صفحة جزء
[ ص: 311 ] باب زكاة بهيمة الأنعام

ولا تجب إلا في السائمة منها
، وهي التي ترعى في أكثر الحول . وهي ثلاثة أنواع : أحدها : الإبل ، ولا زكاة فيها حتى تبلغ خمسا ، فتجب فيها شاة فإن أخرج بعيرا لم يجزئه ، وفي العشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي العشرين أربع شياه ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض ، وهي التي لها سنة ، فإن عدمها أجزاه ابن لبون وهو الذي له سنتان ، فإن عدمه أيضا لزمه بنت مخاض ، وفي ست وثلاثين بنت لبون ، وفي ست وأربعين حقة ، وهي التي لها ثلاث سنين ، وفي إحدى وستين جذعة ، وهي التي لها أربع سنين ، وفي ست وسبعين بنتا لبون ، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ، ثم ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ، فإذا بلغت مائتين اتفق الفرضان ، فإن شاء أخرج أربع حقاق ، وإن شاء خمس بنات لبون ، والمنصوص أنه يخرج الحقائق ، وليس فيما بين الفريضتين شيء ، ومن وجبت عليه سن فعدمها أخرج سنا أسفل منها ومعها شاتان أو عشرين درهما ، وإن شاء أخرج أعلى منها وأخذ مثل ذلك من الساعي ، فإن عدم السن التي تليها انتقل إلى الأخرى وجبرها بأربع شياه وأربعين درهما ، قال أبو الخطاب : لا ينتقل إلا إلى سن تلي الواجب ، ولا مدخل للجبران في غير الإبل .


باب زكاة بهيمة الأنعام

بدأ به بكتاب الصديق الذي كتبه لأنس رضي الله عنهما ، أخرجه البخاري بطوله مفرقا . سميت بهيمة ؛ لأنها لا تتكلم ، والأنعام في الإبل والبقر والغنم ، وقال عياض : النعم : هي الإبل خاصة ، فإذا قيل : الأنعام دخل فيه البقر والغنم ( ولا تجب إلا في السائمة منها ) السائمة : الراعية ، وقد سامت تسوم سوما إذا رعت ، وأسمتها إذا رعيتها ؛ ومنه قوله تعالى : فيه تسيمون [ النحل : 10 ] ، وقوله - عليه السلام - : " في الإبل السائمة في كل أربعين بنت لبون ، وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة ، شاة " ، فذكره السوم يدل على نفي الوجوب في غيرها ؛ لأنها تراد للنسل والدر بخلاف المعلوفة والعوامل ، وقيل : يجب في العوامل كالإبل التي تكرى ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ، ونص أحمد على عدم الوجوب ، وقيل : وتجب في معلوفة كمتولد بين سائمة ومعلوفة ( وهي التي ترعى ) المباح ، فلو اشترى لها ما ترعاه ، أو جمع ما تأكل فلا زكاة ، واختلف الأصحاب هل السوم شرط أو عدمه مانع ، فلا يصح التعجيل قبل الشروع فيه على الأول دون الثاني ( في أكثر الحول ) نص عليه ؛ لأن الأكثر يقوم مقام الكل في كثير من الأحكام ؛ ولأنه لو اعتبر في جميع الحول لامتنع وجوب الزكاة أصلا ، وقيل : يعتبر كله ، زاد بعضهم : ولا أثر لعلف يوم أو يومين ، ولا يعتبر للسوم ، والعلف نية في وجه ، فلو سامت بنفسها أو أسامها غاصب ، وجبت كغصبه حبا ، وزرعه [ ص: 312 ] في أرض مالكه فيه العشر على ربه كنباته بلا زرع ، وإن اعتلفت بنفسها أو علفها غاصب فلا زكاة ؛ لفقدان الشرط ، وفي آخر يعتبر فتنعكس الأحكام ، وقيل : تجب إذا علفها غاصب ، اختاره جماعة ، فقيل : لتحريم فعله ، وقيل : لانتفاء المؤنة عن ربها ، وقيل : يجب إن أسامها لتحقق الشرط ، كما لو كمل النصاب بيد الغاصب ( وهي ثلاثة أنواع : أحدها الإبل ) بدأ بها لبداءة الشارع حين فرض الأنعام ؛ ولأنها أهم لكونها أعظم النعم قيمة وأجساما ، وأكثر أموال العرب ، ووجوب الزكاة فيها مما أجمع عليه علماء الإسلام ( ولا زكاة فيها حتى تبلغ خمسا ) وهي أقل نصابها ؛ لقوله - عليه السلام - : " من لم يكن عنده إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقة " ( فتجب فيها شاة ) إجماعا ؛ لقوله - عليه السلام - : " إذا بلغت خمسا ففيها شاة " رواه البخاري ، وقال أبو بكر : يجزئه عشرة دراهم ؛ لأنها بدل شاة الجبران ، وجعله في الشرحين إذا عدم الشاة ، وذكر بعضهم : لا يجزئه مع وجود الشاة في ملكه ، وإلا فوجهان ، وتعتبر الشاة بصفة الإبل ، ففي كرام سمينة كريمة سمينة ، والعكس بالعكس ، وإن كانت بديل معيبة . فقيل : الشاة كشاة الصحاح ؛ لأن الواجب من غير الجنس كشاة الفدية والأضحية ، وقيل : بل صحتها بقدر المال ، ينقص قيمتها بقدر نقص الإبل ، كشاة الغنم ، وقيل : شاة تجزئ في الأضحية من غير نظر إلى القيمة .

قال في " الشرح " : وبكل حال لا يخرج مريضة ، وكذا شاة الجبران ، ولا يعتبر كونها من جنس غنمه ، ولا جنس غنم البلد ، ولا يجزئ الذكر ، وقيل : [ ص: 313 ] بلى لإطلاقها ( فإن أخرج بعيرا لم يجزئه ) نص عليه ؛ لأنه عدل عن المنصوص عليه ، فلم تجزئه ، كما لو أخرج بقرة ، وكنصفي شاتين في الأصح ، وسواء كانت قيمته أكثر من قيمة الشاة أولا ، وإنما أجزأت بنت لبون عن بنت مخاض ؛ لأنه مخرج للواجب ، وزيادة من جنس الواجب ، بخلاف البعير ، وقيل : يجزئ إن كانت قيمته قيمة شاة وسط فأكثر ، بناء على إخراج القيمة ، وقيل : يجزئ إن أجزأ عن خمس وعشرين ( وفي العشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي العشرين أربع شياه ) هذا كله مجمع عليه ، وثابت بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لقوله في حديث أبي بكر : " في أربع وعشرين من الإبل فما دونها في كل خمس شاة " ( فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض ) لا نعلم فيه خلافا إلا ما يحكى عن علي ؛ لقوله - عليه السلام - : " فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض " ( وهي التي لها سنة ) ودخلت في الثانية ، سميت بذلك ؛ لأن أمها قد حملت غالبا ، والماخض : الحائل ، وليس بشرط ، وإنما ذكر تعريفا بغالب حالها ، كتعريفه الربيبة بالحجر ( فإن عدمها ) في ماله ، أو كانت معيبة ( أجزأه ابن لبون ) لقوله - عليه السلام - : " فإن لم يكن فيها بنت مخاض ، فابن لبون ذكر . " رواه أبو داود ، وفي لفظ : " فإن لم يكن عنده بنت مخاض " على وجهها ؛ لأن وجودها كالعدم في الانتقال إلى البدل ، والأشهر : أو خنثى ، وظاهره أنه يجزئ ، ولو نقصت قيمته عن بنت مخاض ، ويجزئ حق أو جذع أو ثني ، وأولى لزيادة السن ، وفي بنت لبون وله جبران وجهان ، فإن اشترى بنت مخاض وأخرجها أجزأ بلا نزاع ؛ لأنها الأصل ، ولا يجزئ إخراج ابن لبون بعد شرائها ، فإن [ ص: 314 ] كان في ماله بنت مخاض أعلى من الواجب لم يجزئه ابن لبون ، والأشهر : لا يلزمه إخراجها ، بل يخير بينها وبين سوى بنت مخاض بصفة الواجب ، وقال أبو بكر : يجب عليه إخراجها بناء على قوله : إنه يخرج عن المراض صحيحة ، حكاه ابن عقيل عنه ( وهو الذي له سنتان ) ودخل في الثالثة ، سمي بذلك ؛ لأن أمه وضعت ، فهي ذات لبن ( فإن عدمه - أيضا - لزمه ) شراء بنت ( مخاض ) ولا يجزئه هو ؛ لقوله - عليه السلام - في خبر أبي بكر : " فمن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها ، وعنده ابن لبون ، فإنه يقبل منه " ، ذكره ابن حامد ، وتبعه الأصحاب ؛ ولأنهما استويا في العدم ، فلزمه بنت مخاض كما لو استويا في الوجود ، والخبر محمول عليه ( وفي ست وثلاثين بنت لبون ) لقوله في خبر أبي بكر : " فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها لبون أنثى " وظاهره : لا يجزئ ابن لبون ، وقيل : بل يجبران لعدم ( وفي ست وأربعين حقة ) لحديث الصديق : " فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل " ( وهي التي لها ثلاث سنين ) ودخلت في الرابعة ، سميت به ؛ لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها ، ويطرقها الفحل ، والذكر منها محق ( وفي إحدى وستين جذعة ) لقوله - عليه السلام - في الصدقة : " وإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة " ( وهي التي لها أربع سنين ) ودخلت في الخامسة ، سميت به ؛ لأنها تجذع إذا سقط منها سنها ، والذكر جذع ، فلو أخرج ثنية ؛ وهي التي دخلت في السادسة ، أجزأ بلا جبران ، سميت به ؛ لأنها ألقيت ثنيتها ، وقيل : ويجزئ عن الجذعة حقتان ، وابنتا لبون ، وابنتا لبون عن الحقة ، ذكره المؤلف ونقضه بعضهم ببنت مخاض عن عشرين ، وببنت بنات مخاض عن الجذعة .

[ ص: 315 ] فصل

الأسنان المذكورة للإبل هو قول أهل اللغة ، وذكر ابن أبي موسى : لبنت مخاض سنتان ، ولبنت لبون ثلاث ، ولحقة أربع ، ولجذعة خمس كاملة فحمله المجد على بعض السنة ؛ وهو غريب ؛ لقوله : كاملة ، وقيل : لبنت مخاض نصف سنة ، ولحقة سنتان ، ولجذعة ثلاث ( وفي ست وسبعين ابنتا لبون ) إجماعا ؛ لقوله - عليه السلام - : " فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنت لبون " ( وفي إحدى وتسعين حقتان ) إجماعا ؛ لقوله - عليه السلام - : " فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل " ( فإذا زادت واحدة ) أي : على العشرين والمائة ( ففيها ثلاث بنات لبون ) في المشهور ، والمختار خبر الصديق : " فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة " وبالواحدة حصلت الزيادة ، فقيل : الواحدة عفو ، وإن تغير بها الفرض ، وقيل : يتعلق بها الوجوب ( ثم ) تستقر الفريضة ( ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي خمسين حقة ) هذا المذهب لخبر الصديق . رواه البخاري ، وعنه : لا يتغير الفرض إلا إلى مائة وثلاثين فتستقر الفريضة ، ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون ، اختاره أبو بكر والآجري ، لخبر عمرو بن حزم ، وفيه ضعف ، فإن صح ، عورض بروايته الأخرى ، وربما أكثر منه ، وأصح ( فإذا بلغت مائتين اتفق الفرضان ، فإن شاء أخرج أربع حقاق ، وإن شاء خمس بنات لبون ) هذا المذهب ، واختاره الأكثر ، ونص أحمد على مثله في البقر . ذكره المجد ، وجزم به في " الوجيز " [ ص: 316 ] للأخبار ، وزاد بعضهم : ما لم يكن المال ليتيم أو مجنون ، فحينئذ يتعين إخراج الأدون المجزئ ، فلو جمع بين النوعين في الإخراج ، كأربع حقاق ، وخمس بنات لبون عن أربع مائة جاز ، جزم به الأئمة ، فإطلاق وجهين سهو ، أما مع الكسر فلا ، كحقتين وبنتي لبون ونصف عن مائتين ، وفيه تخريج ؛ وهو ضعف .

فرع : إذا وجد أحد الفرضين كاملا ، والآخر ناقصا ، لا بد له من جبران يعين الكامل ؛ لأن الجبران بدل ( والمنصوص أنه يخرج الحقاق ) أي : يجب إخراجها ، وقاله القاضي في " الشرح " نظر لحظ الفقراء ، إذ هي أنفع لهم لكثرة درها ونسلها ، وأول في " المغني " ، و " الشرح " النص على صفة التخير ، وقدم في " الأحكام السلطانية " : أن الساعي يأخذ أفضلها ، وقال القاضي وابن عقيل : يأخذ ما وجد عنده منها ، ومرادهم ليس للساعي تكليف المالك سواه ؛ لأن الزكاة سببها النصاب ، فاعتبرت به ( وليس فيما بين الفريضتين شيء ) وتسمى الأوقاص ؛ لعفو الشارع عنها ، وقد تقدم ( ومن وجبت عليه سن فعدمها ) لم يكلف تحصيلها ، وخير المالك ، فإن شاء ( أخرج أسفل منها ، ومعها شاتان أو عشرون درهما ، وإن شاء أخرج أعلى منها ، وأخذ مثل ذلك من الساعي ) هذا هو المذهب كما في كتاب أنس : " ومن بلغت عنده صدقة الحقة ، وليست عنده ، وعنده الجذعة ، فإنها تقبل منه الجذعة ، ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما " متفق عليه ، وهذا التخيير ثابت في كون ما عدل إليه في ملكه ، فإن عدمها حصل الأصل ، وظاهره أنه لا يجوز أن يخرج أدنى من بنت مخاض ، [ ص: 317 ] لأنها أقل ما يجب في زكاتها ، ولا يخرج أعلى من الجذعة إلا أن يرضى رب المال بغير جبران ، ذكره في " الشرح " واقتضى أن من وجبت عليه الجذعة وليست عنده ، وأخرج الثنية أن يأخذ الجبران من الساعي ، وليس كذلك لعدم وروده ، وأنه لا يجبر بشاة وعشرة دراهم في وجه حذارا من تخيير ثالث ، ويجوز من آخر ، قاله القاضي ؛ لأن الشارع جعل العشرة في مقابلة الشاة ( فإن عدم السن التي تليها انتقل إلى الأخرى وجبرها بأربع شياه ، أو أربعين درهما ) أومأ إليه أحمد ، واختاره القاضي ، وأورده الشيخان مذهبا ؛ لأن الشارع جوز له الانتقال إلى الذي يليه مع الجبران ، وجوز العدول عنها إذا عدم الجبران إذا كان هو الوصي ، وها هنا لو كان موجودا ، فإذا عدم ، جاز العدول إلى ما يليه مع الجبران ، ولا شك في التعدية إذا عقل معنى النص ، ومحله ما إذا كان بصفة الصحة ، أو لجائز الأمر ، فأما إذا كان النصاب معيبا ، وعدمت الفريضة ، فله دفع السن السفلى مع الجبران ، وليس له ما فوقها مع الجبران ؛ لأن الجبران قدره الشارع ، وقيل : ما بين الصحيحين وما بين المعيبين أقل ، فإذا دفعه المالك صار كتطوعه بالزائد بخلاف الساعي وولي اليتيم ، فإنه لا يجوز لهما إلا إخراج الأدون ؛ وهو أقل الواجب كما لا يتبرع . ( وقال أبو الخطاب ) وابن عقيل وذكره صاحب " النهاية " : ظاهر المذهب ( لا ينتقل إلا إلى سن تلي الواجب ) إذ النص إنما لم يرد به ، والزكاة فيها شيابة التعبد ( ولا مدخل للجبران في غير الإبل ) ؛ لأن النص إنما ورد فيها ، فيقتصر عليه ، وليس غيرهما في معناها لكثرة قيمتها ؛ لأن الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف سنها ، وما بين الفريضتين في البقر يخالف ما بين الفريضتين في الإبل ، فامتنع القياس ، فلو غير صفة الواجب بشيء من [ ص: 318 ] جنسه ، وأخرج الرديء عن الجيد ، وزاد قدر ما بينهما من الفضل ، لم يجزئ ؛ لأن القصد من غير الأثمان النفع بعينها ، فيفوت بعض المقصود ، ومن الأثمان القيمة ، وقال المجد : قياس المذهب جوازه في الماشية وغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية