صفحة جزء
ويستر الميت عن العيون ، ولا يحضر إلا من يعين في غسله ، ثم يرفع رأسه برفق إلى قريب من الجلوس ، ويعصر بطنه عصرا رفيقا ، ويكثر صب الماء حينئذ ، ثم يلف على يده خرقة فينجيه . ولا يحل مس عورته ، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة ، ثم ينوي غسله ويسمي ، ويدخل إصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه ، فيمسح أسنانه ، وفي منخريه فينظفهما ، ويوضئه . ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه ، ويضرب السدر ، فيغسل برغوته رأسه ولحيته وسائر بدنه ، ثم يغسل شقه الأيمن ، ثم الأيسر . ثم يفيض الماء على جميع بدنه ، يفعل ذلك ثلاثا ، يمر يده في كل مرة ، فإن لم ينق بالثلاث ، أو خرج منه شيء غسله إلى خمس ، فإن زاد فإلى سبع . ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورا ، والماء الحار ، والخلال ، والأشنان يستعمل إن احتيج إليه ، ويقص شاربه ، ويقلم أظفاره . ولا يسرح شعره ولا لحيته ، ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ، ويسدل من ورائها . ثم ينشفه بثوب وإن خرج منه شيء بعد السبع حشاه بالقطن ، فإن لم يستمسك فبالطين الحر ، ثم يغسل المحل ويوضأ ، وإن خرج منه شيء بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل


( ويستر الميت عن العيون ) تحت ستر أو سقف ; لأنه ربما كان به عيب يستره في حياته ، أو تظهر عورته ، واستحب ابن سيرين أن يكون البيت مظلما ، ذكره أحمد ; لأنه أستر ، فدل على أنه لا يستحب تغسيله تحت السماء لئلا يستقبلها بعورته ، وللخبر ، ولا ينظر الغاسل إلا لما لا بد منه ( ولا يحضره إلا من يعين في غسله ) لأنه ربما حدث أمر يكره الحي أن يطلع منه على مثله ، وربما ظهر فيه شيء ; وهو في الظاهر منكر ، فيتحدث به ، فيكون فضيحة ، والحاجة غير داعية إلى حضوره ، بخلاف من يعين الغاسل بصب ونحوه ، واستثنى القاضي وابن عقيل : أن لوليه الدخول عليه كيف شاء ( ثم يرفع رأسه برفق إلى قريب من الجلوس ، ويعصر بطنه ) ليخرج ما في جوفه من نجاسة ( عصرا رفيقا ) لأن الميت في محل الشفقة والرحمة ، وعنه : يفعله في الثانية ، وعنه : بل في الثالثة ; لأنه لا يلين حتى يصيبه الماء ، ويستثنى منه الحامل فإنه لا يعصر بطنها لخبر رواه الخلال ، وظاهره أنه لا يجلسه ; لأن فيه أذية له ، ويكون ثم بخور لئلا يظهر منه ريح ( ويكثر صب الماء حينئذ ) ليذهب ما خرج ، ولا يظهر رائحته ( ثم يلف على يده خرقة فينجيه ) وفاقا ; لأن في ذلك إزالة النجاسة ، وطهارة للميت من غير تعدي النجاسة إلى الغاسل ، وظاهره أنه لا يكفي مسحها ، ولا وصول الماء ، بل يجب أن ينجى ، ويكفيه خرقة واحدة ، قاله في المجرد ، وقال غيره : بل لا بد لكل فرج من [ ص: 228 ] خرقة ; لأن كل خرقة خرج عليها شيء من النجاسة لا يعتد بها إلا أن تغسل ( ولا يحل مس العورة ) لأن النظر إليها حرام ، فمسها أولى ( ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة ) لفعل علي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليزيل ما على بدنه من النجاسة ، ويأمن مس العورة المحرم مسها قال ابن عقيل : بدنه عورة إكراما له من حيث وجب ستر جميعه فيحرم ، ولا يجوز أن يحضره إلا من يعين في أمره ; وهو ظاهر كلام أبي بكر ، فحينئذ يعد الغاسل خرقتين ، إحداهما للسبيلين ، والأخرى لبقية بدنه ( ثم ينوي غسله ) وهي فرض على الغاسل على الأصح لأنها طهارة تعبدية ، أشبهت غسل الجنابة . والثانية وهي ظاهر الخرقي ، وابن أبي موسى ، وابن عقيل في " التذكرة " : لا ; لأن القصد التنظيف أشبه غسل النجاسة ، والأولى أولى ، لأنه لو كان كذلك لما وجب غسل متنظف ، ولجاز غسله بماء الورد ونحوه ، وظاهر أنه لا يجب الفعل ، وهو وجه ، فلو كان الميت تحت ميزاب ، فنوى غسله إنسان ، ومضى زمن بعد النية أجزأ ويجب في آخر ; وهو ظاهر كلام أحمد ، فعلى هذا لا يجزئ ، فلو حمل ووضع تحت ميزاب بنية غسله أجزأ وجها واحدا ، وكذا حكم الغريق ( ويسمي ) وفيها الروايات السابقة ( أصبعيه ) وهما السبابة والإبهام بعد غسل كفيه ، نص عليه ( مبلولتين بالماء بين شفتيه ، فيمسح أسنانه ، وفي منخريه فينظفهما ) لإزالة ما على تلك الأعضاء من الأذى ، ولا يجب ذلك في الأصح ، والأولى أن يكون ذلك بخرقة ، نص عليه ، صيانة لليد ، وإكراما للميت ، قاله الزركشي ، وقال ابن أبي موسى : يصب الماء على فيه وأنفه ، ولا يدخله فيهما ( ويوضئه ) كوضوء الصلاة لما في الصحيح [ ص: 229 ] أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأم عطية في غسل ابنته : ابدأن بميامنها ، ومواضع الوضوء منها ، وظاهره أنه لا يمسح رأسه ، قال أحمد : يوضأ الميت مرة واحدة في الغسلة الأولى إلا أن يخرج منه شيء فيعاد ; وهو مستحب لقيام موجبه ; وهو زوال عقله ، وظاهر كلام القاضي وابن الزاغوني أنه واجب ( ولا يدخل الماء في فيه ، ولا كلاهما ) لأنه لا يؤمن معه وصوله إلى جوفه فيفضي إلى المثلة ، وربما حصل من الانفجار ، وبهذا علل أحمد ( ويضرب السدر فيغسل برغوته ) هو مثلث الراء ( رأسه ، ولحيته ، وسائر بدنه ) لقوله ـ عليه السلام ـ في المحرم : اغسلوه بماء وسدر ، وقوله للنساء اللاتي غسلن ابنته : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك ، بماء وسدر ولأن الرغوة تزيل الدرن ، ولا تعلق بالشعر ، وتزول بمجرد مرور الماء ، وصريحه أن استعماله يكون في جميع البدن ، وفي " الكافي " ، و " المحرر " ، وقدمه في " الفروع " أنه يكون في الرأس واللحية فقط ، ولا يشترط كونه يسيرا خلافا لابن حامد ، وقال : إنه الذي وجد عليه أصحابنا ؛ ليجمع بين العمل بالخبر ، ويكون الماء باقيا على إطلاقه ، وقال القاضي وأبو الخطاب : يغسل أول مرة بماء وسدر ثم يغسل عقب ذلك بالماء القراح ، فيكون الجميع غسلة واحدة ، والاعتداد بالآخر منهما ; لأن أحمد شبه غسله بغسل الجنابة ; لأن السدر إن كثر سلب الطهورية ، واليسير لا يؤثر بناء على أن الماء تزول طهوريته بتغيره بالطهارات ، والمؤلف لا يراه ، لكن إن غلب على أجزائه سلبه الطهورية قولا واحدا ، والمنصوص أنه يكون في كل الغسلات ( ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ) لقوله ـ عليه السلام ـ ابدأن بميامنها ولأنه مسنون في غسل الحي فكذا الميت [ ص: 230 ] ( ثم يفيض الماء على جميع بدنه ) ليعمه بالغسل ، وصفته أن يغسل رأسه ولحيته أولا ، ثم يده اليمنى من منكبه إلى كتفه ، وصفحة عنقه اليمنى ، وشق صدره وفخذه وساقه ، فيغسل الظاهر منه ; وهو مستلق ، ثم يغسل الأيسر كذلك ، ثم يرفعه من جانبه الأيمن ، ولا يكبه لوجهه ، فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ، ثم يغسل شقة الأيسر كذلك ، ذكره القاضي والمؤلف ، فيفرغ من غسله مرة في أربع دفعات ، وظاهر كلام أحمد ، وأبي الخطاب ، وقاله المجد : يفعل ذلك في دفعتين ، فيحرفه أولا على جنبه الأيسر ، فيغسل شقه الأيمن من جهة ظهره وصدره ، ثم يحرفه على جنبه الأيمن ويغسل الأيسر كذلك ، والأول أبلغ في التنظيف ، وكيفما فعل أجزأه ( فيفعل ذلك ثلاثا ) لما تقدم إلا الوضوء فإنه مختص بأول مرة ، وقيل : يعاد ، وحكي رواية . والتثليث مستحب ، ويجزئ مرة كالجنابة ، لكن يكره الاقتصار عليها ، نص عليه ( يده في كل مرة ) على بطنه برفق ; لأن فيه إخراجا لما تخلف ، وأمنا من فساد الغسل بما يخرج منه بعد ( فإن لم ينق بالثلاث أو خرج منه شيء غسله إلى خمس ، فإن زاد فإلى سبع ) لما سبق ، واختار أبو الخطاب ، وابن عقيل : أنه إذا خرج منه نجاسة بعد الثالثة أنه لا يعاد غسله ، بل غسل محل النجاسة ويوضأ ; لأن حكم الحي كذلك ، فالميت مثله ، والمذهب خلافه ; لأن الظاهر أن الشارع إنما كرر الأمر بغسلها من أجل توقع النجاسة ، وظاهره : أن الخارج لا فرق بين أن يكون من السبيلين أو من غيرهما ، وعنه : في الدم هو أسهل ، فعليها في الإعادة احتمالان .

[ ص: 231 ] فائدة : يستحب خضب لحية الرجل ورأس المرأة بالحناء ، نص عليه ( ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورا ) لقوله ـ عليه السلام ـ واجعلن في الآخرة كافورا متفق عليه ، ولأنه يصلب الجسم ، ويبرده ، ويطيبه ، ويطرد عنه الهوام بريحه ، قيل : مع السدر ، نقله الجماعة ، وعليه العمل ، ذكره الخلال ، وقيل : وحده في ماء قراح ، وقيل : يجعل في الكل ( والماء الحار والخلال ) هو العود الذي يتخلل به ( والأشنان يستعمل إن احتيج إليه ) كشدة برد أو إزالة وسخ ; لأن إزالته مطلوبة شرعا ، والمستحب أن تكون الخلال من شجرة لينة تنقي من غير جرح كالصفصاف ونحوه ، وظاهره : أنه إذا لم يحتج إليه لا يستعمله ، وصرح جماعة بالكراهة ; وهو الأصح ، بلا حاجة ; لأن السنة لم ترد به ، والمسخن يرخيه ، واستحبه ابن حامد ; لأنه ينقي ما لا ينقي البارد .

( ويقص شاربه ، ويقلم أظافره ) أي : إن طال لقول أنس : اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم . ولأن تركه يقبح منظره ، فشرع إزالته ، كقبح عينيه ، ولأنه فعل مسنون في الحياة لا مضرة فيه ، أشبه الغسل ، وعنه : لا يقلم أظافره بل ينقي وسخها لكونها لا تظهر ; وهو ظاهر الخرقي ، فيخرج في نتف الإبط وجهان ، ويأخذ شعر إبطه في المنصوص ، وكذا عانته ، قاله في " المحرر " ، وتزال بالموسى أو المقراض ، نص عليه ، لفعل سعد بن أبي وقاص ، وقال القاضي : بنورة لأنها أسهل ، ولا يمسها بيده بل بحائل ، والمذهب أنها لا تؤخذ لما فيه من لمس العورة ، وربما احتاج إلى نظرها ; وهو محرم ، فلا [ ص: 232 ] تفعل لأجل مندوب ، وهذا في غير المحرم ، ويدفن معه ما أخذ منه كعضو ساقط ، ويعاد غسله ، نص عليه ; لأنه جزء منه كعضو ، والمراد : يستحب ، وظاهره : أنه لا يحلق رأسه ، وظاهر كلام جماعة يكره ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ، ورد بأنه ليس من السنة في الحياة ، وإنما يراد به الزينة أو النسك ، وهما لا يطلبان هنا ، وكذا لا يختن ; لأنه إبانة جزء من أعضائه .

مسألة : يزال عظم نجس جبر به كسر إذا أمكن من غير مثلة كالحياة ، وقيل : لا ، وقيل : عكسه ، فإن كانت عليه جبيرة قلعت للغسل الواجب ، وإن سقط منه شيء بقيت ومسح عليها ، ولا يبقى خاتم ونحوه ، ولو ببردة ; لأن بقاءه إتلاف لغير غرض صحيح قال أحمد : يربط أسنانه بذهب إن خيف سقوطها وقيل : لا يجوز ، كما لو سقطت لم تربط به في الأصح ، ويؤخذ إن لم تسقط ( ولا يسرح شعره ، ولا لحيته ) نص عليه ، لقول عائشة : علام تقصون ميتكم ؛ أي : لا تسرحوا رأسه بالمشط ; لأنه يقطع الشعر وينتفه ، وقال القاضي وغيره يكره ، واستحبه ابن حامد إذا كان خفيفا ، وحكى ابن المنجا عنه ، وعن أبي الخطاب استحباب تسريح الشعر مطلقا ( ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ، ويسدل من ورائها ) نص عليه ، لقول أم عطية : فضفرنا شعرها ثلاثة قرون ، وألقيناه من خلفها . رواه البخاري ، ولمسلم : فضفرنا شعرها ثلاثة قرون ، قرنيها وناصيتها ، وقال أبو بكر : أمامها ; لأنه يضفر على صدرها قيل لأحمد : العروس تموت [ ص: 233 ] فتجلى ، فأنكره شديدا ( ثم ينشفه بثوب ) هكذا فعل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولئلا ينبل كفنه فيفسد به ، وفي " الواضح " لأنه سنة في الحي في رواية ، ولا يتنجس ما نشف به في المنصوص ( وإن خرج منه شيء بعد السبع حشاه ) أي : محل الخارج ( بالقطن ) لمنع الخارج ، وكالمستحاضة ، وقال أبو الخطاب وصاحب " النهاية " : إنه يلجم المحل بالقطن ، فإن لم يمتنع حشاه به ، إذا الحشو يوسع المحل ، فلا يفعل إلا عند الحاجة ( فإن لم يستمسك ) الخارج ( بالقطن فبالطين الحر ) أي : الخالص ; لأنه له قوة تمنع الخارج ، وعنه : يكره وفاقا لمشايخ الحنفية ، وظاهره أنه لا يعاد غسله بعد السبع ، نص عليه ، وجزم به الأكثر ; لأنه ـ عليه السلام ـ لم يزد عليها ، وقال جماعة : إنه يعاد غسله ; لأن الزيادة على الثلاث لأجل الإنقاء ، فكذا ما بعد السبع ( ثم يغسل المحل ) أي : محل النجاسة ( ويوضأ ) وجوبا كالجنب إذا أحدث بعد غسله لتكون طهارته كاملة ، وعنه : لا ; وهي ظاهر الخرقي للمشقة والخوف عليه ( وإن خرج منه شيء بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل ) بل يحمل على حاله دفعا للمشقة ; لأنه يحتاج إلى إخراجه وإعادة غسله وتطهير أكفانه وتجفيفها أو إبدالها فيتأخر دفنه ; وهو مخالف للسنة ، ثم لا يؤمن مثل هذا بعده ، وظاهره : لا فرق بين الخارج أن يكون قليلا أو كثيرا ، وعنه : يعاد غسله ويطهر كفنه ، وعنه : من الكثير ، لكن إن وضع على الكفن ولم يلف ، ثم خرج منه شيء أعيد غسله ، قاله ابن تميم .

التالي السابق


الخدمات العلمية