صفحة جزء
[ ص: 99 ] باب صلاة أهل الأعذار

ويصلي المريض : كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين : صل قائما ، فإن لم تستطع فعلى جنب . فإن صلى على ظهره ورجلاه إلى القبلة ، صحت صلاته على أحد الوجهين ، ويومئ بالركوع والسجود ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فإن عجز عن ذلك أومأ بطرفه ، ولا تسقط عنه الصلاة ، وإن قدر على القيام أو القعود في أثناء الصلاة انتقل إليه وأتمها ، ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود أومأ بالركوع قائما . وبالسجود قاعدا ، وإذا قال ثقات من العلماء بالطب للمريض : إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك فله ذلك .


باب صلاة أهل الأعذار

الأعذار : جمع عذر ، كأقفال جمع قفل ، ( ويصلي المريض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : لعمران بن حصين : صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب خ ) كذا وجد بخط المؤلف بخاء معجمة إشارة إلى أن البخاري أخرجه ، وكذا رواه جماعة ، زاد النسائي : فإن لم تستطع فمستلقيا ، وعن علي مرفوعا : يصلي المريض قائما ، فإن لم يستطع صلى قاعدا ، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فإن لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ، فإن لم يستطع صلى مستلقيا ، رجلاه مما يلي القبلة رواه الدارقطني ، فإذا أمكنه القيام لزمه إجماعا ولو معتمدا أو نحوه أو على إحدى رجليه ، وقال ابن عقيل : لا يلزمه اكتراء من يقيمه ويعتمد عليه ، فإن عجز عنه أو يلحقه بالقيام ضرر من زيادة مرض أو ضعف أو تأخر برء صلى قاعدا ; لقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج [ الحج : 78 ] متربعا ندبا . وقيل : وجوبا ، ويثني رجليه في ركوع وسجود كمتنفل ، وفي " النهاية " و " الرعاية " إن قدر أن يرتفع إلى حد الركوع لزمه ، وإلا ركع جالسا ، وعنه : إن أطال القراءة تربع ، وإلا افترش ، ولا يفترش مطلقا ، وعنه : لا يقعد إلا إن عجز عن قيامه لدنياه ، وهو قول ميمون بن مهران ، وأسقطه القاضي بضرر متوهم ، وأنه لو تحمل الصيام والقيام حتى ازداد مرضه أثم ، ثم إن الإمام والأصحاب اعتبروا الخوف ; وهو ضد الأمن فقالوا : يصلي صلاة الخوف إذا لم يؤمن هجوم العدو ، والمذهب أنه يصلي كما ذكرنا ، ولو كان بتعديه بضرب ساقه ، [ ص: 100 ] كتعديها بضرب بطنها فنفست ، فإن عجز فعلى جنبه الأيمن أفضل ، فإن صلى على الأيسر فظاهر كلام جماعة جوازه ، لظاهر خبر عمران ، ولأن المقصود استقبال القبلة ; وهو حاصل ، وقال الآمدي : يكره مع قدرته على الأيمن ( فإن ) تركه قادر ، و ( صلى على ظهره ، ورجلاه إلى القبلة صحت صلاته في أحد الوجهين ) ذكره في " التلخيص " ، و " المذهب " ، و " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " مع الكراهة ; وهو ظاهر كلام أحمد ; لأنه نوع استقبال ، ولهذا يوجه الميت إليه عند الموت ، والثاني : لا يصح ، قال في " الشرح " : وهو أظهر ، ولأنه نقله عند العجز عن صلاة على جنب ، فدل أنه لا يجوز مع القدرة عليه ; لأنه ترك الاستقبال بوجهه وجملته ، ونقل الأثرم : يصلي كيف شاء ، كلاهما جائز ، فظاهره التخيير بينهما ، أما إذا عجز عن الصلاة على جنب تعين أن يصلي مستلقيا وجها واحدا .

( ويومئ بالركوع والسجود ) لقوله عليه السلام وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم واعتبارا بالأصل ما أمكنه ، نص عليه ، وقال أبو المعالي : وأقل ركوعه مقابلة وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة ، وتتمتها الكمال ( ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ) للخبر ، وليتميز إحداهما عن الآخر ، وإن سجد ما أمكنه على شيء رفعه ، كره ، وأجزأه ، نص عليهما ; لأنه أتى بما يمكنه من الانحطاط ، أشبه ما لو أومأ ، وعنه : يخير ، وذكر ابن عقيل رواية بالمنع كيده ، ولا بأس بسجوده على وسادة ونحوها ، وعنه : هو أولى من الإيماء ، واحتج بفعل أم سلمة ، وابن عباس ، وغيرهما قال : ونهى عنه ابن مسعود ، وابن عمر ( فإن عجز ) هو بفتح الجيم في الماضي وكسرها في المستقبل في الأشهر .

[ ص: 101 ] ( عن ذلك أومأ بطرفه ) أي : بعينيه لما روى زكريا الساجي بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فإن لم يستطع أومأ بطرفه وظاهر كلام جماعة : لا يلزمه ، وصوابه في " الفروع " لعدم ثبوته ، وفي " المستوعب " يومئ بطرفه أو قلبه ، وفي " الفروع " يومئ بطرفه ناويا مستحضر الفعل والقول إن عجز عنه بقلبه ، كأسير عاجز لخوفه ، وفي " الخلاف " زيادة عليهما : أو حاجبيه ، وقاسه على الإيماء برأسه ، ولا يلزم عليه الإيماء بيديه ; لأنه لا يمتنع أن يلزمه ، وقد قال أحمد : يصلي مضطجعا ويومئ ، فأطلق وجوب الإيماء ، ولم يخصه ببعض الأعضاء .

( ولا تسقط عنه الصلاة ) ما دام عقله ثابتا ، ذكره ونصره جماعة ; لأنه عاقل ، أشبه القادر على الإيماء برأسه ، وعنه : تسقط ، اختارها الشيخ تقي الدين لظاهر خبر عمران ، وروي عن أبي سعيد نحوه ( وإن ) صلى قاعدا ثم ( قدر على القيام أو ) صلى على جنب ثم قدر على ( القعود في أثناء الصلاة ، انتقل إليه وأتمها ) لأن المبيح العجز ، وقد زال ، ولأن ما صلى كان العذر موجودا ، وما بقي قد أتى بالواجب فيه ، ولا يقرأ حال نهوضه إلى القيام ، لكن إن قدر على القيام قبل القراءة لزمه أن يأتي بها بعد قيامه ، وإن كان بعد القراءة قام فركع من غير قراءة ، وعكسه لو مرض في أثنائها جلس ، وله القراءة في هويه ، ويأتي بها على حسب حاله ( ومن قدر على القيام ) لزمه ; لقوله تعالى وقوموا لله قانتين [ البقرة : 228 ] ولخبر عمران ، ولأنه ركن قدر عليه ، فلم يسقط بالعجز عن غيره كالقراءة ( وعجز عن الركوع والسجود أومأ بالركوع قائما ) لأن الراكع كالقائم في نصب رجله ، فوجب أن يومئ به في قيامه .

[ ص: 102 ] ( و ) أومأ ( بالسجود قاعدا ) لأن الساجد كالجالس في جمع رجليه ، فوجب أن يومئ في جلوسه ليحصل الفرق بين الإيماءين .

مسائل : منها إذا كان في بيت سقفه قصير يتعذر خروجه منه ، أو في سفينة يعجز عن القيام فيها والخروج منها ، صلى جالسا ، نص عليه ، وقيل : بل يقوم ما أمكنه كالأحدب .

ومنها : إذا قدر قائما منفردا ، وجالسا جماعة ، خير بينهما ، قال في " الشرح " : لأنه يفعل في كل منهما واجبا ، ويترك واجبا ، وقيل : جماعة أولى ، وقيل : يلزمه قائما منفردا ; لأنه ركن بخلاف الجماعة . ومنها لو تقوس ظهره فصار كالراكع ، فمتى ركع زاد في انحنائه قليلا ليقع الفرق ، وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته ، وإذا سجد قرب وجهه من الأرض ما أمكنه ، وإن قدر أن يسجد على صدغيه لم يلزمه ; لأنه ليس من أعضاء السجود .

( وإذا قال ثقات من العلماء بالطب ) ومعناه في " المحرر " ( للمريض ) أو لمن به رمد ونحوه ( إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك فله ذلك ) لأنه عليه السلام صلى جالسا حين جحش شقه ، والظاهر أنه لم يكن لعجزه عن القيام ، بل فعله إما للمشقة أو خوف الضرر ، أشبه المرض ، وذلك وسيلة إلى عافيته ; وهي مطلوبة شرعا ، ويشترط إسلامهم وثقتهم ; لأنه أمر ديني ، فاشترط له ذلك كغيره ، وظاهره أنه لا يقبل فيه أقل من ثلاثة ; لأنه جمع ، قال ابن [ ص: 103 ] المنجا : وليس بمراد ; لأن قول الاثنين كاف ، صرح به المؤلف وغيره ، وحكاه في " الفروع " قولا . وقيل : عن يقين ، والمذهب أنه يقبل قول مسلم ثقة ، ونص أحمد أنه يفطر بقول واحد : إن الصوم مما يمكن العلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية