صفحة جزء
وللجمع في وقت الأولى ثلاثة شروط : نية الجمع عند إحرامها ، ويحتمل تجزئة النية قبل سلامها ، وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر الإقامة والوضوء . فإن صلى السنة بينهما ، بطل الجمع في إحدى الروايتين . وأن يكون العذر موجودا عند افتتاح الصلاتين ، وسلام الأولى . وإن جمع في وقت الثانية ، كفاه نية الجمع في وقت الأولى ، ما لم يضق عن فعلها ، واستمرار العذر إلى وقت الثانية . ولا يشترط غير ذلك .


( وللجمع في وقت الأولى ثلاثة شروط ) : الأول : ( نية الجمع ) في الأشهر ، قال القاضي وغيره هو المذهب ; لأنه عمل فيدخل في عموم قوله : إنما الأعمال بالنيات ( عند إحرامها ) على المذهب ; لأن كل عبادة اشترطت فيها النية اعتبرت في أولها كنية الصلاة . ( ويحتمل أن تجزئه النية قبل سلامها ) هذا قول ، وصححه ابن الجوزي ; لأن موضع الجمع من الأولى إلى الشروع في الثانية ، فإذا لم تتأخر النية عنه أجزأه ، وقيل : تجزئه بعد سلام الأولى قبل إحرام الثانية ، وقيل : محل النية عند إحرام الثانية لا قبله ، ولا بعده ، وعلى الأولى : لا تجب في الثانية ; وهو الأشهر .

( و ) الثاني : الموالاة ; وهو ( أن لا يفرق بينهما ) فرقة طويلة ; لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة ، ولا يحصل ذلك مع التفريق الطويل ، وظاهره اشتراط تقديم الأولى على الثانية ; وهو كذلك لتكون الثانية تابعة ; لأنها لم يدخل وقتها ، وسواء جمع في وقت الأولى أو الثانية على الأشهر ، وقيل : يسقط بالنسيان ، قدمه ابن تميم ; لأن إحداهما هنا تبع لاستقرارها ، كالفوائت ( إلا بقدر الإقامة والوضوء ) كذا في " المحرر " ، و " الفروع " ; لأن ذلك يسير ; وهو معفو عنه ، وهما من مصالح الصلاة ، وظاهره تقدير اليسير بذلك ، وصحح في " المغني " ، وجزم به في " الوجيز " أن مرجعه إلى العرف كالقبض والحرز ، ويشترط في [ ص: 122 ] الوضوء أن يكون خفيفا ، فإن طال بطل الجمع ، واستثنى معها جماعة الذكر اليسير ، كتكبير عيد .

فإن صلى السنة بينهما بطل الجمع في إحدى الروايتين ) قدمه في " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " ; وهو ظاهر " الفروع " ; لأنه فرق بينهما بصلاة فبطل ، كما لو قضى فائتة ، والثانية : لا تبطل لأنها تابعة للصلاة ، فلم يقع الفصل بأجنبي ، كما لو تيمم ، وفي " الانتصار " يجوز تنفله بينهما ، ونقل أبو طالب : لا بأس أن يطوع بكلمة أو كلمتين ، جاز ، وذكر القاضي أن الجمع يبطل بالتفريق اليسير ، واعتبر في " الفصول " الموالاة . قال : ومعناها أن لا يفصل بينهما بصلاة ولا كلام ، لئلا يزول معنى الاسم ; وهو الجمع ، وقال : إن سبقه الحدث في الثانية ، وقلنا : تبطل به فتوضأ ، أو اغتسل ولم يطل ، ففي بطلان جمعه احتمالان .

( و ) الثالث ( أن يكون ) المبيح ( موجودا عند افتتاح الصلاتين ، وسلام الأولى ) كذا ذكره الأكثر منهم في " المحرر " ، و " الوجيز " لأن افتتاح الأولى موضع النية وفراغها ، وافتتاح الثانية موضع الجمع ، وقيل : لا يشترط عند سلام الأولى ، وأنه متى انقطع ثم عاد قبل طول الفصل صح الجمع ، قال ابن تميم وغيره : سواء قلنا باعتبار نية الجمع أو لا ، وقيل : يشترط دوامه في الأولى ، وظاهره : أنه إذا انقطع المطر في الأولى ولم يعد ، أنه يبطل الجمع ، لكن إن حصل وحل وقلنا بجوازه له ، لم يبطل ، ولا يشترط دوام العذر إلى فراغ الثانية في جمع المطر ونحوه ، بخلاف غيره ، وإن انقطع السفر في الأولى ، [ ص: 123 ] بطل الجمع مطلقا ، ويصح ويتمها ، وإن انقطع في الثانية كمن نوى الإقامة فيها ، أو دخلت السفينة البلد بطل الجمع ، كما لو كان قبل الشروع فيها كالقصر والمسح . فعلى هذا تنقلب نفلا ، وقيل : تبطل ، وقيل : لا يبطل الجمع كانقطاع المطر في الأشهر ، والفرق أنه لا يتحقق انقطاع المطر لاحتمال عوده في أثناء الصلاة ، ويخلفه الوحل ; وهو عذر مبيح ، بخلاف مسألتنا ، ومريض كمسافر ، وظاهر ما سبق أنه إذا قدم المسافر ، أو أقام ، أو عوفي المريض بعد الثانية صح الجمع ، وإن كان الوقت باقيا ، كما لو قدم في أثناء الوقت .

( وإن جمع في وقت الثانية كفاه ) أي : أجزأه ( نية الجمع في وقت الأولى ) لأنه متى أخرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا جمعا ( ما لم يضق عن فعلها ) كذا جزم به الأكثر ; لأن تأخيرها عن القدر الذي يضيق عن فعلها حرام ، وذكر المجد وغيره : أن ينويه قبل أن يبقى من وقت الأولى بقدرها لفوت فائدة الجمع ; وهي التخفيف بالمقارنة بينهما ، وقيل : أو قدر تكبيرة أو ركعة ، وذكره في " المغني " احتمالا ; لأنه يدركها به ، وحمل الأول على أنه الأولى ، وقيل : ينويه من الزوال والغروب ( و ) يشترط ( استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية ) لأن المجوز للجمع العذر ، فإذا لم يستمر وجب أن لا يجوز لزوال المقتضي ، كالمريض يبرأ ، والمسافر يقدم ، والمطر ينقطع ، وظاهره : أنه لا يعتبر وجود العذر في وقت الثانية ، لأنهما صارتا واجبتين في ذمته ، فلا بد له من فعلهما ، [ ص: 124 ] ويشترط الترتيب في الجمعين ، لكن إن جمع في وقت الثانية ، وضاق الوقت عنهما قال في " الرعاية " : أو ضاق وقت الأولى عن إحداهما ، ففي سقوط الترتيب لضيقه وجهان ( ولا ذلك ) أي : مما تقدم اشتراطه في جمع التقديم من نية الجمع عند الافتتاح ، ووجود العذر عند إحرامهما ، وسلام الأولى ، والموالاة ; لأن الثانية مفعولة في وقتها فهي أداء بكل حال ، والأولى معها كصلاة فائتة ، وهذا هو الأصح ، والثاني يشترط ; لأن حقيقته ضم الشيء إلى الشيء ، ولا يحصل مع التفريق ، فعلى هذا إن ترك الموالاة أثم ، وصحت ، كما لو صلى الأولى مع وقتها مع نية الجمع ثم تركه . وعلى الأول : لا بأس بالتطوع بينهما ، نص عليه ، ولو صلى الأولى وحده ، ثم الثانية إماما أو مأموما ، أو صلى إمام الأولى ، وإمام الثانية ، أو صلى معه مأموم الأولى ، وأخر الثانية ، أو نوى الجمع خلف من لا يجمع ، أو بمن لا يجمع صح .

مسائل : الأولى إذا بان فساد أولاهما بعد الجمع بنسيان ركن أو غيره بطلت ، وكذا الثانية ، فلا جمع ، ولا تبطل الأولى ببطلان الثانية ، ولا الجمع إن صلاها قريبا ، وإن ترك ركنا ، ولم يدر من أيهما تركه ، أعادهما إن بقي الوقت ، وإلا قضاهما .

الثانية : السنة تتبع الفرض تقدما وتأخرا ، وقيل : لا يجوز فعل سنة الظهر الثانية بعد صلاة العصر جمعا ، وقيل : إن جمع في وقت العصر لم يجز ، وإلا جاز ، لبقاء الوقت إذن .

[ ص: 125 ] الثالثة : صلاة عرفة ومزدلفة كغيرهما ، نص عليه ، اختاره الأكثر ، واختار أبو الخطاب ، والشيخ تقي الدين الجمع والقصر مطلقا ، والأشهر عن أحمد : الجمع فقط ، اختاره المؤلف . ولامتناع القصر للمكي قال أحمد : ليس ينبغي أن يولى أحد منهم الموسم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان رضي الله عنهم من المدينة ، وقال عطاء : من السنة أن لا يولى أحد منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية