صفحة جزء
الثالث : حضور أربعين من أهل القرية في ظاهر المذهب . . . . وعنه تنعقد بثلاثة ، فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهرا . . . . ويحتمل أنهم إن نقصوا قبل ركعة أتموا ظهرا ، وإن نقصوا بعد ركعة أتموا جمعة ، ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة ، ومن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهرا . . . . إذا كان قد نوى الظهر في قول الخرقي ، وقال أبو إسحاق بن شاقلا : ينوي جمعة ويتمها ظهرا ، ومن أحرم مع الإمام ، ثم زحم عن السجود سجد على ظهر إنسان أو رجله . . فإن لم يمكنه سجد إذا زال الزحام ، إلا أن يخاف فوات الثانية ، فيتابع إمامه وتصير أولاه ، ويتمها جمعة ، وإن لم يتابعه عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته ، وإن جهل تحريمه فسجد ، ثم أدرك الإمام في التشهد ، أتى بركعة أخرى بعد سلامه وصحت جمعته . . . وعنه يتمها ظهرا .


( الثالث : حضور أربعين ) رجلا ( من أهل القرية في ظاهر المذهب ) وهو الأصح ، واختاره عامة المشايخ ، لما تقدم من حديث كعب ، وقال أحمد : [ ص: 152 ] بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مصعب بن عمير إلى أهل المدينة ، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم ، وكانوا أربعين ، وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة وقال جابر : مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة وأضحى وفطرا . رواه الدارقطني ، وفيه ضعف ( وعنه تنعقد بثلاثة ) اختاره الشيخ تقي الدين ; لقوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله [ الجمعة : 9 ] وهذا جمع وأقله ثلاثة ، وعنه : في القرى الخاصة لقلتهم ، وعنه : بخمسين لما روى أبو هريرة قال : لما بلغ أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خمسين جمع بهم رواه أبو بكر النجاد ، وعنه : بسبعة ، وعنه : بخمسة ، وعنه : بأربعة ، وعلى الروايات كلها : لا يعتبر كون الإمام زائدا على العدد على المذهب . وعنه : بلى ، فعليها لو بان محدثا ناسيا لم يجزئهم إلا أن يكونوا بدونه العدد المعتبر ، ويتخرج : لا مطلقا ، قال المجد : بناء على رواية أن صلاة المؤتم بناس حدثه تفسد ، إلا أن يكون قرأ خلفه .

فرع : إذا رأى الإمام وحده العدد ، فنقص ، لم يجز أن يؤمهم ، ولزمه استخلاف أحدهم ، وبالعكس لا يلزم واحدا منهما ، ولو أمره السلطان أن يصلي إلا بأربعين لم يجز بأقل ، ولا أن يستخلف لقصر ولايته ، بخلاف التكبير الزائد ، وبالعكس الولاية باطلة لتعذرها من جهتها ، ويحتمل أن يستخلف لها أحدهم ( فإن نقصوا قبل إتمامها ) لم يتموها جمعة ; لأنه شرط ، فاعتبر في جميعها كالطهارة ، و ( استأنفوا ظهرا ) نص عليه ، وجزم به السامري ، وصاحب " التلخيص " ، وقيل : يتمون ظهرا ، وقيل : جمعة ، ولو بقي وحده [ ص: 153 ] ولو لم يسجد في الأولى ، وقيل : جمعة إن بقي معه اثنا عشر رجلا ; لأنه العدد الباقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكانوا في الصلاة رواه البخاري ، والمراد في انتظارها كما روى مسلم في الخطبة ، وللدارقطني : بقي معه أربعون رجلا تفرد به علي بن عاصم ، وإنما انفضوا لظنهم جواز الانصراف ، ولأبي داود في مراسيله : أن خطبته ـ عليه السلام ـ هذه كانت بعد صلاته الجمعة فظنوا لا شيء عليهم في الانصراف . قال في " الفروع " : ويتوجه أنهم انفضوا لقدوم التجارة لشدة المجاعة ، أو ظن وجوب خطبة واحدة ، وقد فرغت ، قال في " الشرح " : ويحتمل أنهم عادوا فحضروا القدر الواجب ، ويحتمل أنهم عادوا قبل طول الفصل ( ويحتمل ) هذا وجه ( أنهم إن نقصوا قبل ركعة أتموا ظهرا ، وإن نقصوا بعد ركعة أتموا جمعة ) وهو قياس قول الخرقي ، واختاره المؤلف ، وذكره قياس المذهب ، قال المزني : وهو الأشبه عندي كالمسبوق ، والأول أصح ، والفرق بأن المسبوق أدرك ركعة من جمعة ، قال أبو المعالي : سواء سمعوا الخطبة أو لحقوهم قبل نقصهم بلا خلاف ، كبقائه من السامعين .

( ومن أدرك مع الإمام منها ركعة ) أي : بسجدتيها ، وتظهر فائدته فيما لو زحم عن السجود ( أتمها جمعة ) رواه البيهقي عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وعن أبي هريرة مرفوعا من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة رواه الأثرم ، ورواه ابن ماجه ، ولفظه " فليصل إليها أخرى " قال ابن حبان : هذا خطأ ، وقال ابن الجوزي : لا يصح ( ومن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهرا ) لمفهوم ما سبق .

[ ص: 154 ] وعنه : يكون مدركا للجمعة ; لقوله ـ عليه السلام ـ ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ، وكالظهر ، وكإدراك المسافر صلاة المقيم ، والفرق بأن المسافر أدركه إدراك إلزام ، وهذا إدراك إسقاط للعدد ، وبأن الظهر ليس من شرطها الجماعة ، بخلاف مسألتنا ، وظاهر كلام المؤلف صحة دخوله معه ; وهو الأصح بشرط أن ينويها بإحرامه ، ولهذا ( إذا كان قد نوى الظهر في قول " الخرقي " ) صححه الحلواني وهو الأظهر ; لأن النية قصد يتبع العلم ، ويوافق الفعل ، فالمصلي ظهرا لا ينوي جمعة ; لأنه ينوي غير ما يفعله ، ولأن الظهر لا تتأدى بنية الجمعة ابتداء فكذا استدامته ، كالظهر مع العصر ، وهذا فيما إذا دخل وقتها ، وإلا كانت نفلا ( وقال أبو إسحاق بن شاقلا : ينوي جمعة ) تبعا لإمامه ( ويتمها ظهرا ) وذكر القاضي المذهب ، كصلاة المسافر مع المقيم ، وضعفه المجد بأن قال : فر من اختلاف النية ثم التزمه في البناء ، والواجب العكس أو التسوية ، ولم يقل أحد بالبناء مع اختلاف يمنع الاقتداء ، وقيل : الخلاف مبني على أن الجمعة هل هي ظهر مقصورة أم صلاة مستقلة ؛ فيه وجهان . ومحل ذلك ما إذا كانت بعد الزوال ، فإن كان قبله لم يصح دخول من فاته معه في أظهر الوجهين ، فإن دخل انعقدت نفلا ، والثاني يصح دخوله في نية الجمعة ، ثم يبني عليها ظهرا ، ويجب أن يصادف ظهره زوال الشمس .

