صفحة جزء
ويرفع القبر عن الأرض مسنما ، ويرش عليه الماء . ولا بأس بتطيينه ، ويكره تجصيصه ، والبناء والكتابة عليه . والجلوس ، والوطء عليه ، والاتكاء إليه . ولا يدفن فيه اثنان إلا لضرورة ، ويقدم الأفضل إلى القبلة . ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب . وإن وقع في القبر ما له قيمة ، نبش وأخذ .


( ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر ) لأنه ـ عليه السلام ـ رفع قبره عن الأرض قدر شبر رواه الساجي من حديث جابر ، ولأنه يعلم فيتوقى ويترحم عليه ، ويكره فوق شبر ; لأن فضالة أمر بقبر فسوي ، وقال : سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر بذلك رواه مسلم ، وحمله المجد على تقريبه من الأرض ، والمنع عن علوها الفاحش ( مسنما ) لما روى البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسنما ، ولأن التسطيح يشبه أبنية أهل الدنيا ; وهو شعار أهل البدع فكان مكروها ، وقال الشافعي : التسطيح أفضل ، وخالفه كثير من أصحابه ، قال : وبلغنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سطح قبر ابنه إبراهيم ; وهو محمول على أنه سطح جوانبها وسنم سطحها ، لكن يستثنى منها إذا دفن بدار الحرب بعد تعذر نقله ، فالأولى تسويته بالأرض وإخفاؤه ، قاله أبو المعالي وغيره ( ويرش عليه الماء ) لأنه ـ عليه السلام ـ رش على قبر سعيد ماء رواه ابن ماجه من حديث أبي رافع ، وروى الخلال بإسناده أنه رش على قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الماء ولأن الماء يلبده ، وهو آثار الرحمة ، ويوضع عليه حصى صغار ، وظاهر كلام جماعة أنه يعمه بها ليحفظ ترابه ، وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي [ ص: 273 ] رش على قبر ابنه ماء ، ووضع عليه حصى رواه الشافعي ( ولا بأس بتطيينه ) قاله أحمد ; لأنه ـ عليه السلام ـ طين قبره ولأن فيه صيانة عن الدرس ، وكرهه أبو حفص ، وقيل : يستحب ، والنهي الوارد فيه محمول على طين فيه تحسين للقبر وزينة ( ويكره تجصيصه ) وتزويقه وتحليقه ; وهو بدعة ( والبناء ) عليه ، أطلقه أحمد والأصحاب . لاصقة أو لا ، لقول جابر نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه رواه مسلم ، وذكر جماعة أنه لا بأس بالقبة والبيت والحظيرة في ملكه ، قال المجد : ويكره في صحراء للضيق والتشبه بأبنية الدنيا ، وكره في " الوسيلة " البناء الفاخر كالقبة ، وظاهره لا بأس ببناء ملاصق ; لأنه يراد لتعليمه وحفظه دائما ، فهو كالحصباء ، ولم يدخل في النهي ; لأنه خرج على المعتاد أو يخص منه ، وعنه : منع البناء في وقف عام ، وقال الشافعي : رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما تبقى ، والمنقول هنا المنع خلاف ما اقتضاه كلام ابن تميم ، يؤيده ما نقله أبو طالب عنه عمن اتخذ حجرة في المقبرة لغيره ، قال : لا يدفن فيها ، والمراد لا يختص به وهو لغيره ، وجزم ابن الجوزي : بأنه يحرم قبر في مسبلة قبل الحاجة ، فهاهنا أولى ، وتكره الخيمة والفسطاط ، نص عليه ، لأمر ابن عمر بإزالته ، وقال : إنما يظله عمله ، وظاهر ما سبق أن الصحراء أفضل ; لأنه ـ عليه السلام ـ كان يدفن أصحابه بالبقيع ; وهو أشبه بمساكن الآخرة ، وأكثر للدعاء له ، والترحم عليه ، سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واختار صاحباه الدفن عنده تشرفا وتبركا ، ولم يزد عليهما ; لأن الخرق يتبع ، والمكان ضيق ، وجاءت أخبار تدل على دفنهم كما وقع ، ذكرها المجد . ( والكتابة عليه ) لما روى الترمذي وصححه من حديث جابر مرفوعا نهى أن [ ص: 274 ] تجصص القبور ، وأن يكتب عليها ، وأن توطأ ( والجلوس ) لما روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير أن يجلس على قبر ( والوطء عليه ) لما روى ابن ماجه والخلال مرفوعا لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي [ من ] أن أطأ على قبر مسلم ، وفي " الكافي " إن لم يكن له طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطء جاز للحاجة ( والاتكاء إليه ) لما روى أحمد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى عمرو بن حزم متكئا على قبر فقال : لا تؤذه .

مسألة : لا يجوز الإسراج على القبور ، ولا اتخاذ المساجد عليها ، ولا بينها قال الشيخ تقي الدين : ويتعين إزالتها لا أعلم فيه خلافا ، ولا تصح الصلاة فيها على ظاهر المذهب . فلو وضع المسجد والقبر معا لم يجز ، ولم يصح الوقف ولا الصلاة ، قاله في " الهدي " وفي " الوسيلة " يكره اتخاذ المساجد عندها ، ويكره الحديث عندها ، والمشي بالنعل فيها ، ويسن خلعه إلا خوف نجاسة أو شوك ، نص عليه .

فصل

يستحب الدعاء له عند القبر بعد دفنه ، نص عليه ، فعله أحمد جالسا ، واستحب الأصحاب وقوفه ، ونص أحمد أنه لا بأس به ، وقد فعله علي والأحنف ، وقال أبو حفص : هو بدعة ، واستحب الأكثر تلقينه بعد دفنه ، لقول راشد بن سعد ، [ ص: 275 ] وضمرة بن حبيب ، وحكيم بن عمير : كانوا يستحبون أن يقال عند قبره : يا فلان قل لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد . رواه عنه أبو بكر بن أبي مريم ; وهو ضعيف ، ولحديث أبي أمامة ، رواه ابن شاهين والطبراني . فيجلس الملقن عند رأسه ، وقال أحمد : ما رأيت أحدا يفعله إلا أهل الشام ، وقال الشيخ تقي الدين : تلقينه مباح عند أحمد وأصحابه ، ولا يكره . وفي تلقين غير المكلف وجهان بناء على نزول الملكين ، وسؤاله ، وانتخابه النقي قول القاضي ، وابن عقيل ، والإثبات قول أبي حكيم ، وحكاه ابن عبدوس عن الأصحاب ، وصححه الشيخ تقي الدين .

( ولا يدفن فيه اثنان ) أي : يحرم دفن اثنين فأكثر في قبر ; لأنه ـ عليه السلام ـ كان يدفن كل ميت في قبر ، وعلى هذا استمر فعل الصحابة ، ومن بعدهم ، وعنه : يكره اختاره ابن تقي الدين ، قال في " الفروع " : وهي أظهر ، وعنه : يجوز ; وهو ظاهر الخرقي ، نقل أبو طالب : لا بأس به ، وقيل : يجوز في المحارم ، وقيل : فيمن لا حكم لعورته ، وعلى الأول : لا فرق بين أن يدفنا معا أو أحدهما بعد الآخر ، لكن إن لم يبل لم يجز ، نص عليه ، وإن بلي جاز في الأصح ، ويعمل بقول أهل الخبرة بتلك الأرض ، وإن حفر فوجد عظام الميت دفنها ، وحفر في مكان آخر ، نص عليه ( إلا لضرورة ) وككثرة الموتى ، وقلة من يدفنهم ، وخوف الفساد عليهم ; لقوله ـ عليه السلام ـ يوم أحد : ادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد رواه النسائي ( ويقدم الأفضل إلى القبلة ) لقوله ـ عليه السلام ـ قدموا أكثرهم قرآنا حين سألوه [ ص: 276 ] من يقدم فيه ؛ رواه النسائي والترمذي وصححه ، وكما يقدم إلى الإمام في الصلاة ( ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب ) نص عليه ، ليصير كل واحد كأنه في قبر منفرد ، وقال الآجري : إن كان فيهم نساء ، وفيه نظر ، ولا بأس بالذهاب بعد دفنه من غير إذن أهل الميت ، نص عليه .

