صفحة جزء
[ ص: 117 ] فصل في الجمع : يجوز الجمع بين الظهر والعصر ، والعشاءين في وقت إحداهما لثلاثة أمور : السفر الطويل . والمرض الذي يلحقه بترك الجمع فيه مشقة وضعف ، والمطر الذي يبل الثياب . إلا أن جمع المطر يختص العشاءين في أصح الوجهين ، وهل يجوز لأجل الوحل أو الريح الشديدة الباردة ، أو لمن يصلي في بيته ، أو في مسجد طريقه تحت ساباط ؛ على وجهين . ويفعل الأرفق به من تأخير الأولى إلى وقت الثانية ، أو تقديم الثانية إليها .


فصل

في الجمع

( يجوز الجمع ) وتركه أفضل ، وعنه : فعله ، اختاره أبو محمد الجوزي وغيره ، كجمعي عرفة ومزدلفة ، وعنه : التوقف ( بين الظهر والعصر والعشاءين في وقت إحداهما ) فهذه الأربع هي التي تجمع في وقت إحداهما ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ( لثلاثة أمور : السفر الطويل ) نص عليه ; وهو قول أكثرهم لما روى معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك ; إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعا ، وإذا ارتحل بعد رفع الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار ، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حسن غريب ، وعن أنس معناه متفق عليه . وظاهره : لا فرق بين أن يكون نازلا أو سائرا في جمع التقديم أو التأخير ، وقال القاضي : لا يجوز إلا لسائر ، وعنه : لسائر وقت الأولى فيؤخر إلى الثانية ، اختاره الخرقي لما روى ابن عمر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء قال سالم : وكان ابن عمر يفعله متفق عليه ، وقال ابن أبي موسى : الأظهر من مذهبه أن صفة الجمع فعل الأولى آخر وقتها ، والثانية أول وقتها ، وظاهره أنه لا يجوز في القصر على " المذهب " ، وفيه وجه .

[ ص: 118 ] ( والمرض الذي يلحقه بترك الجمع فيه مشقة وضعف ) نص عليه ، وصححه جماعة ، وجزم به في " المحرر " ، وغيره ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ، ولا مطر وفي رواية : من غير خوف ولا سفر رواهما مسلم من حديث ابن عباس . ولا عذر بعد ذلك إلا المرض ، وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة ; وهي نوع مرض ، وفي " الوجيز " يجوز بكل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة عدا النعاس ونحوه انتهى ، واحتج أحمد بأن المرض أشد من السفر ، وشرط بعضهم : إن جاز له ترك القيام ، واحتج أحمد بعد الغروب ثم تعشى ثم جمع بينهما ، وعنه : لا يجوز لما سبق .

تنبيه : يجوز لمرضع ، نص عليه ، للمشقة بكثرة النجاسة ، وفي " الوسيلة " رواية : لا ، قال أبو المعالي : كمريض ، وكمن به سلس البول ، ذكره في " المحرر " ، ولكن من يعجز عن الطهارة ، والتيمم لكل صلاة ، وعن معرفة الوقت كأعمى ونحوه ، أومأ إليه أحمد ، ومن له شغل أو عذر يبيح ترك جمعة وجماعة ، قاله ابن حمدان ، وغيره ، والمطر الذي يبل الثياب ) نص عليه ; وهو قول الأكثر لما تقدم من حديث ابن عباس ، وفعله ابن عمر ، رواه مالك ، قال أبو سلمة : من السنة إذا كان يوم مطر أن يجمع بين المغرب والعشاء . رواه الأثرم ، وروى النجاد بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة ، وفعله أبو بكر ، وعمر ، وعثمان وحكم الثلج كذلك في المنصوص ، وفيهما وجه : لا يجوز ، قال ابن تميم : وهو ظاهر كلام أحمد ، وظاهره : أنه لا يجوز لطل ، ولا لمطر خفيف لا يبل الثياب ; وهو الأصح ، لعدم المشقة ، وفيه وجه .