( ومن أحرم مع الإمام ثم زحم على السجود ) بالأرض ( سجد على ظهر إنسان أو رجله ) أي : قدمه وجوبا إن أمكن ، ذكره معظمهم ، لقول عمر : إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه . رواه أبو داود الطيالسي ، وسعيد [ ص: 155 ] وهذا قاله بمحضر من الصحابة وغيرهم في يوم جمعة ، ولم يظهر له مخالف ، ولا يأتي بما يمكنه حال العجز فوجب ، وصح كالمريض يومئ ، وقيل : لا يجوز ذلك ، وذكر ابن عقيل : أنه لا يسجد على ظهر أحد ، ويومئ غاية الإمكان ، فأما إن احتاج إلى وضع يديه أو ركبتيه ، وقلنا : يجوز في الجبهة فوجهان ، ذكره ابن تميم وغيره ( فإن لم يمكنه ) انتظر ، و ( سجد إذا زال الزحام ) وتبع إمامه ; لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر أصحابه بذلك في صلاة عسفان للعذر ; وهو موجود هنا ، والمفارقة وقعت صورة لا حكما فلم تؤثر ( إلا أن يخاف فوات الثانية فيتابع إمامه ، وتصير أولاه ، ويتمها جمعة ) ذكره ابن الجوزي ، وصاحب " التلخيص " ; لقوله ـ عليه السلام ـ فإذا ركع فاركعوا ، ولأنه مأموم خاف فوت الثانية فلزمته المتابعة كالمسبوق ، وعنه : لا يتابعه بل يشتغل بسجود الأولى ، وكما لو زال الزحام والإمام قائم ، فإن لم يزل الزحام حتى سجد الإمام في الثانية تابعه ، وهل تحصل له ركعة يتمها جمعة أو يصلي ظهرا ؛ فيه وجهان ( فإن لم يتابعه عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته ) لتركه متابعة إمامه عمدا ، ومتابعته واجبة ; لقوله : فلا تختلفوا عليه ، وترك الواجب عمدا يبطلها وفاقا ( وإن جهل تحريمه فسجد ) أي : إذا جهل تحريم متابعة إمامه في الثانية لم تبطل صلاته ، ولم يعتد بسجوده ; لأنه أتى به في موضع الركوع جهلا فهو كالساهي ، وقال أبو الخطاب : يعتد به ( ثم أدرك الإمام في التشهد ، أتى بركعة أخرى بعد سلامه ) لأنه أتى بسجود معتد به ( و ) إذا اعتد له بذلك ( صحت جمعته ) لأنه أدرك مع الإمام ركعة ، والجمعة تدرك بها ، ويسجد للسهو . قاله أبو الخطاب ، وخالف فيه المؤلف ، قال [ ص: 156 ] ابن تميم : وهو أظهر ; لأنه ليس على المأموم سجود سهو ( وعنه : يتمها ظهرا ) لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة بسجدتها ; لأن ما أتى به من السجود لم يتابع إمامه فيه حقيقة ، وإنما أتى به على وجه التدارك ، فلم يكن مدركا للجمعة .

مسائل : الأولى : إذا أدرك الركوع ، وزحم عن السجود ، أو أدرك القيام ، وزحم عن الركوع والسجود حتى سلم إمامه أو سبقه الحدث ففاته ذلك بالوضوء ، وقلنا : يبني ، استأنف ذلك ظهرا ، نص عليه ، لاختلافهما في فرض وشرط كظهر وعصر ، ولافتقار كل منهما إلى النية ، وعنه : يتمها ظهرا ; لأنه لم يدرك ركعة كاملة ، أشبه المسبوق بركوع الثانية ، وعنه : يتمها جمعة ، اختاره الخلال ، كمدرك ركعة ، وعنه : يتم جمعة من زحم عن سجود أو نسيه ، لإدراكه الركوع لمن أتى بالسجود قبل سلام إمامه على الأصح ; لأنه أتى به في الجماعة ، والإدراك الحكمي كالحقيقي ، لحمل الإمام السهو عنه .

الثانية : إذا فاته مع الإمام الركوع والسجود بنوم أو غفلة ونحوه ، لغت تلك الركعة ، نص عليه ، وكذا إن فاته الركوع فقط في رواية ، فإن فاته ركعة فأكثر ، لم يقض قبل سلام إمامه ، نص عليه في الجمعة ، بل يتابعه ، فإذا سلم الإمام قضى ما فاته كالمسبوق ، فعلى هذا إن فاته ركن ، أتى به ثم لحق إمامه ، وإن كان ركوعا في الأشهر ، وإن كان ركنين لغت ركعته ، نص عليه ، وقال ابن عقيل : يأتي بهما كنصه في المزحوم ، فإن زحم عن الجلوس للتشهد ، أتى به قائما ، وأجزأه ، قاله ابن حامد ، والأولى انتظار زوال الزحام .

[ ص: 157 ] الثالثة : إذا أحرم مع الإمام فزحم ، وأخرج من الصف فصلى فذا ، لم يصح ، وإن أخرج في الثانية ، فإن نوى مفارقته أتمها جمعة في قياس " المذهب " ، وإلا ، فروايتان : إحداهما : يتمها جمعة كمسبوق ، والثانية : يعيد ; لأنه فذ في ركعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية