صفحة جزء
ويباح للرجال من الفضة الخاتم وقبيعة السيف ، وفي حلية المنطقة روايتان ، وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل ، ومن الذهب قبيعة السيف ، وما دعت إليه الضرورة كالأنف وما ربط به أسنانه ، وقال أبو بكر : يباح يسير الذهب ، ويباح للنساء كل ما جرت عادتهن بلبسه ؛ قل أو كثر ، وقال ابن حامد : إن بلغ ألف مثقال حرم ، وفيه الزكاة .


( ويباح للرجال من الفضة الخاتم ) : " لأنه - عليه السلام - اتخذ خاتما من ورق " متفق عليه . قال أحمد : في خاتم الفضة للرجل : ليس به بأس ، واحتج بأن ابن عمر كان له خاتم . رواه أبو داود ، وظاهر ما نقل عن أحمد : أنه لا فضل فيه ، وجزم به في " التلخيص " وغيره ، وقيل : يستحب ، قدمه في " الرعاية " وقيل : [ ص: 372 ] يكره لقصد الزينة ، جزم به ابن تميم ، والأفضل جعل فصه مما يلي كفه ، وله جعل فصه منه ومن غيره ، والمنقول أنه يجعله في يساره ؛ لأنه أثبت ، وضعف في رواية الأثرم التختم في اليمين ، وقيل : اليمين أفضل ، لأنها أحق بالإكرام ، ويكره في السبابة والوسطى للنهي عنه ، قال أبو المعالي : والإبهام مثلهما ، فالبنصر مثله ولا فرق .

فائدة : يسن أن يكون دون مثقال ، قاله في " الرعاية " وظاهر كلام أحمد والمؤلف : لا بأس بأكثر من ذلك لضعف خبر بريدة ، والمراد ما لم يخرج عن العادة ، وإلا حرم ؛ لأنه الأصل ، ويكره أن يكتب عليها ذكر الله أو غيره ، وفي " الرعاية " أو رسوله ، وفي " الفروع " يتوجه احتمال لا يكره ، وقاله أكثر العلماء للنص الصريح .

فرع : لو اتخذ لنفسه عدة خواتيم ، لم تسقط الزكاة فيما خرج عن العادة ، إلا أن يتخذ ذلك لولده أو عبده ، وظاهر كلام جماعة : لا زكاة ( وقبيعة السيف ) لقول أنس : " كانت قبيعة سيف النبي - صلى الله عليه وسلم - فضة " رواه الأثرم ، والقبيعة : ما يجعل على طرف القبضة ، وعبارة الخرقي أعم ؛ وهي مقتضى كلام أحمد ، وعليه اعتمد الشيخ تقي الدين في " شرحه " قال هشام : كان سيف الزبير محلى بالفضة . رواه الأثرم ، ولأنها حلية معتادة للرجل ، أشبهت الخاتم ( وفي حلية المنطقة ) وهي ما شددت به وسطك . قاله الخليل ، وتسميها العامة : الحياصة ( روايتان ) أصحهما : أنه يباح ؛ لأن الصحابة اتخذوا المناطق محلاة بالفضة ؛ وهي كالخاتم ، والثانية : [ ص: 373 ] لما فيه من الفخر والخيلاء ؛ ولأنها تشعر بالتخنث والانحلال ، أشبه الطوق والدملج ( وعلى قياسها ) حلية ( الجوشن ) ، وهو الدرع ( والخوذة ) وهي البيضة ( والخف والران ) وهو شيء يلبس تحت الخف معروف ( والحمائل ) واحدتها حمالة ، قاله الخليل ، وذلك كله يساوي المنطقة معنى ، فوجب أن يساويها حكما ، قاله الأصحاب ، وعلله المجد بأنه يسير فضة في لباسه ، وجزم في " الكافي " بإباحة الكل ، ونص أحمد في الحمائل بالتحريم ، وظاهر كلام بعضهم أن الخلاف - أيضا - في المغفر والنعل ورأس الرمح وشعيرة السكين ، قال الشيخ تقي الدين : وتركاش النشاب ، والكلاليب ؛ لأنه يسير تابع ، ولا يباح غير ذلك كتحلية المراكب ، ولباس الخيل كاللجم ، وعلبة الدواة ، والمقلمة ، والمرآة ، والكمران ، والمشط ، والمكحلة ، والميل ، والقنديل ( و ) يباح للرجل ( من الذهب قبيعة السيف ) لأن عمر كان له سيف وسبائك من ذهب ، وعثمان بن حنيف كان في سيفه مسمار من ذهب ، ذكرهما أحمد ، وقيدها باليسير مع أنه ذكر أن قبيعة سيف النبي - صلى الله عليه وسلم - كان وزنها ثمانية مثاقيل ، فيحتمل أنها كانت ذهبا وفضة ، وقد رواه الترمذي كذلك ، وعنه : يحرم . قال الأثرم : سألت أبا عبد الله : يخاف عليه أن يسقط ، يجعل فيه مسمارا من ذهب ؛ قال : إنما رخص في الأسنان ( وما دعت إليه الضرورة كالأنف ) وإن أمكن اتخاذه من فضة ؛ : " لأن عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب ، فاتخذ أنفا من فضة ، فأنتن عليه ، فأمره النبي [ ص: 374 ] فاتخذ أنفا من ذهب " رواه أبو داود وغيره ، وصححه الحاكم ، والحكمة في الذهب لا يصدأ ، بخلاف الفضة ( وما ربط به أسنانه ) لما روى الأثرم عن موسى بن طلحة ، وأبي حمزة الضبعي ، وأبي رافع ، وثابت البناني ، وإسماعيل بن زيد بن ثابت ، والمغيرة بن عبد الله أنهم شدوا أسنانهم بالذهب ؛ وهي ضرورة ، فأبيح كالقبيعة بل أولى ، ويتوجه جوازه في الأنملة كالسن . وظاهره : يحرم عليه يسير ذلك منفردا كالأصبع والخاتم إجماعا ، وذكر بعض العلماء كراهته ، وعن بعضهم إباحته ( وقال أبو بكر : يباح يسير الذهب ) مطلقا ، لقوله : نهي عن لبس الذهب إلا مقطعا ، وقيل : يباح في سلاح ، واختاره الشيخ تقي الدين ، وقيل : كل ما أبيح تحليته بفضة أبيح بذهب ، وكذا تحلية خاتم الفضة به ، والصحيح التحريم كالكثير للعموم ، ولما روى أحمد من رواية شهر بن حوشب ؛ وهو مختلف فيه ، عن أسماء بنت يزيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يصلح من الذهب شيء ، ولا خربصيصة " انتهى ؛ وهي القطعة من الحلي بقدر عين الجرادة ؛ ولأن فيه سرفا ( ويباح للنساء كل ما جرت عادتهن بلبسه ) كالطوق من الحلق ، والخلخال ، والسوار ، والقرط في الأذن ، وظاهره من ذهب وفضة ، قال الأصحاب : وما في المخانق ، والمقالد من حرائر وتعاويذ ، قال جماعة : والتاج ، وما أشبه ذلك ؛ لقوله - عليه السلام - : " أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي ، وحرم على ذكورها " وهي محتاجة إلى التجمل والتزين لزوجها ، وظاهره : أن ما لم تجر العادة بلبسه [ ص: 375 ] كالثياب المنسوجة بالذهب ، والنعال الذهب ، لا يباح لهن لانتفاء التجمل ، فلو اتخذته حرم ، وفيه الزكاة ( قل أو كثر ) ؛ لأن الشارع أباح لهن التحلي مطلقا ، فلا يجوز تقييده بالرأي والتحكم ( وقال ابن حامد : إن بلغ ألف مثقال حرم ، وفيه الزكاة ) لما روى أبو عبيد عن جابر ، ورواه الشافعي عنه أيضا ؛ ولأنه سرف وخيلاء ، ولا حاجة إليه ، وقال في " التلخيص " : إن بلغ ألفا فهو كثير ، فيحرم للسرف ، ولعل مراده عن الذهب ، كما صرح به بعضهم ، وأباح القاضي ألف مثقال فما دون ، ويعتبر مجموعه لا مفرداته ، وقال ابن عقيل : يباح المعتاد ، فإن بلغ الخلخال ونحوه خمسمائة دينار فقد خرج عن العادة ، وتحقق السرف ، فلم يبح ، والأصح الأول ، وحديث جابر ليس بصريح ، بل يدل على التوقف ، ونقل الجوزجاني عنه أنه قال : ليس في الحلي زكاة ، وإن بلغ ألف مثقال ، لأنه يعار ويلبس .

فرع : يجوز للمرأة التحلية بدراهم أو دنانير معراة ، وفي مرسلة في وجه ، وعليها تسقط الزكاة .

مسألة : يجوز للمرأة والرجل التحلي بالجوهر ، ولا زكاة فيه ؛ لأنه معد للاستعمال كثياب البذلة إلا أن يكون لتجارة ، فيقوم جميعه تبعا ، وذكر أبو المعالي : يكره للرجل ، قال في " الفروع " : ولعل مراده غير تختمه بذلك ؛ وهو ظاهر ، فأما تشبه الرجل بالمرأة ، وعكسه ، فيحرم ، واحتج أحمد بلعن المتشبهات من النساء بالرجال ، وجزم جماعة بالكراهة مع جزمهم بتحريم اتخاذ [ ص: 376 ] أحدهما حلي الآخر ليلبسه ، وحكى ابن حزم الاتفاق على إباحة تحلي النساء بالجواهر والياقوت ، واختلفوا في ذلك للرجال إلا في الخاتم ، فإنهم اتفقوا على أن التختم لهم بجميع الأحجار مباح ، ويستحب بالعقيق ؛ لقوله : " تختموا بالعقيق فإنه مبارك " وضعفه العقيلي ، وفي دعوى ابن الجوزي أنه من الموضوعات نظر ، ويكره لهما خاتم حديد ، وصفر ، ونحاس ، ورصاص ، نص عليه ، نقل منها : أكره خاتم الحديد ؛ لأنه حلية أهل النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية