صفحة جزء
[ ص: 220 ] فصل في غسل الميت .

غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية . وأولى الناس به وصيه ، ثم أبوه ، ثم جده ، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ، ثم ذوو أرحامه إلا الصلاة عليه ، فإن الأمير أحق بها بعد وصيه ، وغسل المرأة أحق الناس به الأقرب فالأقرب من نسائها ، ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه في أصح الروايتين . وكذلك السيد مع سريته . وللمرأة والرجل غسل من له دون سبع سنين ، وفي ابن السبع وجهان


فصل

في غسل الميت

( غسل الميت ) المسلم ( وتكفينه ، والصلاة عليه ، ودفنه ، فرض كفاية ) لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الذي وقصته راحلته اغسلوا بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه متفق عليه . من حديث ابن عباس ، وقال ـ عليه السلام ـ : صلوا على من قال : لا إله إلا الله رواه الخلال ، والدارقطني ، وضعف ابن الجوزي طرقه كلها ، والسترة واجبة في الحياة ، فكذا بعد الموت ، ولأن في تركه أذى للناس ، وهتكا لحرمته ، ولا نعلم فيه خلافا ، وظاهر " الوجيز " أن حمله فرض كفاية ، وصرح في المذهب بالاستحباب ، وأما اتباعه فسنة ، ذكره المؤلف وابن تميم لحديث البراء ، فعلى ما ذكره يسقط فرضها برجل أو خنثى أو امرأة .

ويسن لها الجماعة إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويشترط لغسله ماء طهور ، وإسلام غاسل ، وعقله ، ولو جنبا وحائضا ، وفي مميز روايتان كأذانه ، فدل على أنه لا يكفي من الملائكة ; وهو ظاهر كلام الأكثر ، وفي " الانتصار " يكفي إن علم .

تذنيب : كره أحمد للغاسل والحفار أخذ أجرة على عمله إلا أن يكون محتاجا ، فيعطى من بيت المال ، فإن تعذر أعطي بقدر عمله ، وذكر بعضهم أن [ ص: 221 ] ما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة أنه يجوز على الصحيح ، لكن ذكر القاضي في " الجامع " أنه إذا أعطي على الصلاة والحج وتعليم القرآن من غير شرط أنه يجوز ، وأحسنه كلامه في الخصال إذا اختص فاعله أن يكون من أهل القربة إذا فعله عن نفسه عاد نفعه إلى غيره كالجهاد ، والقضاء ، والإمامة ، جاز أخذ الرزق عليه ، وإن لم يعد نفعه إلى غيره لم يجز كالصلاة ، والصيام ، والحج ، وكل ما لم يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالبناء يجوز أخذ الأجرة عليه فقط .

( وأولى الناس به وصيه ) العدل ; لأن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء ، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ، ولأنه حق للميت يقدم فيه وصيه على غيره ، وقيل : أو فاسق ، وقيل : لا تصح الوصية بذلك ، وقيل : بالصلاة فقط مع وجود عصبته الصالح للإمامة ( ثم أبوه ) لاختصاصه بالحنو والشفقة ; لأنه مقدم على الابن في ولاية النكاح ، فكذلك في الصلاة ( ثم جده ) وإن علا ، فلمشاركة الأب في المعنى ، وعنه : يقدم الابن على الجد لا على الأب ، قال في " الفروع " : ويتوجه تخريج في نكاح ( ثم فالأقرب من عصباته ) فيقدم الابن ، ثم ابنه وإن نزل ، ثم الأخ من الأبوين ، ثم الأب على ترتيب الميراث ، وعنه : يقدم أخ وابنه على جد ، وعنه : سواء ( ثم ذوو أرحامه ) كالميراث ، ثم الأجانب ، وهم أولى من زوجه ، وأجنبية أولى من زوج وسيد ، وزوج أولى من سيد ، وزوجة أولى من أم ولد ، ثم صديقه ، قاله بعضهم . قال في " الفروع " : فيتوجه منه تقديم الجار على أجنبي ( إلا الصلاة عليه فإن الأمير ) وهو الإمام [ ص: 222 ] أو الحاكم من قبله ( أحق بها بعد وصيه ) لأنه ـ عليه السلام ـ كان يصلي على الجنائز ، ولم ينقل أنه كان يستأذن أحدا من العصبات ، وقد دل على أن الوصي يقدم على الأمير ; لأن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر ، قاله أحمد ، وقال : أوصى عمر أن يصلي عليه صهيب ، وأوصت أم سلمة أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، وأوصى أبو بكرة أن يصلي عليه أبو هريرة ، فإن قدم الوصي غيره ، فوجهان ، فإن وصى إلى اثنين قيل : يصليان معا ، وقيل : منفردين ، ووصيته إلى فاسق مبني على صحة إمامته .

( وغسل المرأة أحق الناس به ) وصيتها ، قاله في " المحرر " ، و " الفروع " زاد في " الوجيز " : وغير الفاسقة ، والمؤلف ترك ذكرها استغناء بما سبق ( الأقرب فالأقرب من نسائها ) فتقدم أمها وإن علت ، ثم بنتها وإن نزلت ، ثم القربى كالميراث ، وعمتها وخالتها سواء لاستوائهما في القربة والمحرمية ، وكذا بنت أخيها وبنت أختها ، وقيل : تقدم بنت الأخ ثم أقرب نساء محارمها ثم الأجنبيات .

فرع : تسن البداءة بمن يخاف عليه ، ثم بأقرب ، ثم بأفضل ثم بأسن ، ثم بقرعة ( ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه في أصح الروايتين ) هذا هو المذهب ; لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعائشة : ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك رواه أحمد ، والدارقطني بإسناد فيه ابن إسحاق ، وروى [ ص: 223 ] ابن المنذر أن عليا غسل فاطمة ، وقد روي عن عائشة أنها قالت : لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله إلا نساؤه . وقد وقع ولم ينكر ، ولأن آثار النكاح من عدة الوفاة والإرث باقية ، فكذا الغسل ، والثانية : ليس له ذلك ، لأنها فرقة تباح بها أختها ، وأربع سواها ، فوجب أن يحرم النظر واللمس كالمطلقة قبل الدخول ، ولأن البينونة حصلت بالموت ، وما زالت عصمة النكاح ، فلم يجز كالأجنبية ، وعنه : يجوز لعدم غيره ، فيحرم نظر عورة ، وحكي عنه المنع مطلقا كالمذهب فيمن أبانها في مرضه ، وعنه : يجوز لها دونه ، اختاره الخرقي ، وابن أبي موسى ، والفرق أن للمرأة رخصة في النظر للأجنبي ، بخلاف الرجل ، إذ محذور الشهوة فيها أخف ، وقد نفاه المؤلف ، وحمل كلامه على التنزيه ، وفيه نظر ، فإنه ظاهر رواية صالح ، وعلى الأولى يشمل ما قبل الدخول ، وأنها تغسله ، وإن لم تكن في عدة ، كما لو ولدت عقب موته ، والمطلقة الرجعية إن أبيحت ، وعنه : المنع بناء على تحريمها ( وكذلك السيد مع سريته ) لأنها فراش له ومملوكة ، وحكم الملك في إباحة اللمس والنظر حكم الزوجة في الحياة ، بل بقاء الملك أولى لبقاء وجوب تكفينها ، ومؤنة دفنها كالحياة بخلاف الزوجة ، والثانية : المنع ; لأن الملك ينتقل منها إلى غيره ، وعلى الأولى : لا يغسل أمته المزوجة والمعتدة من زوج ، فإن كانت في استبراء فوجهان ، ولا المعتق بعضها ، وحكم أم الولد كالأمة ، وفيه وجه ، لأنها عتقت بموته ، ولم يبق علقة من ميراث ونحوه .

فائدة : السرية : هي الأمة التي بوأها بيتا منسوبة إلى السر ; وهو الجماع ، وضموا السين ; لأن الحركات قد تغير في الأبنية خاصة ، كما قالوا في النسبة [ ص: 224 ] إلى الدهر دهري ، وقال الأخفش : هي مشتقة من السر ; لأنه يسر بها .

( وللمرأة والرجل غسل من له دون سبع سنين ) ذكرا كان أو أنثى ، نص عليه ، واختاره الأكثر ; لأنه لا عورة له بدليل أن إبراهيم ابن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غسله النساء ، قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه أن المرأة تغسل الصبي الصغير ، فتغسله مجردا بغير سترة ، وتمس عورته ، وتنظر إليها ، وعنه : الوقف في الرجل للجارية ، وقيل بمنعه ، اختاره المؤلف ، وصاحب " الوجيز " ; لأن عورتها أفحش ، وعنه : يغسل ابنته الصغيرة ، وعنه : يكره دون السبع إلى ثلاث ( وفي ابن السبع وجهان ) أحدهما : يجوز ، قدمه ابن تميم ; لأنه فاقد أهلية فهم الخطاب ، وليس محلا للشهوة ، أشبه الطفل ، لكن قال أحمد : يستر إذا بلغ السبع ، والثاني : لا ، اختاره أبو بكر ، وابن حامد ; وهو ظاهر " المحرر " ، و " الوجيز " ; لأنه بلغ سنا يحصل فيه التمييز ، أشبه من فوقها ، ولأنه مأمور بالصلاة والتفرقة بينهم في المضاجع ، وقيل : تحد الجارية بتسع لقول عائشة : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة . رواه أحمد ، وذكره البخاري ، وظاهره : أنه إذا زاد على السبع لا يغسله غير نوعه ، صرح به في " النهاية " وغيرها ; لأنه يصير محلا للشهوة ، ويحرم النظر إلى عورته المغلظة كالبالغ ، وعنه : إلى عشر ، اختاره أبو بكر ، أمكن الوطء أو لا .

التالي السابق


الخدمات العلمية