صفحة جزء
[ ص: 377 ] باب زكاة العروض

تجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصابا ، ويؤخذ منها لا من العروض ، ولا تصير للتجارة إلا أن يملكها بفعله بنية التجارة بها ، فإن ملكها بإرث ، أو ملكها بفعله بغير نية ، ثم نوى التجارة لم تصر للتجارة ، وإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة ، وعنه : أن العروض يصير للتجارة بمجرد النية .


باب زكاة العروض

هي جمع عرض بإسكان الراء ؛ وهو ما عدا الأثمان ، والحيوان ، والنبات ، وبفتحها فهو كثرة المال ، والمتاع ، وسمي عرضا ؛ لأنه يعرض ثم يزول ويفنى ، وقيل : لأنه يعرض ليباع ويشترى تسمية للمفعول باسم المصدر ، كتسمية المعلوم علما ، وفي اصطلاح المتكلمين : هو الذي لا يبقى زمانين ، وبوب عليه في " المحرر " ، و " الفروع " تبعا للخرقي بزكاة التجارة ؛ وهي أشمل لدخول الإيجار في النقدين ، وعدل المؤلف عنه ؛ لأنه ترجم في أول كتاب الزكاة والعروض ( تجب الزكاة في عروض التجارة ) لقوله تعالى : والذين في أموالهم حق معلوم [ المعارج : 24 ] ، و خذ من أموالهم صدقة [ التوبة : 103 ] ومال التجارة أعم الأموال ، فكانت أولى بالدخول ، واحتج الأصحاب بما روى جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثني خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه قال : أما بعد : " فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع " رواه أبو داود . قال ابن حزم : جعفر وحبيب مجهولان ، وقال الحافظ عبد الغني : إسناده مقارب ، وعن أبي ذر مرفوعا : " وفي البز صدقته " رواه أحمد ، ورواه الحاكم من طريقين ، وصحح إسنادهما ، وقال : إنه على شرط الشيخين ، واحتج أحمد بقول عمر : قومها ثم أد زكاتها . وقال المجد : هو إجماع متقدم ، وذكر الشافعي في القديم أن الناس اختلفوا في ذلك فقال بعضهم : لا زكاة ، وقال بعضهم : يجب ، قال : وهو أحب إلينا ، ومن أصحابه من أثبت له قولا في القديم : [ ص: 378 ] لا يجب ، وحكاه أحمد عن مالك ، واحتج بقوله - عليه السلام - : " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق " ، ولأن الأصل عدم الوجوب ، والأول قول الجماهير ، وادعاه ابن المنذر إجماع أهل العلم ، ولأنه مال نام ، فوجبت فيه الزكاة كالسائمة ، وخبرهم المراد به زكاة العين لا القيمة على أن خبرنا خاص ؛ وهو متقدم على خبرهم العام ( إذا بلغت قيمتها نصابا ) وحال عليها الحول ؛ لأنه مال نام ، فاعتبر له ما ذكرنا ، كالماشية ، فعلى هذا لو نقصت قيمة النصاب في بعض الحول ثم زادت القيمة فبلغته ابتدئ حينئذ ، كسائر أموال الزكاة ( ويؤخذ منها ) أي : من القيمة ؛ لأنها محل الوجوب كالدين ، ربع العشر ، وما زاد فبحسابه لتعلقها بالقيمة ( لا من العروض ) إلا أن يقول بإخراج القيمة ، فيجوز بقدرها وقت الإخراج ، وتتكرر الزكاة لكل حول ، نص عليه ( ولا تصير ) العروض ( للتجارة إلا ) بشرطين أحدهما ( أن يملكه بفعله ) سواء كان بعوض كالبيع والنكاح أو لا ، كالهبة والغنيمة ، هذا هو الأشهر ، وأنه لا تعتبر المعاوضة ؛ لظاهر خبر سمرة ، ولأنه ملكها بفعله ، واختار في " المجرد " أنه يعتبر المعاوضة محضة كبيع وإجارة أو لا ، كنكاح ، وخلع ، وصلح عن دم عمد . قال المجد : وهو نصه في رواية ابن منصور ؛ لأن الغنيمة والهبة ليستا من جهات التجارة كالموروث ، وعنه : يعتبر كون العوض نقدا ، ذكره أبو المعالي ، لاعتبار النصاب بهما ، فيعتبر أصل وجودهما . الثاني : ونبه عليه بقوله ( بنية التجارة بها ) عند التملك ؛ لأن الأعمال بالنية ، والتجارة عمله ، فوجب اقتران النية به كسائر الأعمال ؛ ولأنها مخلوقة في الأصل للاستعمال ، فلا يضر للتجارة إلا بنيتها ، كعكسه ، وتعتبر [ ص: 379 ] النية في كل الحول ؛ لأنه شرط أمكن اعتباره في جميعه ، فوجب كالنصاب ( فإن ملكها بإرث ) ولو نواها ( وملكها بفعله بغير نية ، ثم نوى التجارة لم تصر للتجارة ) اختاره الخرقي ، والقاضي ، وأكثر الأصحاب ؛ لأن ما لا يتعلق به الزكاة من أصله لا يصير محلا بمجرد النية ، كالمعلوفة إذا نوى فيها إسامتها ؛ ولأن مجرد النية لا ينقل عن الأصل ؛ إذ الأصل فيها النية ( وإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ، ثم نواه للتجارة ، لم يصر للتجارة ) هذا ظاهر " المذهب " ، وفي " الشرح " أنه لا يختلف المذهب فيه ؛ لأن القنية هي الأصل ، فيكفي في الرد إليه مجرد النية ، كما لو نوى بالحلي التجارة ، والمسافر الإقامة ؛ ولأن نية التجارة شرط للوجوب فيها ، وإذا نوى القنية زالت نية التجارة ، ففات شرط الوجوب ، بخلاف السائمة إذا نوى علفها ، فإن الشرط الإسامة دون نيتها ( وعنه : إن العروض تصير للتجارة بمجرد النية ) نقلها صالح وغيره ، واختارها أبو بكر ، وابن عقيل ، وجزم بها في " التبصرة " " والروضة " لعموم حديث سمرة ؛ ولأن نية القنية كافية بمجردها ، فكذا شبه التجارة ، بل أولى ؛ إذ الإيجاب يغلب على الإسقاط احتياطا ، والفرق ظاهر ، فعلى الأول لا شيء فيها حتى تباع ، ويستقبل بثمنها حولا .

فرع : إذا كان عنده ماشية للتجارة نصف حول ، فنوى بها الإسامة ، وقطع نية التجارة ، انقطع حولها ، واستأنف حول السائمة ؛ لأن حول التجارة انقطع بنية الاقتناء ، وحول السائمة لا ينبني على حول التجارة ، قال المؤلف : والأشبه بالدليل أنها متى كانت سائمة في أول الحول وجبت الزكاة فيها عند تمامه ، [ ص: 380 ] وروي عن إسحاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية