صفحة جزء
ويدخل قبره من عند رجل القبر . إن كان أسهل عليهم . ولا يسجى القبر إلا أن يكون لامرأة ، ويلحد له لحدا . وينصب اللبن عليه نصبا ، ولا يدخله خشبا ، ولا شيئا مسه النار ، ويقول الذي يدخله القبر : بسم الله وعلى ملة رسول الله ، ويضعه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ، ويحثي التراب في القبر ثلاث حثيات ، ثم يهال عليه التراب .


( ويدخل قبره من عند رجل القبر ) أي : من شرقه ثم يسله سلا ، [ ص: 268 ] لأنه ـ عليه السلام ـ سل من قبل رأسه سلا ، وعبد الله بن يزيد أدخل الحارث قبره من قبل رجل القبر ، هذا من السنة ، رواه أحمد ، ولأنه ليس بموضع موجه بل دخول ، ودخول الرأس أولى ، كعادة الحي لكونه يجمع الأعضاء الشريفة ، ولهذا يقف عند رأسه في الصلاة ، ويبدأ به في حمله ( إن كان أسهل عليهم ) كذا ذكره جماعة منهم المجد ; لأن في ضدها ضررا ومشقة ; وهو منفي شرعا ، ولم يقبل منه في " الوجيز " ، و " الفروع " ، وظاهر كلامه أنه يدخله معترضا من قبلته إذا لم يسهل من عند رجل القبر ، وخرج به في " المحرر " ، وقيل : يبدأ بإدخال رجله من عند رأسه ذكره ابن الزاغوني ، وظاهره أنه لا توقيت فيمن يدخله بحسب الحاجة كسائر أموره ، وقيل : الوتر أفضل ، وأنه لا حد لعمقه ، نص عليه ; لقوله احفروا ، وأعمقوا ، وأحسنوا رواه النسائي قال أحمد : يعمق إلى الصدر ، وقدره أكثر أصحابنا بقامة وبسطة ، وذكره جماعة نصا ، والبسطة : الباع ، وجعلهما في " الوسيلة " أربعة أذرع ونصفا نصا ، وبالجملة يكفي ما يمنع الرائحة والسباع ، ولا يجوز جعله على الأرض ، وموضع فوقه خشبا لا في تراب ; لأنه ليس بسنة ، كما لا يجوز ستره إلا بالثياب ، ذكره ابن عقيل .

تنبيه : الأحق بالتلقين والدفن أحقهم بالغسل . وذكر المجد وابن تميم أنه يستحب أن يتولى دفن الميت غاسله ، فيقدم الوصي ثم فالأقرب ثم الرجال الأجانب ثم النساء المحارم بدفنها ثم الأجنبيات ، والمرأة محارمها الرجال أولى من الأجانب ، ومن محارمها النساء بدفنها ،وهل يقدم الزوج على محارمها [ ص: 269 ] الرجال أم لا ؛ فيه روايتان ، فإن عدما ، فالرجال الأجانب أولى في المشهور ، وعنه : نساء محارمها ، قدمه المؤلف ، وذكر أنه أولى ، وشرطه عدم محذور من تكشفهن بحضرة الرجال أو غيره قال المجد : أو اتباعهن الجنازة ، ويقدم من الرجال خصي ثم شيخ ثم أفضل دينا ومعرفة ، ومن بعد عهده بجماعة أولى ممن قرب .

فرع : لا يكره للرجال دفن امرأة مع حضور محرم ، نص عليه ، قال في " الفروع " : ويتوجه احتمال يحملها من المغتسل إلى النعش ، ويسلمها إلى من في القبر ، ويحل عقد الكفن ، وقاله الشافعي في " الأم " ، ومتى كان الأولى بغسله الأولى بدفنه تولاهما بنفسه ، ثم نائبه إن شاء ( ولا يسجى القبر إلا أن يكون لامرأة ) فإنه يسن تغطية قبرها بغير خلاف نعلمه لأنها عورة ، ولا يؤمن أن يبدو منها شيء فيراه الحاضرون ، وظاهر كلام " الوجيز " ولو كانت صغيرة ، ويكره ستر قبر الرجل ، نص عليه ، لقول علي وتقدم بقوم دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب فجذبه ، وقال : إنما يصنع هذا بالنساء . رواه سعيد ، ولأن كشفه أمكن وأبعد من التشبه بالنساء ، فإن كان ثم عذر من مطر ونحوه لم يكره ( ويلحد له لحدا ) لقول سعد : الحدوا لي لحدا ، وانصبوا اللبن علي نصبا ، كما صنع برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واللحد إذا بلغ الحافر قرار القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه الميت ; وهو أفضل من الشق على الأصح ، وهو أن يحفروا أرض القبر شقا يضع فيه الميت ويسقف عليه شيء ، فيكره الشق بلا عذر ، فلو تعذر اللحد لكون التراب ينهار يبنيه بلبن وحجارة إن أمن ، نص [ ص: 270 ] عليه ، ولا يشق إذن . قال أحمد : لا أحب الشق ، لما روى ابن عباس مرفوعا اللحد لنا ، والشق لغيرنا رواه أحمد والترمذي وقال : غريب ( وينصب اللبن عليه نصبا ) لحديث سعد ، وإن جعل عليه طن قصب جاز ، لقول عمرو بن شرحبيل : رأيت المهاجرين يستحبون ذلك ، ولكن اللبن أفضل ; لأنه من جنس الأرض ، وأبعد من أبنية الدنيا ، وعنه : القصب ، اختارها الخلال وصاحبه ، وابن عقيل ; لأنه ـ عليه السلام ـ خرج على قبره طن من قصب ، وفي " المحرر " هما سواء ، ويسد الخلل بما يمنع التراب من طين وغيره ، قال أحمد : ويسد الفرجة بحجر ، فدل أن البلاط كاللبن ، وإن كان اللبن أفضل ( ولا يدخله خشبا ) بلا ضرورة ( ولا شيئا مسه النار ) لقول إبراهيم : كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر ، ولأن فيه تشبها بأهل الدنيا ، وتفاؤلا أن لا تمسه النار ، ويكره دفنه في تابوت ولو كان الميت امرأة ، أو في حجر منقوش ، قال بعضهم : أو يجعل فيه حديد ، ولو كانت الأرض رخوة أو ندية ( ويقول الذي يدخله القبر : بسم الله ، وعلى ملة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) لقول ابن عمر كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا وضع الميت قال ذلك ، وفي لفظ وعلى سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ روى ذلك أحمد والترمذي ، وقال : حسن غريب ، وعنه يقول : اللهم بارك في القبر وصاحبه ، وإن قرأ منها خلقناكم الآية ، وأتى بذكر أو دعاء لائق عند وضعه وإلحاده ، فلا بأس لفعله ـ عليه السلام ـ وفعل الصحابة ( ويضعه في لحده على جنبه [ ص: 271 ] الأيمن مستقبل القبلة ) لأنه ـ عليه السلام ـ هكذا دفن ، والمذهب عند القاضي وأصحابه والمؤلف ، وقدمه في " الفروع " يجب دفنه مستقبل القبلة ، وعند صاحب " الخلاصة " و " المحرر " وظاهر كلامه : أنه يستحب كجنبه الأيمن ، وظاهره : أنه لا يجعل تحت رأسه شيئا لقول عمر : إذا جعلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض . واستحب عامتهم أن يجعل تحت رأسه لبنة كالمخدة للحي ، ويجعل قدامه وخلفه ما يمنع وقوعه على قفاه أو وجهه ، وفي " الشرح " ، و " الفروع " يدنيه من قبلة اللحد ، ويسند خلفه ، ويكره المرقعة والمضربة ، نص عليه ، وكذا قطيفة تحته لكراهة الصحابة ; وهو قول الأكثر ، ونص أنه لا بأس بها من علة في الأرض ، وعنه : مطلقا ، وقيل : يستحب ; لأن شقران وضع في قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قطيفة حمراء ، لكن من غير اتفاق منهم ( ويحثي التراب في القبر ثلاث حثيات ) استحبابا لما روى جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا رواه الشافعي ، وروي عن علي ، وابن عباس ، وأن يكون ذلك باليد ، قاله في " المحرر " ، و " الفروع " ; وهو شامل لحاضر به ، زاد ابن تميم : من قبل رأسه ، لفعله ـ عليه السلام ـ رواه ابن ماجه ، وقيل : من دنا منه ، وعنه : لا بأس بذلك ، وذكر ابن منجا : أنه ينبغي أن يقول إذا حثى الأولى منها خلقناكم وفي الثانية وفيها نعيدكم وفي الثالثة ومنها نخرجكم تارة أخرى ( ثم يهال ) أي : يصب ( عليه التراب ) لقول عائشة : ما علمنا بدفن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى سمعنا صوت المساحي رواه أحمد [ ص: 272 ] وقالت فاطمة لأنس : كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؛ رواه البخاري . ويكره أن يزاد في القبر من غير ترابه ، نص عليه ، لنهي عقبة عنه ، رواه أحمد . قال في " الفصول " : إلا أن يحتاج إليه ، ولا بأس بتعليمه بحجر أو خشبة ونحوهما عند رأسه ، نص عليه ; لأنه ـ عليه السلام ـ ترك عند قبر عثمان بن مظعون صخرة رواه أبو داود ، ونص عليه ابن تميم

التالي السابق


الخدمات العلمية