المحدث فإن المتيمم يؤم .

[ ص: 86 ] ( وكذلك الصبي ) إذا وقف معه في فرض ; لأنه لا تصح إمامته بهم ، فلم يصح أن يصافهم كالمرأة ، لكن روى الأثرم أن أحمد سئل عن وقوف الصبي مع الفرض فتوقف ، وقال : ما أدري ، فذكر له حديث أنس فقال : ذاك في التطوع . والمنصوص عنه ، وجزم به في " الوجيز " أنه فذ ، وانعقاد الجماعة به ، ومصافته مبني على صحة إمامته ; لأنه ليس من أهل الشهادة ، وفرضه نفل ، وقيل : تصح مصافته ، وإن لم تصح إمامته ، لأنها لا تشترط لها صحة الإمامة كالفاسق والعبد ، والمفترض خلف المتنفل ، قاله ابن عقيل وصححه ابن تميم وابن المنجا في الخلاصة ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ، ولأنه لو اشترط في صحتها صحة الإمامة لما صحت مصافة الأخرس ، وظاهر كلام أبي الخطاب صحة إمامته في الجملة دون مصافته ، حيث جوز أن يكون إماما في النفل ، وعلى الصحة فيقف رجل وصبي خلفه ، وعلى الأول : عن يمينه أو من جانبيه ، نص عليه ( إلا في النافلة ) لحديث أنس ، وعنه : لا كالفرض .

فرع : إذا وقف اثنان خلف الصف فخرج أحدهما لعذر أو غيره دخل الآخر في الصف ، أو وقف عن يمين الإمام ، أو نبه من يخرج فيقف معه ، فإن لم يمكنه نوى مفارقته وأتم منفردا ; لأنه عذر أشبه ما لو سبق إمامه الحدث ( ومن جاء فوجد فرجة ) بضم الفاء : هي الخلل في الصف ( وقف فيها ) لقوله عليه السلام إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف قال ابن تميم : فإن كانت بحذائه كره أن يمشي إليها عرضا ، وإن كان الصف غير مرصوص دخل فيه ، نص عليه ( فإن لم يجد وقف عن يمين الإمام ) لأنه موقف الواحد ( فإن لم يمكنه [ ص: 87 ] فله أن ينبه من يقوم معه ) بنحنحة أو كلام وجها واحدا لما في ذلك من حصول من يقف معه ويتبعه ، وظاهره : يكره جذبه ، نص عليه ، وقيل : يحرم ، اختاره ابن عقيل ; لما فيه من التصرف فيه بغير إذنه ، ولو كان عبده أو ابنه ; لأنه لا يملك التصرف فيه حال العبادة كالأجنبي ، وقال ابن عقيل : جوز أصحابنا جذب رجل يقوم معه صفا ، وصححه في " المغني " للحاجة ، فجاز كالسجود على ظهر إنسان أو قدمه حال الزحام ، وفي المغني ، و " الشرح " أنه إذا امتنع من الخروج معه لم يكرهه ، وصلى وحده أو انتظر جماعة أخرى ( فإن صلى فذا ركعة لم يصح ) وقاله النخعي وإسحاق ; لما روى علي بن شيبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لفرد خلف الصف رواه أحمد ، وابن ماجه ، وعن وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة رواه أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، وابن ماجه ، وإسناده ثقات . قال ابن المنذر : ثبت أحمد وإسحاق هذا الحديث ، ولأنه خالف الوقوف ، أشبه ما لو وقف قدام الإمام ، وظاهره لا فرق بين العامد والعالم وضدهما على المذهب ، وفيه إشارة إلى أنه لو أحرم بالصلاة فذا أنها تصح ، وعنه : عكسها ، اختاره في " الروضة " ، وعنه : إن علم النهي ، وعنه : تصح ، حكاها الدينوري ; لأن أبا بكرة - واسمه نفيع - ركع دون الصف فقال النبي صلى الله عليه وسلم : زادك الله حرصا ، ولا تعد رواه البخاري ، ولم يأمره بالإعادة .

وجوابه بأنه عليه السلام نهاه عن العود ، والنهي يقتضي الفساد ، وعذره [ ص: 88 ] فيما فعله بالجهل ، وفيه نظر على المذهب ، وعنه : في النفل ، وبناه في " الفصول " على من صلى الصلاة منفردا ثم نوى الائتمام ، وفي " النوادر " رواية : يصح لخوفه تضييقا ; وهو معنى قول بعضهم لعذر ، وحيث صحت فالمراد مع الكراهة ، قال في " الفروع " : ويتوجه إلا لعذر ; وهو ظاهر كلام شيخنا ، وقيل : تصح فذا في صلاة الجنازة ، قاله في التعليق ، وجزم جماعة أنه أفضل إن تعين صفا ، ولأحمد من رواية عبد الله العمري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكانوا ستة ، فجعل الصف الأول ثلاثة ، والثاني اثنين ، والثالث واحدا قال في " الفصول " : ويعايا بها ، ورده في " المغني " لعدم صحة الخبر فيه ، قال : لأن أحمد لو علم فيه حديثا لم يعده إلى غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية