صفحة جزء
الرابع : تمام الملك ، فلا زكاة في دين الكتابة ، ولا في السائمة الموقوفة ، ولا في حصة المضارب ، ومن الربح قبل القسمة على أحد الوجهين فيهما ، ومن كان له دين على مليء من صداق أو غيره ، زكاه إذا قبضه لما مضى ، وفي الدين على غير المليء والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع روايتان ، إحداهما : كالدين على المليء ، والثانية : لا زكاة فيه . قال الخرقي : واللقطة إذا جاء ربها ، زكاها للحول الذي كان الملتقط ممنوعا منها ، ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب إلا في المواشي والحبوب في إحدى الروايتين ، والكفارة كالدين في أحد الوجهين .


( الرابع : تمام الملك ) ؛ لأن الملك الناقص ليس نعمة كاملة ؛ وهي إنما تجب في مقابلتها ؛ إذ الملك التام عبارة عما كان بيده لم يتعلق فيه غيره ، يتصرف فيه على حسب اختياره ، وفوائده حاصلة له ، قاله أبو المعالي ( فلا زكاة في دين الكتابة ) وفاقا لعدم استقراره ؛ لأنه يملك تعجيز نفسه ، ويمتنع من الأداء ، ولهذا لا يصح ضمانها ، وفيه رواية ، فدل على الخلاف هنا ( ولا في السائمة الموقوفة ) على معين ، قال في " التلخيص " : الأشبه أنه لا زكاة ، وجزم به في " الكافي " لنقصه .

والثاني : يجب ؛ وهو المنصوص للعموم ، وكسائر أملاكه ، وبنى بعض أصحابنا الخلاف على الملك الموقوف عليه ، وعلى الوجوب لا يخرج منها ؛ لأن الوقف لا يجوز نقل الملك فيه ، وأما الوقوف على غير معين كالمساكين والمساجد ونحوها فلا زكاة فيه قولا واحدا .

تنبيه : إذا وقف على معتق أرضا أو شجرا فحصل له من غلته نصاب وجبت الزكاة ، نص عليه ؛ لأن الزرع والتمر ليس وقفا بدليل بيعه ، وقال أبو الفرج : لا عشر فيها إن كان فقيرا ، وجزم به الحلواني ، وإن حصل لأهل الوقف خمسة أوسق ، خرج على الروايتين في تأثر الخلطة في غير السائمة ( ولا في حصة المضارب ، ومن الربح قبل القسمة على أحد الوجهين . ) [ ص: 296 ] واختاره أبو بكر والقاضي والمؤلف ، إما لعدم الملك أو لنقصانه ؛ لأنه وقاية كرأس المال ، ولا ينعقد الحول إلا باستقرار ملكه ، نص عليه .

والثاني : الوجوب ، وينعقد حوله بظهور الربح ، اختاره أبو الخطاب ، وقدمه في " المستوعب " ، و " الرعاية " ؛ لأنه ملكه فيجب كسائر أملاكه ، فعلى هذا لا يجوز أن يخرج من المضاربة بدون إذن رب المال في الأصح ، والثاني : يجوز لأنهما دخلا على حكم الإسلام ، ومن حكم وجوب الزكاة وإخراجها من المال ، وعلى قولنا : لا يملك العامل الربح بظهوره ، فلا يلزم رب المال زكاة حصة العامل في الأصح ، وإن كان حق العامل دون نصاب ، انبنى على الخلطة في غير السائمة ، وظاهره وجوبها على رب المال ، فيزكي حقه من الربح مع الأصل عند حوله ، نص عليه ، أمانة أو من غيره ؛ لأنه يملك حقه من الربح بظهوره في الأظهر ، فإن أخرج شيئا من المال جعل من الربح ، ذكره في " المغني " ، وقدمه في " الرعاية " لأنه وقاية لرأس المال ، وفي " الكافي " يجعل من رأس المال ، نص عليه ؛ لأنه واجب كديته ، وقال القاضي : يجعل منهما بالحصص ، فينقص ربع عشر رأس المال ، وقيل : إن قلنا الزكاة في الذمة فمنهما ، وإن قلنا في العين فمن الربح ( فيهما ) أي : في الصورتين المذكورتين ( ومن كان له دين على مليء ) باذل أو غيره ( من صداق أو غيره ، زكاه إذا قبضه لما مضى ) روي عن علي ، وقاله أبو ثور ؛ لأنه يقدر على قبضه والانتفاع به ، أشبه سائر ماله ، وللعموم ؛ ولأنه ليس من المواساة إخراج زكاة مال لم يقبضه ، ولا فرق بين أن يقصد ببقائه عليه الفرار من الزكاة أم لا ، وعنه : يجب [ ص: 297 ] إخراجها في الحال قبل قبضه ، كالوديعة ، وعنه : لسنة واحدة ، وقاله ابن المسيب وعطاء ، بناء على أنه يعتبر لوجوبها إمكان الأداء ، ولم يوجد فيما مضى ، وعنه : لا زكاة في دين بحال ، روي عن عائشة ، لأنه غير نام ، والأول المذهب لما روى أحمد عن علي ، وابن عمر ، وعائشة : لا زكاة في الدين حتى يقبض . ذكره أبو بكر بإسناده ، ولم يعرف لهم مخالف .

فرع : لو قبض دون نصاب ، زكاه ، نص عليه ، خلافا للقاضي وابن عقيل : وكذا لو كان بيده دون نصاب ، وباقية دين أو غصب أو ضال ، والحوالة به ، والإبراء كالقبض ( وفي الدين على غير المليء ) وهو : المعسر ( والمؤجل والمجحود ) الذي لا بينة به ( والمغصوب ، والضائع ) إذا عاد إليه ( روايتان ) وكذا أطلقها في " المحرر " ( إحداهما ) هو ( كالدين على المليء ) اختارها الأكثر ، وذكرها جماعة : ظاهر المذهب ، وجزم به في " الوجيز " لصحة الحوالة به والإبراء ، فيزكي ذلك إذا قبضه لما مضى من السنين ، رواه أبو عبيد عن علي ، وابن عباس للعموم ، وكسائر ماله ، وقال الشيرازي : إذا قلنا يجب في الدين وقبضه فهل يزكيه لما مضى ؛ على روايتين ، ويتوجه ذلك في بقية الصور ، وقيد في " المستوعب " المجحود ظاهرا وباطنا ، وقال أبو المعالي : ظاهرا ، وقال غيرهما : ظاهرا أو باطنا أو هما ، وإن كان به بينة ، فوجهان .

فرع : حكم مسروق ومدفون ومنسي وموروث جهله ، أو جهل عند من هو كذلك .

( والثانية : لا زكاة فيه ) صححها في " التلخيص " وغيره ، ورجحها جماعة [ ص: 298 ] واختارها ابن شهاب والشيخ تقي الدين . روي عن عثمان ، وابن عمر ، لأنه غير نام ؛ وهو خارج عن يده وتصرفه ، أشبه الحلي ودين الكتابة ؛ ولأن الزكاة وجبت في مقابلة الانتفاع بالنماء حقيقة أو مظنة ؛ وهو مفقود هنا ، وفي ثالثة : إن كان لا يؤمل كالمسروق والمغصوب فلا زكاة فيه ، وما يؤمل كالدين على المفلس ، والغائب المنقطع خبره فيه الزكاة ، قال الشيخ تقي الدين : وهذا أقرب إن شاء الله تعالى ، وفي رابعة : إن كان عليه الدين يؤدي زكاته فلا شيء على ربه ، وإلا وجبت ، نص عليه في المجحود حذرا من وجوب زكاتين في مال واحد ( قال الخرقي : واللقطة إذا جاء ربها ، زكاها للحول الذي كان الملتقط ممنوعا منها ) هذا من صور المال الضائع ، ذكرها لتأكيد وجوب الزكاة ؛ وهو " المذهب " ، ولذلك ذكرها بغير واو ، وفيه إشارة أن الملتقط يملكها بعد حول التعريف ، إذ لو لم يملكها لوجب على مالكها زكاتها لجميع الأحوال على المذهب ، وحينئذ إذا ملكها الملتقط استقبل بها حولا وزكى ، نص عليه ؛ لأنه ملكها ملكا تاما فوجبت كسائر ماله ، وكون المالك له انتزاعها إذا عرفها ، كمال وهبه لابنه ، وقيل : لا يلزمه ؛ لأنه مدين بها ، وعلى الأول لا زكاة على ربها إذا زكاها الملتقط على الأصح ، وإن أخرج الملتقط زكاتها عليه منها ، ثم أخذها ربها رجع بما أخرج في الأشهر .

مسائل : يجزئ الصداق وعوض الخلع ، والأجرة قبل القبض ، وإن لم يستوف المنفعة في حول الزكاة ، نص عليه ؛ لأن الملك جميعه مستقر ، وتعريضه للزوال لا تأثير له ؛ وهو ظاهر إجماع الصحابة ، وعنه : حتى يقبض ذلك ، وعنه : [ ص: 299 ] لا زكاة في صداق قبل الدخول حتى يقبض ، فيثبت الانعقاد والوجوب قبل الدخول ، وحكاه المجد إجماعا مع احتمال الانفساخ ، وعنه : يملك نصفه قبل الدخول ، قال في " الفروع " : وكذا الخلاف في اعتبار القبض في كل دين لا في مقابلة مال أو مال غير زكوي عند الكل كموصى به وموروث ، وعن مسكن ، وعنه : لا حول لأجرة ، اختاره الشيخ تقي الدين كالمعدن ، وقيده بعضهم بأجرة العقار ، وإن سقط قبل القبض لانفساخ النكاح من جهتها ، فلا زكاة عليها في الأشهر ، وإن زكت صداقها ، ثم تنصف بطلاقه ، رجع الزوج فيما بقي بجميع حقه ، ذكره جماعة ، إن لم تكن زكته قبل الطلاق ، فليس لها أن تخرج بعده ، فإن فعلت لم يجزئها ؛ لأنه صار مشتركا ، وإن زكته من غيره رجع بنصفه كاملا ، ولا زكاة في الفيء والخمس ، ولو عزلها الإمام منها ، ولا في الغنيمة والحرب قائمة ، ولا في الذمة على العاقلة قبل الحول ، ويجب في مبيع قبل القبض ، جزم به جماعة ، فيزكيه المشتري مطلقا ، وكذا مبيع بشرط الخيار أو خيار المجلس ، فيزكيه من حكم له بملكه ، ولو فسخ العقد ، ودين السلم إن كان للتجارة ولم يكن أثمانا ، وعن المبيع ، ورأس مال السلم قبل عوضهما ولو انفسخ العقد ، ويجب في مال الابن ، وإن كان معرضا لتملك الأب ورجوعه ، ويجب في وديعة ومرهون في الأصح ، ولا يجب في مال حجر عليه القاضي للغرماء ، كالمغصوب تشبيها للمنع الشرعي بالمنع الحسي ، فإن حجر عليه بعد وجوبها لم يسقط ، وقيل : بل إن كان قبل تمكنه من الإخراج ، وله إخراجها منه في وجه ، ولا يقبل إقراره بها ، وعنه : بل كما لو صدقه الغريم ( ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب ) ؛ أي : يمنع [ ص: 300 ] الدين - وإن لم يكن من جنس المال - وجوب الزكاة في قدره من الأموال الباطنية رواية واحدة لقول عثمان : هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دين فليقضه ، وليزك ما بقي . رواه سعيد ، وأبو عبيد ، واحتج به أحمد ، والأموال الباطنية هي الأثمان ، وعروض التجارة ، ذكره الشيخان ، والسامري ، وفي المعدن وجهان ، وجزم الشيرازي بأنها الأثمان فقط ، وعنه : لا يمنع لمن لا دين عليه ، وعلى الأول لا فرق بين الحال والمؤجل ، ذكره السامري قال : ولم يفرق أصحابنا ، وجزم في " الإرشاد " وغيره بأن مانعها الدين الحال خاصة ؛ وهو رواية ، ويستثنى من كلامه إلا دينا بسبب ضمان أو مئونة حصاد ودياس ، ولا يمنع الدين خمس الركاز ويمنع الخراج ، نص عليه ، وكذا دين المضمون عنه لا الضامن ، خلافا لما ذكره أبو المعالي ، كنصاب غصب من غاصبه وأتلفه ، فإن المنع يختص بالثاني ، مع أن للمالك طلب كل منهما ، ولو استأجر لرعي غنمه بشاة موصوفة ، صح ؛ وهي كالدين في منعها الزكاة .

فرع : إذا كان عليه دين ، وله دين مثله ، جعل الدين في مقابلة ما في يده ، نص عليه ، وفيه وجه في مقابلة دينه إن كان على مليء ( إلا في المواشي والحبوب ) والثمار ، وتسمى الأموال الظاهرة ( في إحدى الروايتين ) فإنه لا يمنع ؛ " لأنه - عليه السلام - كان يبعث سعاته فيأخذون الزكاة مما وجدوا من المال الظاهر من غير سؤال عن دين صاحبه ، بخلاف الباطنة " ، وكذا الخلفاء بعده ؛ ولأن تعلق الأطماع من الفقراء بها أكثر ، والحاجة إلى حفظها أوفر بخلاف الباطنة ، والثانية : يمنع ، اختارها القاضي وأصحابه وجمع ؛ وهي الأصح ؛ لأن توجه المطالبة أظهر [ ص: 301 ] وإلزام الحاكم بالأداء منها آكد وأشد ، وفي ماله يمنع ما استدانه للنفقة على ذلك دون ما استدانه للنفقة على نفسه وأهله ؛ لأنه في الأول من مصالح الزرع ، فهو كالخراج بخلاف الثاني ، ورده بعضهم لكونها لا تخرج عن الأولتين ؛ لأن ما هو من مصالح الزرع فله إخراجه منه على كلتا الروايتين ، فإذا لم يخرجه أولا أخرجناه ثانية ؛ لأن الزكاة إنما تجب فيما بقي ، وفي رابعة : يمنع ما استدانه للنفقة على زرعه وثمره ، أو كان من ثمنه خاصة خلا الماشية وهو ظاهر الخرقي ، قال أحمد : اختلف ابن عمر وابن عباس ، فقال ابن عمر : يخرج ما استدانه وأنفق على ثمرته وأهله ، وقال ابن عباس : يخرج ما استدانه على ثمرته ، ويزكي ما بقي ، وإليه أذهب ؛ لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلا أو بقرا أو غنما لم يسأل أي شيء على صاحبها ؛ وليس المال هكذا ( والكفارة كالدين في أحد الوجهين ) وهذا رواية ، وصححها صاحب " المحرر " ، و " الرعاية " ، وجزم به ابن البنا في " خلافه " في الكفارة والخراج ؛ ولأن ذلك يجب قضاؤه ، أشبه دين الآدمي ، ولقوله - عليه السلام - : " دين الله أحق بالقضاء " ، وكذا حكم نذر مطلق ، وزكاة ، ودين حج ، وغيره . والثاني : لا يمنع ، وهو رواية . وفي " المحرر " الخراج من دين الله ، لأن حقوق الله مبناها على المساهلة ، لا مطالب بها معين ، وعلى ما ذكره في " المحرر " فيه نظر ، فإن المطالب به الإمام الذي لا يمكن دفعه ولا مماطلته ، فهو أشد من دين غيره .

تنبيه : إذا نذر الصدقة بمال بعينه ، فحال الحول ، فلا زكاة لزوال ملكه [ ص: 302 ] أو نقصه ، وقال ابن حامد : تجب ، وفي " الرعاية " إذا نذر التضحية بنصاب معين فلا زكاة ، ويحتمل وجوبها إذا تم حوله قبلها ، وإن قال : لله علي الصدقة بهذا النصاب إذا حال الحول ، فقيل : لا زكاة ، وقيل : بلى فتجزئه الزكاة منه في الأصح ، ويبرأ بقدرها من الزكاة والنذر إن نواهما معا ، لكون الزكاة صدقة ، وكذا لو نذر الصدقة ببعض النصاب هل يخرجهما ، أو يدخل النذر في الزكاة وينويهما ؛ ذكره في " الفروع " .

التالي السابق


الخدمات العلمية