صفحة جزء
فصل

في الخلطة

وإذا اختلط نفسان ، أو أكثر من أهل الزكاة في نصاب من الماشية حولا ، لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعضه ، فحكمها في الزكاة حكم الواحد سواء كانت خلطة أعيان ، بأن يكون مشاعا بينهما ، أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منهما متميزا ، فاشتركا في المراح ، والمسرح ، والمشرب ، والمحلب ، والراعي ، والفحل ، فإن اختل شرط منها أو ثبت لهما الانفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه ، وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده فعليه زكاة المنفرد ، وعلى الثاني زكاة الخلطة ، ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة ، كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ما له منها .


فصل

في الخلطة

بضم الخاء : الشركة ؛ وهي جائزة في الجملة ، لما روى الترمذي عن سالم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في كتاب الصدقة : " لا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين ، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " ورواه البخاري من حديث أنس ( وإذا اختلط نفسان ) ؛ لأن أقل من ذلك الواحد ، ولا خلطة معه ( أو أكثر من أهل الزكاة ) فلو كان أحدهما مكاتبا أو ذميا فلا أثر لها ؛ لأنه لا زكاة في ماله ، فلم يكمل النصاب به ( في نصاب ) فلو كان المجموع أقل من نصاب فلا عبرة في ذلك ، سواء كان له مال غيره أو لا ، وظاهره الجواز فيما زاد عليه من باب أولى ( من الماشية ) فلا يؤثر في غيرها ، وسيأتي ( حولا لم يثبت لها حكم الانفراد في بعضه ) ؛ لأن الخلطة معنى يتعلق به إيجاب الزكاة ، فاعتبرت في جميع الحول ، كالنصاب ( فحكمها في الزكاة حكم الواحد ) ؛ لأنه لو لم يكن كذلك ، لما نهى الشارع عن جمع التفرق وعكسه [ ص: 327 ] خشية الصدقة ، وسواء أثرت في إيجاب الزكاة أو إسقاطها ، أو في تغيير الفرض ، فلو كان لأربعين من أهل الزكاة أربعون شاة ، أو لواحدة شاة ، وللآخر تسعة وثلاثون لزمهم شاة ، نص عليهما ، ومع الانفراد لا يلزمهم شيء ، ولو كان لثلاثة مائة وعشرون شاة ، لزمهم شاة ، ومع الانفراد ثلاث شياه ( سواء كانت خلطة أعيان ) ؛ لأن أعيانها مشتركة ( بأن يكون مشاعا بينهما ) بأن ملكاه بإرث أو شراء أو غيرها ( أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد منها متميزا ) عن الآخر بصفة أو صفات ( واشتركا ) في الأوصاف الآتي ذكرها ، ويعتبر فيها أن لا يتميز ( في المراح ) بضم الميم : المكان الذي تروح إليه الماشية عند رجوعها فتبيت فيه ، ( والمسرح ) موضع الرعي ، وفسره صاحب " التلخيص " وغيره : موضع جمعها عند خروجها للرعي ( والمشرب ) بفتح الميم والراء : المكان الذي يشرب فيه ، وكذا ذكره أبو الخطاب وصاحب " التلخيص " ، و " الوجيز " ، ولم يذكره الأكثر ( والمحلب ) بفتح الميم واللام : الموضع يحلب فيه ، وبكسر الميم : الإناء ، والمراد الأول ؛ لأنه ليس المقصود خلط اللبن في إناء واحد ؛ لأنه ليس بمرفق ، بل مشقة لما فيه من الحاجة إلى قسم اللبن ، وربما أفضى إلى الربا ، وقيل : يلزم خلط اللبن ، وقيل : يشترط اتحاد الآنية ، جزم به في " الوجيز " ( والراعي ) كذا قاله أبو الخطاب وصاحب " الوجيز " و " المستوعب " وأسقط المحلب ، ( والفحل ) جزم به معظم الأصحاب ، والمراد به : المعد للضرب ، وليس المعتبر اتخاذه ، ولا أن يكون مشتركا ، بل أن لا يتميز فحول المالين عن الآخر عند الضرب . وجمع في " المحرر " [ ص: 328 ] و " الوجيز " بين المسرح والمرعى كالخرقي قال : ويحتمل أن الخرقي أراد بالرعي : الرعي الذي هو المصدر لا المكان ، وأنه أراد بالمسرح : المصدر الذي هو السروح لا المكان ، فإذا كان كذلك زال التكرار ، وحصل به اتحاد الراعي والمشرب ، وقال ابن حامد : المرعى والمسرح شرط واحد ، وإنما ذكر أحمد المسرح ليكون فيه راع واحد ، وقال في " الواضح " : " الفحل والراعي والمحلب ، وذكر الآمدي المراح والمسرح والفحل والمرعى ، وذكر القاضي أنه الراعي فقط ، وذكر رواية أنه يعتبر الراعي والمبيت فقط ، وفيه طرق أخرى ، واحتج الأصحاب لاعتبار ذلك بحديث سعد بن أبي وقاص قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الخليطان ما اجتمعا على الحوض والفحل والراعي " رواه الخلال والدارقطني ، ورواه أبو عبيد ، وجعل بدل الراعي المرعى ، وضعفه أحمد ، فإنه من رواية ابن لهيعة ، فيتوجه العمل بالعرف في ذلك ، ويحتمل أن خلطة الأوصاف لا أثر لها ، كما يروى عن طاوس وعطاء لعدم الدليل ، والأصل اعتبار المال بنفسه ، ذكره في " الفروع " ، وظاهره أنه لا يشترط للخلطة نية ؛ وهي في خلطة الأعيان إجماع ، وكذا في خلطة الأوصاف في الأصح ، واحتج المؤلف بنية السوم في السائمة ، وكنية السقي في المعشرات ، واختار في " المحرر " أنها يعتبر فيها ؛ لأنها معنى يتغير به الفرض ، فافتقر إلى النية كالسوم ، وفائدة الخلاف في خلط وقع اتفاقا ، أو فعله راع وتأخر النية عن الملك ، وقيل : لا يضر تأخيرها بزمن يسير ( فإن اختل شرط منها ) بطل حكمها لفوات شرطها ، وصار وجودها كالعدم ، فيزكي كل واحد ماله إن [ ص: 329 ] بلغ نصابا وإلا فلا ( أو ثبت لها حكم الانفراد في بعض الحول ) كرجلين لكل واحد منهما نصاب ملكه في أول المحرم ثم اختلطا بعد ذلك ( زكيا زكاة المنفردين فيه ) يعني على كل واحد منهما عند تمام حوله شاة ، وفيما بعد ذلك من السنين يزكيان زكاة الخلطة ، فإن اتفق حولاهما أخرجا شاة عند تمام الحول نصفين ، وإن اختلف ، فعلى الأول عند تمام حوله نصف شاة ، وإذا تم حول الثاني ، فإن كان الأول أخرجها من غير المال ، فعلى الثاني نصف شاة أيضا ، وإن أخرجها من المال فقد تم حول الثاني على تسعة وسبعين شاة له منها أربعون شاة يلزمه أربعون جزءا من تسعة وسبعين جزءا ونصف جزء من شاة ، فيضعفها لتكون ثمانين جزءا من مائة وتسعة وخمسين جزءا من شاة ، كلما تم حول أحدهما لزمه من زكاة الجميع بقدر ما له فيه ( وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده ) بأن يملك رجلان نصابين ، ثم يخلطاهما ، ثم يبيع أحدهما نصيبه أجنبيا بعد ملك المشتري أربعين ، ثم يثبت لها حكم الانفراد ، فإذا تم الحول ( فعليه زكاة المنفرد ) وهو شاة لثبوت حكم الانفراد من حقه ( وعلى الثاني ) إذا تم حوله ( زكاة الخلطة ) وهو نصف شاة لكونه لم يزل مخالطا في جميع الحول إن كان الأول أخرجها من غير المال ، وإن كان أخرج منه لزمه أربعون جزءا من تسعة وسبعين جزءا من شاة ( ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة ) ؛ لأنها موجودة في جميع الحول بشروطها ( كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ما له منها ) أي : يزكي بقدر ملكه فيه ، وفيه تنبيه على أمرين ، أحدهما : أن من ثبت له حكم الانفراد في الحول الأول يزكي ما عليه عند تمام حوله الثاني ، ولا ينتظر [ ص: 330 ] حوله المشتري ؛ لأن الزكاة بعد حولان الحول لا يجوز تأخيرها ، وإن المشتري لا يجب عليه تقديم زكاته إلى رأس حول شريكه ؛ لأن تقديمها قبل حولان الحول لا يجب ، وثانيهما : أنه إذا كان لكل واحد نصاب ، فعلى كل منها نصف شاة ، فإن كان للأول أربعون ، وللثاني ثمانون ، فعلى الأول ثلث شاة ، وعلى الثاني ثلثاها ، ذكره ابن المنجا .

تنبيه : يثبت حكم الانفراد - أيضا - فيما إذا كان لأحدهما نصاب ، وللآخر دونه ، ثم يختلطان في أثناء الحول ، وكذا إذا أبدل نصابا منفردا بنصاب مختلط من جنسه ، وقلنا : لا ينقطع الحول به ، زكيا زكاة انفراد ، كمال واحد حصل الانفراد في أحد طرفي حوله ، وكذا لو اشترى أحد الخليطين بأربعين مختلطة أربعين منفردة ، وخلطها في الحال لوجود الانفراد من بعض الحول ، وقيل : يزكي زكاة خلطة ؛ لأنه يبني على حول خلطة ، وزمن الانفراد يسير .

التالي السابق


الخدمات العلمية