صفحة جزء
ولا يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إماما ، أو يرى فرجة فيتخطى إليها ، وعنه يكره . ولا يقيم غيره فيجلس مكانه ، إلا من قدم صاحبا له فجلس في موضع يحفظه له . وإذا وجد مصلى مفروشا فهل له رفعه ؛ على وجهين . ومن قام من موضعه لعارض لحقه ، ثم عاد إليه فهو أحق به


[ ص: 172 ] ( ولا يتخطى رقاب الناس ) لما روى أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له : اجلس فقد آذيت ولما فيه من سوء الأدب والأذى ، وذلك مكروه ، وقد صرح جماعة بتحريمه ( إلا أن يكون إماما ) فلا يكره له للحاجة لتعيين مكانه ، وألحق به في " الغنية " المؤذن ( أو يرى ) المصلي ( فرجة فيتخطى إليها ) لأنهم أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم ، وعنه : إن وصلها بدونه كره ، وإلا فلا ، ذكره المؤلف ، وقدمه في " الفروع " ، وعنه : لا يكره مطلقا ، وعنه : يكره ثلاثة صفوف ، وقيل : يكره إلا أن تكون الفرجة أمامه ، ( وعنه : يكره ) مطلقا لما روى سهل بن معاذ مرفوعا من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم رواه الترمذي ( ولا يقيم غيره فيجلس مكانه ) وذلك حرام لما روى ابن عمر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ، ويجلس فيه متفق عليه ، ولكن يقول : افسحوا قاله في " التلخيص " لما روى مسلم عن جابر مرفوعا لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده ، ولكن ليقل : افسحوا ، ولأن المسجد بيت الله ، والناس فيه سواء ، وظاهره : ولو كان عبده أو ولده إلا الصغير ، وسواء كان راتبا له يجلس فيه أو لا ، وفي " الرعاية " يكره ( إلا من قدم صاحبا له ، فجلس في موضع يحفظه له ) لأن ابن سيرين كان يفعل ذلك ; لأنه قعد فيه لحفظه له ، ولا يحصل ذلك إلا بإقامته ، وعلله في " الشرح " بأن النائب يقوم باختياره ، وفي " الفروع " قال أصحابنا : إلا من جلس بمكان [ ص: 173 ] يحفظه لغيره بإذنه أو دونه ، ولم يذكر جماعة : " أو دونه " ; لأنه توكيل في اختصاص مباح ، كتوكيله في تمليك المباح ومقاعد الأسواق ، لكن إن جلس في مكان الإمام ، أو طريق المارة ، أو استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم ، قاله أبو المعالي .

مسألة : إذا آثر بمكانه الأفضل فقيل : يكره ، وقيل : لا ، كما لو جلس ، وقيل : إن آثر عالما أو دينا جاز ، ولا يكره القبول في الأصح ، وفي " الفصول " لا يجوز الإيثار ، وكذا الخلاف إن آثر بمكانه فسبق إليه آخر ، وصحح في " الشرح " وابن حمدان أنه لا يجوز ; لأنه قام مقامه أشبه ما لو تحجر مواتا ، ثم آثر به غيره ، وهذا بخلاف ما لو وسع لرجل في طريق فمر غيره ، لأنها جعلت للمرور فيها ، والمسجد للإقامة فيه .

( وإذا وجد مصلى مفروشا فهل له رفعه ؛ على وجهين ) كذا في " الفروع " أحدهما : لا يجوز ، قدمه في " المحرر " ; لأنه كالنائب ، وعنه : ولما فيه من الافتئات على صاحبه ، والتصرف في ملكه بغير إذنه ، والإفضاء إلى الخصومة ، وقاسه في " الشرح " على السابق إلى رحبة المسجد ، ومقاعد الأسواق .

فعلى هذا له رفعه إذا حضرت الصلاة ، قاله في الفائق ، والثاني : له رفعه ، والصلاة مكانه ، جزم به في " الوجيز " ; لأنه لا حرمة له بنفسه ، والفضيلة بالسبق بالبدن ، وقيل : إن كان صاحبه لا يصل إليه إلا بتخطي الناس رفعه ، وإلا فلا ، وعلم منه أنه لا يصلي عليه ، وقدمه عليه ، وقدمه في " الرعاية " يكره ، وجزم [ ص: 174 ] به جماعة بتحريمه ، وقال في " الفروع " : ويتوجه إن حرم رفعه فله فرشه ، وإلا كره ، وأطلق شيخنا : ليس له فرشه . ( ومن قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه فهو أحق به ) لما روى مسلم عن أبي أيوب مرفوعا من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به ، وقيده بعضهم بما إذا عاد قريبا ، وأطلقه الأكثر ، منهم المؤلف ، وقيده في " الوجيز " بما إذا عاد ، ولم يتشاغل بغيره ، وذكر في " الشرح " وتبعه ابن تميم ، إن لم يصل إليه إلا بالتخطي ، فكمن رأى فرجة ، وجوزه أبو المعالي .

التالي السابق


الخدمات العلمية