صفحة جزء
الرابع : أن يتقدمها خطبتان ، ومن شرط صحتهما حمد الله تعالى والصلاة على رسوله . . . . . وقراءة آية ، والوصية بتقوى الله تعالى . . . . وحضور العدد المشترط ، وهل يشترط لهما الطهارة ، وأن يتولاهما من يتولى الصلاة ؛ على روايتين . . . . .


( والرابع : أن يتقدمها خطبتان ) لقوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله [ الجمعة : 9 ] والذكر : هو الخطبة ، فأمر بالسعي إليه ، فيكون واجبا ، ولمواظبته ـ عليه السلام ـ عليها مع قوله : صلوا كما رأيتموني أصلي وعن عمر وعائشة : قصرت الصلاة من أجل الخطبة ، ويشترط اثنتان ; لقول ابن عمر : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخطب خطبتين ; وهو قائم ، يفصل بينهما بجلوس متفق عليه ، ولأنهما مقام الركعتين ، فالإخلال بإحداهما إخلال بإحدى الركعتين ، وعنه : تجزئه واحدة ، والمنصوص أنهما بدل من الركعتين ، ويشترط تقديمهما على الصلاة لفعله ـ عليه السلام ـ وأصحابه ، بخلاف غيرهما ، لأنهما شرط في صحة الجمعة ، والشرط مقدم ، أو لاشتغال الناس بمعايشهم ، فقدما لأجل التدارك ، وأن يكونا في وقت تصح فيه الجمعة من مكلف مستور العورة ، قاله القاضي .

( ومن شرط صحتهما حمد الله تعالى ) لما روى أبو هريرة مرفوعا : كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم . رواه أبو داود ، ورواه جماعة مرسلا ، وروى أبو داود عن ابن مسعود قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا تشهد قال : الحمد لله ويتعين هذا اللفظ في قول الجمهور ( والصلاة على رسوله ) محمد - صلى الله عليه وسلم - ; لأن [ ص: 158 ] كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله ، كالأذان ، ويتعين لفظ الصلاة ، أو يشهد أنه عبده ورسوله ، وأوجبه الشيخ تقي الدين لدلالته عليه ، ولأنه إيمان به ، والصلاة دعاء له ، وبينهما تفاوت ، وقيل : لا يشترط ذكره ; لأنه ـ عليه السلام ـ لم يذكر ذلك في خطبته ، وعملا بالأصل ( وقراءة آية ) كاملة لما روى جابر بن سمرة قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ آيات ، ويذكر الناس رواه مسلم ، ولأنهما أقيما مقام ركعتين ، والخطبة فرض فوجبت فيها القراءة كالصلاة ، وظاهره : أنها لا تتعين . قالأحمد : يقرأ بما شاء ، وأنه لا يجزئ بعض الآية في الأصح ، لأن الحكم يتعلق بما دونهما بدليل منع الجنب منها ، وقال أبو المعالي : لو قرأ آيه لا تستقل بمعنى أو حكم كقوله ثم نظر أو مدهامتان لم يكف ، وقيل : لا يشترط في إحداهما ، والمذهب أنه من قراءة آية ، ولو كان جنبا مع تحريمها . وعنه : لا يشترط قراءة آية فيها ، اختاره المؤلف ، فلو قرأ ما تضمن الحمد والموعظة ، ثم يصلي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجزأ ، قال أبو المعالي : وفيه نظر لقول أحمد : لا بد من خطبة ، وكما لا يجزئ عنها قراءة ( فاطر ) أو ( الحج ) نص عليه .

( الوصية بتقوى الله تعالى ) لأنه المقصود ، وقيل : في الثانية ، والمذهب في كل منهما ، وذكر أبو المعالي والشيخ تقي الدين : ولا يكفي ذكر الموت وذم الدنيا ، ولا بد أن يحرك القلوب ، ويبعث بها إلى الخير ، فلو اقتصر على أطيعوا الله ، واجتنبوا معاصيه ، فالأظهر لا يكفي ، وإن كان فيه وصية ; لأنه [ ص: 159 ] لا بد من اسم الخطبة عرفا ، وتشترط الموالاة بين أجزائهما ، والصلاة في الأصح لأنهما مع الصلاة كالمجموعتين ، فلو قرأ سجدة فنزل فسجد لم يكره ، وظاهر كلامه في " التلخيص " ، و " الرعاية " أنه لا يضر تفريق كثير بدعاء لسلطان ونحوه ، ولا يكون ذلك بغير العربية إلا عند العجز كالقراءة ، ثم هل يجب إبدال عاجز عن قراءة بذكر أم لا لحصول معناها ؛ فيه وجهان ، ويبدأ بالحمد لله ثم بالصلاة ثم بالموعظة ثم القراءة في ظاهر كلام جماعة . ( و ) يشترط ( حضور العدد المشترط ) لسماع القدر الواجب ; لأنه ذكر اشتراط للصلاة فاشترط له العدد كتكبيرة الإحرام ، فإن انفضوا وعادوا قبل فوات ركن منها بنوا ، وإن كثر التفريق ، أو فات منها ركن ، أو أحدث فتطهر ، ففي البناء والاستئناف مع اتساع الوقت وجهان ، ويرفع صوته بهما بحيث يسمع العدد المعتبر إذا لم يعرض مانع ، فإن لم يسمعوا لخفض صوته أو بعد لم يصح ، وكذا إن كانوا صما ، خلافا للمجد ، فإن قرب الأصم وبعد من يسمع فقيل : لا يصح لفوت المقصود ، وقيل : بلى كما لو كان أهل القرية طرشا أو عجما ; وهو عربي ، وإن كانوا كلهم خرسا صلوا ظهرا في الأصح ، وتشترط النية ، ذكره في " الفنون " ، والأشهر أنها تبطل بكلام محرم ، ولو يسيرا ( وهل يشترط لهما الطهارة ، وأن يتولاهما من يتولى على روايتين ) إحداهما : يشترط تقدم الطهارة ، قدمه السامري وغيره ; لأنه ـ عليه السلام ـ لم يكن يفصل بين الخطبة والصلاة بطهارة ، فدل على أنه كان متطهرا ، ولأنه ذكر شرطا في الجمعة أشبه الإحرام ، والثانية : لا ، واختارها الأكثر ، وجزم بها في " الوجيز " ، ولأنه [ ص: 160 ] ذكر يتقدم الصلاة ، أشبه الأذان ، وعنه : تشترط الكبرى ، اختاره جماعة ، ونصه : تجزئ خطبة الجنب ، جزم به الشريف ، وأبو الخطاب ; لأن تحريم لبثه لا تعلق له بواجب العبادة ، كمن صلى ومعه درهم غصب ، لكن قيده القاضي في " جامعه " ، وابن الجوزي ، والسامري ، وصاحب " التلخيص " فيه ، بأن يكون المنبر خارج المسجد ; لأن لبثه فيه معصية تنافي العبادة ، وقيل : إن جاز للجنب قراءة آية أو لم تجب القراءة في الخطبة ، فوجهان كالأذان وستر العورة ، وإزالة نجاسة كطهارة صغرى .

الثانية : إحداهما لا تشترط الطهارة ، بل تستحب ، قدمه الأكثر ، وجزم به في " الوجيز " ، وذكر في " التلخيص " أنه مشهور ; لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة أشبها الصلاتين ، لكن في فعل اثنين للخطبتين وجهان ، قدمه في " الرعاية " ; لأن الخطبة مقام ركعتين ، وعنه : لا يشترط مع العذر كالحدث ، ذكر في " الشرح " أنه المذهب ; لأنه إذا جاز الاستخلاف في الصلاة للعذر فهاهنا أولى ، وعلى الجواز لا يشترط حضور النائب الخطبة ، كالمأموم ، لتعينها عليه ، وعنه : بلى ; لأنه لا تصح جمعة من لم يحضرها إلا تبعا ، كمسافر . وإن أحدث واستخلف من لم يحضر الخطبة ، صح على الأشهر ، ولو لم يكن صلى معه على الأصح ، وإن منعنا الاستخلاف ، أتموا فرادى جمعة بركعة كمسبوق ، وقيل : مطلقا لبقاء حكم الجماعة ، كمنع الاستخلاف ، وقيل ظهرا ، لأن الجماعة شرط ، كما لو اختل العدد ، وإن جاز الاستخلاف فأتموا فرادى لم تصح جمعتهم ، ولو كان في الثانية كما لو أنقص العدد وأولى .

[ ص: 161 ] مسألتان : الأولى : إذا قلنا : يعتد بأذان المميز والفاسق ، ففي خطبته وجهان ، زاد في " الرعاية " إن صح أن يؤم غير من خطب ، وإن لم تصح إمامة العبد ، ففي صحة خطبته وجهان .

الثانية : لمن لا يحسن الخطبة قراءتها من صحيفة ، ذكره أبو المعالي ، وابن عقيل قال : كالقراءة في الصلاة لمن لا يحسن القراءة في المصحف ، والمذهب أنه لا بأس بالقراءة في المصحف كالقراءة من الحفظ ، فهذا مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية