صفحة جزء
ومن سننهما أن يخطب على منبر ، أو موضع عال ، ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم بوجهه . . ويجلس إلى فراغ الأذان ، ويجلس بين الخطبتين ، ويخطب قائما . . . ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا ، ويقصد تلقاء وجهه ، ويقصر الخطبة ويدعو للمسلمين . ولا يشترط إذن الإمام وعنه يشترط .


( ومن سننهما أن يخطب على منبر ) لما روى سهل بن سعد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسل إلى امرأة من الأنصار أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أجلس عليها إذا كلمت الناس متفق عليه ، وفي الصحيح : أنه عمل من أثل الغابة ، فكان يرتقي عليه ، واتخاذه كان في سنة سبع من الهجرة ، وقيل : سنة ثمان ، وكان ثلاث درج ، ويسمى منبرا لارتفاعه ، من النبر ; وهو الارتفاع ، واتخاذه سنة مجمع عليها ، قاله في " شرح مسلم " ، ويكون صعوده فيه على تؤدة إلى الدرجة التي تلي السطح ، قاله في " التلخيص " ( أو موضع عال ) إن لم يكن ; لأنه في معناه لاشتراكهما في المبالغة في الإعلام ، ويكونان عن يمين مستقبلي القبلة ، وقال أبو المعالي : إن وقف بالأرض ، وقف على يسار مستقبلي القبلة بخلاف المنبر ( ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم بوجهه ) لما روى ابن ماجه عن جابر قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا صعد المنبر سلم ورواه الأثرم عن أبي بكر ، وعمر ، وابن مسعود ، وابن الزبير ، ورواه [ أبو بكر ] النجاد عن عثمان ، وكسلامه على من عنده في خروجه ، قال القاضي وجماعة : لأنه استقبال بعد استدبار أشبه من [ ص: 162 ] فارق قوما ثم عاد إليهم ، وعكسه المؤذن ، قاله المجد ، وظاهره استحباب استقبال الخطيب الناس ; وهو كالإجماع ، قاله ابن المنذر ، ولم يذكر المؤلف رد السلام عليه ; وهو فرض كفاية ، وكذا كل سلام مشروع على الجماعة المسلم عليهم لا فرض عين ، وقيل : سنة كابتدائه ، وفيه وجه غريب واجب ، ذكره الشيخ تقي الدين ( ويجلس إلى فراغ الأذان ) لما روى ابن عمر قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ، ثم يقوم فيخطب . مختصر . رواه أبو داود ، وذكر ابن عقيل إجماع الصحابة ، ولأنه يستريح بذلك من تعب الصعود ، ويتمكن من الكلام التمكن التام ، وهذا النداء هو الذي يتعلق به وجوب السعي ; لأنه الذي كان على عهده ـ عليه السلام ـ ، وعنه : بالأول لسقوط الفرض به ، ولأن عثمان سنه ، وعملت به الأمة ، ومن بعد منزله ، سعى في وقت يدركها كلها إذا علم حضور العدد بعد طلوع الفجر لا قبله .

( ويجلس بين الخطبتين ) لما روى ابن عمر قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخطب خطبتين ; وهو قائم ، يفصل بينهما بجلوس متفق عليه ، وكجلسته الأولى ، ويستحب تخفيفها ، قال في " التلخيص " : بقدر سورة الإخلاص ، وعنه : يجب الجلوس بينهما ، اختاره النجاد لفعله ـ عليه السلام ـ ، والأول أصح ; لأن جماعة من الصحابة منهم علي سردوا الخطبة من غير جلوس ، ولأنه ليس فيها ذكر مشروع ، فلم يجب كالأول ( ويخطب قائما ) نص عليه ، واختاره الأكثر لفعله ـ عليه السلام ـ ، ولأنه ذكر ليس من شرطه الاستقبال ، فلم يجب له القيام كالأذان ، [ ص: 163 ] وعنه : يجب مع القدرة ، جزم به في " النصيحة " ، وبالجلوس بينهما ، وقال الطحاوي عن قول الشافعي : لم يقله غيره ، وليس كذلك ( ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا ) لما روى الحكم بن حزن قال : وفدت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشهدنا معه الجمعة ، فقام متوكئا على سيف أو قوس أو عصا . مختصر . رواه أبو داود ، ولأنه أمكن له ، وإشارة إلى أن هذا الدين فتح به ، ويكون اعتماده على ذلك بإحدى يديه في ظاهر كلامه ، قال في " الفروع " : ويتوجه باليسرى ، والأخرى بحرف المنبر ، فإن لم يعتمد أمسك يمينه بشماله أو أرسلها ( ويقصد تلقاء وجهه ) لفعله ـ عليه السلام ـ ، ولأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراضا عن الآخر ، وظاهره أنه إذا التفت أو استدبر الناس أنه يجزئ مع الكراهة ، صرحوا به في الاستدبار لحصول المقصود ، وفيه وجه : لا يجزئ لتركه الجهة المشروعة ، وينحرف إليه المأمومون إذا خطب ، نص عليه ، لفعل الصحابة .

( ويقصر الخطبة ) لما روى مسلم عن عمار مرفوعا إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة ، وأقصروا الخطبة وفي " التعليق " . والثانية أقصر ، جعله أصلا لإفراد الإقامة ، ويستحب رفع صوته حسب الإمكان ( ويدعو للمسلمين ) لأن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة ، ففيها أولى ، [ ص: 164 ] ولا يجب في الثانية ، وقيل : ويرفع يديه ، جزم به في " الفصول " ، واحتج بالعموم ، وقيل : لا يستحب ، قال المجد : هو بدعة وفاقا للمالكية ، والشافعية ، وغيرهم ، وقد يفهم من كلامه أن الدعاء لا يسن للمسلمات ، وليس كذلك ; لأن جمع المذكر يشملهم ، ولم يذكر المؤلف الدعاء للسلطان فيها ، ولا لمعين ; وهو جائز ، بل قيل : يستحب للسلطان ، حتى قال أحمد أو غيره : لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها لإمام عادل ، ولأن في صلاحه صلاح المسلمين ، ولأن أبا موسى كان يدعو في خطبته لعمر ، وروى البزار : أرفع الناس درجة يوم القيامة إمام عادل . قال أحمد : إني لأدعو بالتسديد والتوفيق . فإذا فرغ منها نزل عند لفظة الإقامة في وجه ، قاله في " التلخيص " ، وفي الآخر إذا فرغ منها ، وينزل مسرعا .

( ولا يشترط إذن الإمام ) في الأصح ; لأن عليا صلى بالناس ، وعثمان محصور ، فلم ينكره أحد ، وصوبه عثمان ، رواه البخاري ، ولأنها فرض الوقت ، أشبهت الظهر ، قال أحمد : وقعت الفتنة بالشام تسع سنين ، فكانوا يجمعون ( وعنه يشترط ) لأنه لا يقيمها في كل عصر إلا الأئمة ; وهي من أعلام الدين الظاهر ، أشبهت الجهاد ، وعنه : إن لم يتعذر ، وعنه : يشترط لوجوبها لا لجوازها ، وإن لم يعلم بموته إلا بعد الصلاة ، واشترط إذنه ، فعنه لا إعادة للمشقة ، وعنه : بلى لبيان الشرط .

فرع : إذا غلب الخوارج على بلد فأقاموا فيه الجمعة جاز اتباعهم ، نص عليه ، قال القاضي : ولو قلنا : من شرطها إمام عادل إذا كان خروجهم بتأويل سائغ ، وقال ابن أبي موسى : يصلي معهم الجمعة ، ويعيدها ظهرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية