صفحة جزء
وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد . وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس ، وأمرهم بالتوبة من المعاصي ، والخروج من المظالم ، والصيام والصدقة وترك التشاحن . ويعدهم يوما يخرجون فيه ، ويتنظف لها ، ولا يتطيب ، ويخرج متواضعا متخشعا متذللا متضرعا ، ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ، ويجوز خروج الصبيان ، وقال ابن حامد : يستحب ، وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا ولم يختلطوا بالمسلمين ، فيصلي بهم .


( وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد ) لأنها في معناها ، قال ابن عباس : سنة الاستسقاء سنة العيدين ، فعلى هذا تسن في الصحراء ، وأن يصلي ركعتين ، يكبر في الأولى سبعا ، وفي الثانية خمسا من غير أذان ولا إقامة ; لأنه ـ عليه السلام ـ لم يقمها إلا في الصحراء ; وهي أوسع عليهم من غيرها ، وقال ابن عباس : صلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ركعتين كما كان يصلي في العيد قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وعن النبي ، وأبي بكر ، وعمر أنهم كانوا يصلون صلاة الاستسقاء [ ص: 202 ] يكبرون فيها سبعا ، وخمسا رواه الشافعي من رواية إبراهيم بن أبي يحيى ; وهو مرسل ، وعن ابن عباس نحوه ، وزاد فيه : وقرأ " سبح " ، وفي الثانية بالغاشية رواه الدارقطني ، وعنه : ركعتين كصلاة التطوع ; وهي ظاهر " الخرقي " ; لقول عبد الله بن زيد : استسقى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وصلى ركعتين رواه البخاري ، والأول أصح ; لأنها مطلقة ، ورواية ابن عباس مقيدة ، وقد علم أنها تفعل أول النهار ، وقيل : بعد الزوال ، وذكره ابن عبد البر من جماعة من العلماء .

( وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس ) أي : يخوفهم ، ويذكرهم بالخير فيما يرق به قلوبهم ، وينصحهم ، ويذكرهم بالعواقب ( وأمرهم بالتوبة من المعاصي ، والخروج من المظالم ) وذلك واجب ; لأن المعاصي سبب القحط ، والتقوى سبب للبركات ; لقوله تعالى ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [ الأعراف : 196 ] الآية ( والصيام ) لأنه وسيلة إلى نزول الغيث ، وقد روي دعوة الصائم لا ترد ، ولما فيه من كسر الشهوة وحضور القلب ، والتذلل للرب ، زاد جماعة : ثلاثة أيام ، وأنه يخرج صائما ، وظاهر ما ذكروه أنه لا يلزم الصوم بأمره ، مع أنهم صرحوا بوجوب طاعته في غير المعصية ، وذكره بعضهم إجماعا ، قال في " الفروع " : ولعل المراد في السياسة والتدبير والأمور المجتهد فيها لا مطلقا ، ولهذا جزم بعضهم : يجب في الطاعة ، ويسن في المسنون ، ويكره في المكروه ( والصدقة ) لأنها متضمنة للرحمة المفضية إلى رحمتهم بنزول الغيث ( وترك التشاحن ) وهو تفاعل من الشحناء ; وهي العداوة لأنها تحمل على المعصية والبهت ، وتمنع نزول الخير بدليل قوله ـ عليه السلام ـ خرجت [ ص: 203 ] لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان فرفعت ( ويعدهم يوما ) أي : يعينه لهم ( يخرجون فيه ) ليتهيئوا للخروج على الصفة المسنونة ( ويتنظف لها ) من إزالة الرائحة وتقليم الأظفار ، ونحوهما ، لئلا يؤذي الناس ; وهو يوم يجتمعون له أشبه الجمعة ( ولا يتطيب ) وفاقا ; لأنه يوم استكانة وخضوع ( ويخرج متواضعا متخشعا متذللا متضرعا ) لما روى ابن عباس قال : خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا ، حتى أتى المصلى قال الترمذي : حديث حسن صحيح ( ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ) لأنه أسرع إلى إجابتهم ، وظاهره : تخرج العجائز ، ومن لا هيئة لها ، والأشهر : لا يستحب ، بل قال ابن عقيل : ظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز خروجهم ، وقيل : يستحب ; وهو ظاهر كلام جماعة ، ولا تخرج ذات هيئات ; لأن الضرر في خروجهن أكثر .

( ويجوز ) كالبهائم ; لأن الرزق مشترك بين الكل ، لكن المميز يستحب خروجه ( وقال ابن حامد : يستحب ) لما روى البزار مرفوعا لولا أطفال رضع ، وعباد ركع ، وبهائم رتع ، لصب عليكم العذاب صبا ، ولأنهم لا ذنوب لهم ، فيكون دعاؤهم مستجابا كالمشايخ ، والمذهب الأول ; لأن النص لا يدل على الاستحباب ، وإلا لزم استحباب خروج البهائم ، وفي " الفصول " نحن لخروج الشيوخ والصبيان أشد استحبابا ، قال : ويؤمر سادة العبيد بإخراج عبيدهم وإمائهم ، ولا يجب ، والمراد : مع عدم الفتنة ( وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا ) لأنه خروج لطلب الرزق ، والله ضمن أرزاقهم كما ضمن أرزاق المسلمين ، والمذهب يكره ، [ ص: 204 ] لأنهم أعداء الله فهم بعيدون من الإجابة ، وإذا غيث المسلمون فربما ظنوه بدعائهم ، ونقل الميموني أنه لا يكره ; وهو ظاهر كلام أبي بكر ( ولم يختلطوا بالمسلمين ) لقوله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة [ الأنفال : 25 ] ولأنه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب فيعم من حضر ، وظاهره : أنهم لا يفردون بيوم لئلا يتفق نزول غيث يوم خروجهم وحدهم فيكون أعظم لفتنتهم ، وربما افتتن بهم غيرهم ، وقال ابن أبي موسى والسامري ، وصاحب " التلخيص " : إفرادهم بيوم أولى لئلا يظنون إنما حصل من السقيا بدعائهم ، وفي خروج عجائزهم الخلاف ، ولا تخرج منهم شابة بلا خلاف في المذهب ، ذكره في " الفصول " ، وجعل أهل الذمة من خالف دين الإسلام في الجملة .

فائدة : يستحب الاستسقاء بمن ظهر صلاحه ; لأنه أقرب إلى الإجابة ، وقد استسقى عمر بالعباس ، ومعاوية بيزيد بن الأسود ، واستسقى به الضحاك بن قيس مرة أخرى ، ذكره المؤلف ، وقال السامري وصاحب " التلخيص " : لا بأس بالتوسل في الاستسقاء بالشيوخ والعلماء المتقين ، وقال في " المذهب " : ويجوز أن يتشفع إلى الله برجل صالح ، وقيل : يستحب . قال أحمد في " منسكه " الذي كتبه للمروذي : إنه يتوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في دعائه ، وجزم في " المستوعب " وغيره ( فيصلي بهم ) ركعتين كالعيد ، وعنه : بلا تكبير زائد ; وهو ظاهر الخرقي ، وفي " النصيحة " يقرأ في الأولى إنا أرسلنا نوحا وفي الثانية ما أحب

التالي السابق


الخدمات العلمية