صفحة جزء
والشهيد لا يغسل . إلا أن يكون جنبا ، بل ينزع عنه السلاح ويزمل في ثيابه . وإن أحب كفنه بغيرها ، ولا يصلى عليه في أصح الروايتين . وإن سقط من دابته أو وجد ميتا ولا أثر به أو حمل ، فأكل أو طال بقاؤه ، غسل وصلي عليه . ومن قتل مظلوما فهل يلحق بالشهيد ؛ على روايتين .


( والشهيد ) وهو من قتل بأيدي الكفار في معركتهم ( لا يغسل ) لما روى جابر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر بدفن قتلى أحد في دمائهم ، ولم يغسلهم ، ولم يصل عليهم رواه البخاري ، ولأحمد معناه ، وظاهره : ولو كان غير مكلف صرح به في [ ص: 235 ] " الفروع " ، وجزم أبو المعالي بتحريمه ، وحكي رواية ; لأنه أثر الشهادة والعبادة وهو حي . ( إلا أن يكون جنبا ) فإنه يغسل على الصحيح لما روى ابن إسحاق في المغازي عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : إن صاحبكم لتغسله الملائكة ، يعني حنظلة ، قالوا لأهله : ما شأنه ؛ فقالت : خرج وهو جنب حين سمع الهائعة ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لذلك غسلته الملائكة وفي " الكافي " أنه رواه أبو داود الطيالسي ، ولأنه غسل واجب لغير الموت فلم يسقط كغسل النجاسة ، والثانية : لا يجب للعموم ، ومثله حائض ونفساء طهرتا أولا ، وعلى الوجوب لو مات وعليه حدث أصغر ، فهل يتوضأ ؛ على وجهين ، وظاهره : أنه إذا أسلم ثم استشهد أنه لا يغسل للإسلام ; لأن أصرم بن عبد الله الأشهل أسلم يوم أحد ثم قتل فلم يأمر بغسله ، وقيل : يجب ، قدمه في " الفروع " ; وهو ظاهر " الوجيز " لقوله : ولا يغسل شهيد إلا لموجبه ( بل ينزع عنه ) أي : عن الشهيد لأمة الحرب من ( السلاح والجلود ) لما روى ابن عباس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر يوم أحد بالشهداء أن ينزع عنهم الحديد والجلود ، وقال : ادفنوهم بدمائهم رواه أحمد ، وأبو داود ، وفيه علي بن عاصم ، وفيه ضعف ، وكذا ينزع عنه خف وفرو ، نص عليه ، وتغسل نجاسة عليه ، ويجب بقاء دم لا تخالطه نجاسة ، فإن خالطته غسل في الأصح ( ويزمل ) أي : يلف ( في ثيابه ) ويدفن فيها ، لما روى أحمد عن [ ص: 236 ] عبد الله بن ثعلبة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يوم أحد : زملوهم في ثيابهم والمنصوص عنه ; وهو المذهب : أن ذلك واجب ; لأنه أثر العبادة ، فعليه لا يزاد ولا ينقص بحسب المسنون ، ويرد عليه لو كان لابسا الحرير ولعله غير مراد ، وذكر القاضي في تخريجه : لا بأس بهما ( وإن أحب كفنه ) الوالي ( بغيرها ) تبع القاضي في " المجرد " ، وحكاه في " المحرر " قولا ، ونسبه الزركشي إلى الشذوذ ، لما روي أن صفية أرسلت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثوبين ليكفن فيهما حمزة ، فكفنه في أحدهما ، وكفن في الآخر رجلا آخر رواه يعقوب بن شيبة ، وقال : هو صالح الإسناد ، وأجاب في " الخلاف " بأنه يحتمل أن ثيابه سلبت ، أو أنهما ضما إلى ما كان عليه ، وقد روى في المعتمد ما يدل عليه ( ولا يصلى عليه في أصح الروايتين ) اختاره القاضي وأصحابه ، وجزم به في " الوجيز " للأخبار ، وهل ذلك لكونهم أحياء عند ربهم ، أو لغناهم عن الشفاعة ، فيه احتمالان ، والثانية : يصلى عليه ، اختاره الخلال وأبو بكر وأبو الخطاب لصلاته ـ عليه السلام ـ على أهل أحد متفق عليه . من حديث عقبة بن عامر ، وجوابه بأنه مخصوص بشهداء أحد بدليل أنه صلى عليهم بعد ثمان سنين . رواه البخاري . توديعا للأحياء والأموات ، والثالثة : يخير لتعارض الأخبار ، فيخير ، كرفع اليدين إلى الأذنين أو إلى المنكبين ، وحكي عنه التحريم .