[ ص: 119 ] ( إلا أن جمع المطر يختص العشاءين في أصح الوجهين ) نص عليه ، واختاره جمهور الأصحاب . قال في " الفروع " : وهو الأشهر ; لأنه لم يرد إلا في المغرب والعشاء ، ومشقتهما أكثر من حيث إنهما يفعلان في الظلمة ، ومشقة السفر لأجل السير وفوات الرفقة ; وهو عدم معدوم هنا ، والثاني : يجوز بين الظهر والعصر كالعشاءين ; وهو رواية ، اختاره القاضي ، وأبو الخطاب ، وصححه في " المذهب " ; لأنه معنى أباح الجمع ، فأباحه بين الظهر والعصر كالسفر ( وهل يجوز لأجل الوحل ، أو الريح الشديدة ، أو لمن يصلي في بيته ، أو في مسجد طريقه تحت ساباط ، على وجهين ) وفيه مسائل : الأولى : يجوز الجمع لأجل الوحل في الأصح ، قال القاضي : قال أصحابنا : هو عذر يبيح الجمع بمجرده ، ويلحق به المشقة كالمطر ، والثاني : لا يبيحه ، ذكره أبو الخطاب ; لأن مشقته دون مشقة المطر ، فلا يصح قياسه عليه ، وفيه نظر ; لأن الإنسان يتأذى به في نفسه وثيابه ، وذلك أعظم ضررا من البلل ، وظاهره : لا فرق بين أن يكون ليلا أو نهارا على المذهب ، وقيده الشريف ، وأبو الخطاب في " رءوس المسائل " بالليل ، وظاهر كلام ابن أبي موسى اعتبار الظلمة ليلا .

الثانية : يجوز في الريح الشديدة صححه ابن الجوزي ، والآمدي ، وابن تميم ، قال أحمد : في رواية الميموني : إن ابن عمر كان يجمع في الليلة الباردة ، زاد غير واحد ليلا ، وزاد في " المذهب " ، و " الكافي " ، و " المستوعب " مع ظلمة ، والثاني : المنع ، وقد علما .

[ ص: 120 ] الثالثة : يجوز لمن يصلي وحده ، أو في جماعة في بيته ، أو مسجد طريقه تحت ساباط ، أو بينه وبينه خطوات يسيرة في ظاهر كلام أحمد ، قاله القاضي ; لأن الرخصة العامة يستوي فيها حال وجود المشقة وعدمها ، كالسفر ، والثاني : لا يجوز ، اختاره ابن عقيل ، وصححه في " المذهب " لعدم المشقة ، وقيل : إن كان يصلي الثانية جماعة في وقتها لم يجمع ، وإلا جمع ( ويفعل الأرفق به من تأخير الأولى إلى وقت الثانية ، أو تقديم الثانية إليها ) كذا ذكره جماعة ، ومنهم صاحب " الوجيز " ، وصححه في " الشرح " لحديث معاذ السابق تفرد به قتيبة . قال البخاري : قلت له : مع من كتبت هذا عن الليث ؛ قال : مع خالد المدائني ، قال البخاري : وخالد هذا كان يدخل الأحاديث على الشيوخ ، وروى ابن عباس نحوه ، رواه الشافعي ، وأحمد ، وأخر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يوما في غزوة تبوك ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل ، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا رواه مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ . قال ابن عبد البر : هذا حديث صحيح ثابت الإسناد ، ولأن الجمع من رخص السفر ، فلم يختص بحاله كسائر رخصه ، وتقدم أنه مختص بحالة السير في رواية ، وحمل على الاستحباب ، والمنصوص عنه أن الجمع في وقت الثانية أفضل ، وذكره المجد ، وقدمه في " الفروع " لأنه أحوط ، وفيه خروج من الخلاف ، وعمل بالأحاديث كلها ، وقيل : في جمع السفر ، وقيل : التقديم ، وجزم به غير واحد في جمع المطر ، ونقله الأثرم ، وأن في جمع السفر تؤخر ، وما ذكره المؤلف هنا هو قول في " المذهب " واختاره الشيخ تقي الدين ، وذكره ظاهر مذهب أحمد المنصوص عنه ; وهو يعم أقسامه ، لكن قال في " الشرح " : [ ص: 121 ] المستحب أن يؤخر الأولى عن أول وقتها شيئا ، قال أحمد : يجمع بينهما إذا اختلط الظلام أو غاب الشفق ، فعله ابن عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية