صفحة جزء
ويمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن إلا الجبيرة ، فإنه يمسح عليها إلى حلها ، أو برئها ، وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس ، وعنه : من المسح بعده ، ومن مسح مسافرا ، ثم أقام أتم مسح مقيم ، وإن مسح مقيما ثم سافر ، أو شك في ابتدائه ، أتم مسح مقيم ، وعنه : يتم مسح مسافر ، ومن أحدث ، ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر .


( ويمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ) لأخبار : منها ما روي عن شريح بن هانئ قال : سألت عائشة عن المسح على الخفين ، فقالت : سل عليا فإنه كان يسافر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته ، فقال : جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ، وللمقيم يوما وليلة رواه مسلم ، وقال أحمد في رواية الأثرم : هو صحيح مرفوع من غير وجه ، والمراد به سفر القصر ، لأنه الذي يتعلق به الرخص ، فإن كان دون مسافة القصر ، أو محرما مسح كالمقيم ، جعلا لوجود هذا السفر كعدمه ، وحينئذ يخلع عند انقضاء المدة ، فإن خاف ، أو تضرر رفيقه بانتظاره تيمم ، فلو مسح وصلى أعاد ، نص عليه ، وقيل : يمسح كالجبيرة اختاره الشيخ تقي الدين ، وقيل : يمسح العاصي بسفره كغيره ذكره ابن شهاب ، وقيل : لا يمسح أصلا عقوبة له ( إلا الجبيرة فإنه يمسح عليها إلى حلها ، أو [ ص: 142 ] برئها ) لأن مسحها للضرورة ، وما كان كذلك فيتقدر بقدرها ( وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس ) أي : من وقت جواز مسحه بعد حدثه في ظاهر المذهب ، لحديث صفوان بن عسال قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا سفرا ، أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من غائط ، وبول ، ونوم . رواه أحمد ، والترمذي ، وصححه ، وقال الخطابي : هو صحيح الإسناد ، يدل بمفهومه أنها تنزع لثلاث يمضين من الغائط ، ولأنها عبادة مؤقتة ، فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة ، فلو مضى من الحدث يوم وليلة أو ثلاثة إن كان مسافرا ، ولم يمسح ، انقضت المدة ، وما لم يحدث لا تحتسب المدة ، فلو بقي بعد لبسه يوما على طهارة اللبس ، ثم أحدث ، استباح بعد الحدث المدة ( وعنه : من المسح بعده ) روي عن عمر أنه قال : امسح إلى مثل ساعتك التي مسحت فيها . خرجه الخلال ، واختاره ابن المنذر ، لظاهر قوله عليه السلام : يمسح المسافر ثلاثا فلو كان أوله الحدث لم يتصور ، إذ الحدث لا بد أن يسبق المسح ، وهو محمول على وقت جواز المسح ، وأما تقديره بخمس صلوات فلا يصح ، لأنه عليه السلام قدره بالوقت دون الفعل ، فعلى هذا يمكن المقيم أن يصلي بالمسح ست صلوات ، يؤخر الصلاة ، ثم يمسح في اليوم الثاني ، ويصليها فيه في أول وقتها ، وإن كان له عذر يبيح الجمع أمكنه أن يصلي سبع صلوات ، والمسافر أن يصلي ست عشرة صلاة ، وإن جمع فسبع عشرة صلاة .

( ومن مسح مسافرا ثم أقام أتم مسح مقيم ) كما في " المغني " و " الشرح " : بغير خلاف نعلمه ، لأنها عبادة تختلف في الحضر والسفر ، فإذا وجد أحد طرفيها [ ص: 143 ] في الحضر غلب حكمه ، ولو تلبس بصلاة في سفينة ، فدخلت الإقامة في أثنائها بطلت ، قال في " الرعاية " : في الأشهر ، وقوله : أتم مسح مقيم مراده : إذا لم يستكمل مدة الإقامة ، فإن استكملها خلع ، قال ابن تميم : رواية واحدة لتغليب جانب الحضر ، وذكر الشيرازي أنه إذا مسح أكثر من يوم وليلة ، ثم أقام أتم مسح مسافر ( وإن مسح مقيما ثم سافر ) أتم مسح مقيم اختاره الخرقي ، وابن أبي موسى ، والأكثر ، لما تقدم من تغليب جانب الحضر ، وظاهره أنه لا فرق بين أن يصلي في الحضر أو لا ، وهذا من جملة المسائل التي أقيم فيها الزمان مقام الفعل ، كما إذا رهنه أو وهبه شيئا عنده ، وأذن له في قبضه ، ومضى زمن إمكانه صار كالمقبوض ، وقال أبو بكر : يتوجه أن يقال : إن صلى بطهارة المسح في الحضر غلب جانبه ( أو شك في ابتدائه أتم مسح مقيم ) لأن الأصل الغسل ، والمسح رخصة ، فإذا وقع الشك في شرطها رد إلى الأصل ، وسواء شك هل أول مسحه في حضر أو سفر ، أو علم أول المدة ، وشك هل كان مسحه حاضرا أو مسافرا ( وعنه : يتم مسح مسافر ) فيهما ، أما الأولى فاختارها الخلال ، وصاحبه ، وأبو الخطاب في " الانتصار " ، لأن هذا مسافر فيعطى حكمه . وادعى الخلال أنه نقله عن أحمد أحد عشر نفسا ، ورجع عن قوله الأول; وأما الثانية : فلأنه مسافر ، قال ابن حمدان : كونه يتم مسح مسافر مع الشك في أوله غريب بعيد ، لأنه لا يجوز المسح مع الشك في إباحته ، لأن الأصل وجوب الغسل ، فلو شك في بقاء المدة لم يمسح ، فإن مسح الشاك ، فبان بقاء المدة صح وضوءه ، وقيل : لا ، كما يعيد ما صلى به مع شكه بعد يوم وليلة .

[ ص: 144 ] قال في " الكافي " وغيره : ومن لبس وأحدث ، ومسح ، وصلى الظهر ، ثم شك هل مسح قبل الظهر أو بعدها ؛ وقلنا : ابتداء المدة من المسح ، بني الأمر في المسح في المدة قبل الظهر ، وفي الصلاة على أنه مسح بعدها ، لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ، ووجوب الغسل ، فعاد كل شيء إلى أصله .

فرع : لو مسح إحدى خفيه في الحضر ، والأخرى في السفر يتوجه لنا خلاف .

( ومن أحدث ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر ) قال في " المغني " : لا نعلم فيه خلافا ، لأنه ابتدأ المسح مسافرا ، وذكر في الخلاف و " الرعاية " رواية أخرى : أنه يتم مسح مقيم ، كمن سافر بعد دخول الوقت ، ولم يحرم بالصلاة ، وقيل : إن مضى وقت صلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية