صفحة جزء
[ ص: 364 ] باب زكاة الأثمان

وهي الذهب والفضة ، ولا زكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا ، فيجب فيه نصف مثقال ، ولا في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم ، فيجب فيه خمسة دراهم ، ولا زكاة في مغشوشهما حتى يبلغ قدر ما فيه نصابا ، فإن شك فيه خير بين سبكه وبين الإخراج ، ويخرج عن الجيد الصحيح من جنسه ، فإن أخرج مكسورا أو بهرجا زاد قدر ما بينهما من الفضل ، نص عليه .


باب زكاة الأثمان

( وهي الذهب والفضة ) فدل أن الفلوس الرائجة لا تسمى به ، ونص لهما خاصة ، والأصل في وجوبها الإجماع ، وسنده قوله تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة [ التوبة : 34 ] الآية . والسنة مستفيضة بذلك ( ولا زكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا فيجب نصف مثقال ) لما روى ابن عمر وعائشة مرفوعا : " أنه كان يأخذ من كل عشرين مثقالا نصف مثقال " رواه ابن ماجه عن علي نحوه ، فالمثقال : درهم وثلاثة أسباع درهم ؛ وهو ثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة ؛ وهو لم يتغير في جاهلية ولا إسلام ( ولا في الفضة حتى تبلغ ) وزن ( مائتي درهم ) لما في " الصحيحين " من حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " ( فيجب فيها خمسة دراهم ) لما روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " وفي الرقة ربع العشر " متفق عليه . وعن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم " ، والاعتبار بالدرهم الإسلامي الذي وزنه ستة دوانيق ، والعشرة سبعة مثاقيل ؛ لأنها كانت في صدر الإسلام سوداء ، وزن الدرهم منها ثمانية دوانيق ، وطبرية ، الدرهم منها أربعة دوانيق ، فجمعتها بنو أمية ، وقسمتها على اثنين ، فصار الدرهم منها ستة دوانيق ، وذكره النووي إجماع العصر الأول ، وقد سئل في رواية المروذي عن دراهم صغار فقال : ترد إلى المثاقيل ، فالدرهم نصف مثقال ، وخمسه ؛ وهو خمسون حبة وخمسا حبة ، فنصاب الذهب ثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وقدره خمسة وعشرون دينارا [ ص: 365 ] وسبعا دينار ، وتسعه على التحديد الذي زنته درهم وثمن درهم ، لكن قال الأثرم : قد اصطلح الناس على دراهمنا ، فيزكي المائتي درهم من دراهمنا هذه فيعطي منها خمسة دراهم ، والأول المذهب ، قال القاضي عياض : لا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ وهو موجب الزكاة في أعداد منها ، ويقع منها البياعات والأنكحة كما في الأخبار الصحيحة ؛ وهو يبين أن قول من يزعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك ، وأنه جمعها برأي العلماء ، وجعل وزن الدرهم منها ستة دوانيق قول باطل ، وإنما معنى ما نقل من ذلك : أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام ، وعلى صفة لا تختلف ، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه ، فجمعوا أكبرها وأصغرها ، وضربوه على وزنهم ( ولا زكاة في مغشوشهما حتى يبلغ قدر ما فيه ) من النقد الخالص ( نصابا ) للنصوص الدالة على اعتبار النصاب ، وذكر ابن حامد وجها : إن بلغ مضروبه نصابا زكاه ، وظاهره ولو كان الغش أكثر ، وقال أبو الفرج : يقوم مضروبه كالعروض ( فإن شك فيه ) أي في بلوغ قدر ما في المغشوش من النقد نصابا ( خير بين سبكه ) ليعلم قدر ما فيه ( وبين الإخراج ) أي : يستظهر ويخرج ليسقط الفرض بيقين . فعلى هذا إذا سبكه ، فظهر نصابا فأكثر ، أخرج ربع عشره ؛ لأنه الواجب ، وإن كان دونه فلا ، وإن استظهر فيخرج ما يجزئه بيقين ، وقيل : لا زكاة وإن وجبت الزكاة ، وشك في زيادة استظهر ، فألف ذهب ، وفضة ، ستمائة من أحدهما يزكي ستمائة ذهبا ، وأربع مائة فضة ، وإن لم يجز ذهب عن فضة ، زكى ستمائة ذهبا ، وستمائة فضة ، وظاهره أنه إذا علم قدر العشر [ ص: 366 ] بأن يكون في كل دينار سدسه ، جاز أن يخرج منها ؛ لأنه يكون مخرجا لربع العشر ، وإن اختلف قدر العشر أو لم يعلم ، لم يجزئه إلا أن يستظهر ، فيخرج قدر الزكاة بيقين ، وإن أخرج عنها ما لا غش فيه ، فهو أفضل ، وذكر الأصحاب : إن زادت قيمة المغشوش بصنعة الغش أخرج ربع عشره ، كحلي الكراء إذا زادت قيمته بصناعة .

فائدة : يعرف قدر غشه بوضع ذهب خالص زنة مغشوش في ماء ، ثم فضة كذلك ؛ وهي أضخم ، ثم مغشوش ، ويعلم علو الماء ، ويمسح بين كل علامتين ، فمع استواء الممسوحين نصفه ذهب ، ونصفه فضة ، ومع زيادة ونقص بحسابه .

تذنيب : يكره ضرب نقد مغشوش واتخاذه ، نص عليه ، وعنه : يحرم ، قال في رواية محمد بن عبيد الله المنادي : ليس لأهل الإسلام أن يضربوا إلا جيدا ، ويكره الضرب لغير السلطان ، قاله ابن تميم ، وقال في رواية جعفر بن محمد : لا يصلح ضرب الدراهم إلا في دار الضرب بإذن السلطان ؛ لأن الناس إن رخص لهم ركبوا العظائم .

( ويخرج عن الجيد الصحيح من جنسه ) ؛ لأن إخراج غير ذلك خبيث ، فلم يجز ، وكالماشية ، ويخرج عن الرديء من جنسه ؛ لأنها مواساة ، فإن كان المال أنواعا متساوية القيمة جاز إخراجها من أحدها ، وإن اختلفت القيمة أخذ من كل نوع بحصته ، وجزم المؤلف في " المغني " و " الشرح " إن شق لكثرة الأنواع ، فمن الوسط كالماشية ، وإن أخرج بقدر الواجب من الأعلى كان أفضل ، [ ص: 367 ] وإن أخرج عن الأعلى من الأدنى أو الوسط ، وزاد قدر القيمة جاز ، نص عليه ، وإن أخرج من الأعلى بقدر القيمة دون الموزون ، لم يجز ( فإن أخرج ) أي : عن الصحاح ( مكسرا أو ) أخرج عن الجياد ( بهرجا ) أي : رديئا ؛ وهو المغشوش ، أو أخرج سوداء عن بعض ( زاد قدر ما بينهما من الفضل ، نص عليه ) وجزم به أكثرهم ؛ لأنه أدى الواجب عليه قيمة وقدرا ، وكما لو أخرج من عينه ، وظاهره أنه لا يجزئ مطلقا ، وقيل : يجب المثل ، اختاره أبو الخطاب والقاضي في " المجرد " في غير مكسر عن صحيح ؛ لأن سبب الوجوب جيد صحيح ، فلم يجزئ ضده ، كالمريضة عن الصحاح ، فإذا تساوى الواجب والمخرج في القيمة والوزن ، جاز بخلاف سائر الأموال ، فالقصد منها الانتفاع بعينها .

التالي السابق


الخدمات العلمية