( وإن سقط من دابته أو وجد ميتا ولا أثر به ، أو حمل ) بعد جرحه ( فأكل ، أو طال بقاؤه غسل وصلي عليه ) وفيه أمور .

أحدها : أنه إذا سقط في المعركة من دابة أو شاهق أو تردى في بئر [ ص: 237 ] فمات فيها أنه يغسل ويصلى عليه ; لأن موته بسبب ذلك ، أشبه ما لو مات بغير قتل المشركين ، وشرطه أن يكون بغير فعل العدو فأما إذا كان بفعلهم فلا .

الثاني : إذا وجد ميتا ولا أثر فكذلك ; لأن الأصل وجوب الغسل والصلاة ، فلا يسقط بالاحتمال ، وعنه : لا ; لأنه مات بسبب من أسباب القتال ، وظاهره أنه إذا كان به أثر فإنه لا يغسل ، زاد أبو المعالي : لا دم من أنفه أو دبره أو ذكره ; لأنه معتاد ، قال القاضي وغيره : اعتبرنا الأثر هنا احتياطا للغسل ، ولم نعتبره في القسامة احتياطا ، لوجوب الدم ، فإن مات حتف أنفه غسل ، كمن رد عليه سهمه فقتله ، نص عليه ، ونصر المؤلف أنه كقتل الكفار ; لأن عامر بن الأكوع بارز رجلا يوم خيبر فعاد عليه سيفه فقتله فلم يفرد عن الشهداء بحكم ، وهذا هو الظاهر .

الثالث : أنه إذا حمل بعد جرحه فأكل ، أنه يغسل لتغسيله ـ عليه السلام ـ سعد بن معاذ ، ولأن الأكل لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة ، وظاهره : إذا شرب أو تكلم أنه لا يغسل ، ولا يصلى عليه ، صححه المؤلف ، وابن تميم ; لأنه ـ عليه السلام ـ لم يغسل سعد بن الربيع ، وأصرم بن عبد الأشهل ، وقد تكلما وماتا بعد انقضاء الحرب ، ولكن قدم السامري ، وابن تميم ، والمجد والجد أن من شرب أو نام أو بال كمن أكل ، زاد جماعة : أو عطس .

الرابع : أنه إذا طال بقاؤه عرفا لا وقت صلاة أو يوما وليلة ; وهو يعقل ، لأنها تقتضي حياة مستقرة ، وظاهر " الخرقي " أنه لا يشترط لغسله والصلاة عليه طول الفصل ، بل لو مات عقب الحمل وفيه رمق ، فإنه يغسل ويصلى [ ص: 238 ] عليه ، وأورده المجد مذهبا ، ونقل جماعة : إنما يترك غسل من قتل في المعركة .

( ومن قتل مظلوما فهل يلحق بالشهيد ؛ على روايتين ) إحداهما : يلحق به ، قدمه في " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " ، وصححه في " الفروع " فعليها لا يغسل ، ولا يصلى عليه ، كشهيد المعركة ، والثانية : لا ; لأن عمر ، وعثمان ، وعليا ، والحسين قتلوا ظلما ، وغسلوا ، وصلي عليهم ، ولأنه ليس بشهيد المعركة ، أشبه المبطون ، وعلى الأولى : من بغي عليه لا يغسل ، وفي الصلاة عليه وجهان ، والمذهب : أن كل شهيد غسل صلي عليه وجوبا ، ومن لا يغسل لا يصلى عليه .

تذنيب : يغسل الباغي ويصلى عليه ، اختاره الخرقي والقاضي ، وفيه وجه : يلحق بشهيد أهل العدل ، للمشقة ; لأنه لم ينقل غسل أهل الجمل وصفين من الجانبين ، وقال ابن تميم : من قتله المسلمون أو الكفار خطأ غسل ، رواية واحدة ، وكذا النفساء تغسل ، ويصلى عليها كالشهيد بغير قتل ، كحريق وغرق وهدم ، وهم بضعة عشر ، ومن أغربها ما رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف ، والدارقطني وصححه عن ابن عباس مرفوعا موت الغريب شهادة ، وأغرب منه ما ذكره أبو المعالي ، وابن المنجا ، وبعض الشافعية : أن العاشق منها ، وأشاروا إلى الخبر المرفوع من عشق وعف ، وكتم فمات مات شهيدا . وهذا الخبر مذكور في ترجمة سويد بن سعيد فيما أنكر عليه ، قاله ابن عدي ، والبيهقي .

[ ص: 239 ] مسألة : قاطع الطريق يقتل أولا ويغسل ويصلى عليه ثم يصلب ، وقيل : يؤخران عن الصلب ، قاله في " التلخيص " .

التالي السابق


الخدمات العلمية