تذنيب : كره أحمد الدفن عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها ، وفي " المغني " لا يجوز ، ويجوز ليلا ، ذكره في " شرح مسلم " قول الجمهور ، وعنه : يكره ، حكى ابن هبيرة اتفاق الأئمة الأربعة ، وفيه نظر ، فإنه حكى في " الإفصاح " الإجماع أنه لا يكره ، وأنه بالنهار أمكن ، وعنه : لا يفعله إلا لضرورة .

مسألة : يستحب جمع الأقارب في بقعة لتسهل زيارتهم ، قريبا من الشهداء والصالحين ، لينتفع بمجاورتهم من البقاع الشريفة ، فلو أوصى أن يدفن في ملكه دفن مع المسلمين ، قاله أحمد ، كما إذا اختلف الورثة ، وحمل المجد الأول على ما إذا نقصها نقصا لا يحتمله الثلث ، قال في " الفروع " : وهو متجه ، قال أحمد : لا بأس بشراء موضع قبره ويوصي بدفنه فيه ، فعله عثمان وعائشة ، قال ابن تميم : بشرط خروجه من الثلث ، ويصح بيع ما دفن فيه من ملكه ما لم يجعل أو يصر مقبرة نص عليه ، وقال ابن عقيل : لا يجوز بيع موضع القبر مع بقاء رمته ، وإن ثقلت وجب ردها لتعيينه لها ، قال جماعة : وله حرثها إذا بلي العظم ، ومن سبق إلى مسبلة ، قدم ثم يقرع ، وقيل : يقدم من له مزية نحو كونه عند أهله .

[ ص: 277 ] ( وإن وقع في القبر ما له قيمة ) عادة وعرفا وإن قل خطره ، قاله أصحابنا ، أو رماه ربه فيه ( نبش وأخذ ) نص عليه في مسحاة الحفار ، دليله ما روي عن المغيرة بن شعبة : أنه وضع خاتمه في قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : خاتمي ، فدخل وأخذه . ولتعلق حقه بعينه ، ولا ضرر في أخذه ، وعنه : المنع ، إن بذل له عوضه ، فدل على رواية تمنع نبشه بلا ضرورة ، وفي النبش ضرر .

منها : من أمكن غسله ، ودفن قبله ، فإنه ينبش ، نص عليه ، وجزم جماعة بأنه يترك إن خشي تفسخه ، وقيل : يحرم نقله مطلقا ، فيصلى عليه لعدم ماء وتراب .

ومنها : إذا دفن قبل الصلاة ، فإنه ينبش ويصلى عليه ، نص عليه ، ليوجد شرط الصلاة ; وهو عدم الحائل ، وقيل : يصلى على القبر ; وهو ظاهر ، وعنه : يخير .

ومنها : إذا دفن قبل تكفينه فإنه ينبش ، نص عليه ، وصححه في " الرعاية " كالغسل ، وقيل : لا ، لستره بالتراب .

ومنها : إبدال كفنه بأحسن منه وخير من بقعته ودفنه لعذر بلا غسل ، ولا حنوط ، كإفراده ، نص على الكل .

ومنها : إذا دفن غير موجه للقبلة ، وقيل : يحرم نبشه ، وقدم ابن تميم : يستحب .

ومنها : إذا دفن في مسجد ، فنص أحمد على نبشه .

[ ص: 278 ] ومنها : إذا دفن في ملك غيره ، فللمالك نقله ، والأولى تركه ، وكرهه أبو المعالي لهتك حرمته .

ومنها : إذا كفن الرجل في حرير لغير حاجة نبش وأخذ في وجه ، قال في " الشرح " : فإن تغير الميت لم ينبش بحال ، وكل موضع أجزنا نبشه فالأفضل تركه .

التالي السابق


الخدمات العلمية