صفحة جزء
[ ص: 177 ] باب الغسل

وموجباته سبعة : خروج المني الدافق بلذة ، فإن خرج لغير ذلك لم يوجب فإن أحس بانتقاله ، فأمسك ذكره ، فلم يخرج ، فعلى روايتين وإن خرج بعد الغسل ، أو خرجت بقية المني ، لم يجب الغسل وعنه يجب ، وعنه : يجب إذا خرج قبل البول دون ما بعده .


باب الغسل

هو مصدر ، من غسل الثوب والبدن ، يغسله غسلا ، قال عياض : بالفتح الماء ، وبالضم : الفعل ، وذكر ابن بري : أن غسل الجنابة بفتح الغين ، وقال ابن مالك : بالضم : الاغتسال والماء الذي يغتسل به .

وقال الجوهري : غسلت الشيء غسلا بالفتح ، والاسم : الغسل بالضم ، وبالكسر : ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره ، وهو واجب إجماعا ، وسنده وإن كنتم جنبا فاطهروا [ المائدة 6 ] يقال : رجل جنب ، وكذا المثنى والمجموع ، قال الجوهري : وقد يقال جنبان وجنبون ، وفي " صحيح مسلم " " ونحن جنبان " سمي به ، لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة ، وقيل : لمجانبته الناس حتى يتطهر ، وقيل : لأن الماء جانب محله ، والأحاديث مشهورة بذلك .

( وموجباته سبعة ) وفي " المحرر " و " الفروع " ستة .

( خروج المني ) من مخرجه ، فإن خرج من غيره ، كما لو انكسر صلبه فخرج منه ، لم يجب ، وحكمه كالنجاسة المعتادة ( الدافق بلذة ) ولو دما ( فإن خرج لغير ذلك كمرض أو برد أو كسر ظهر ( لم يوجب ) في أصح الروايتين لما روى علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا فضخت الماء فاغتسل ، وإن لم تكن فاضخا فلا تغتسل رواه أحمد ، والفضخ : هو خروجه بالغلبة ، قاله إبراهيم [ ص: 178 ] الحربي ، ويستثنى منه النائم ، فعلى ما ذكره يكون نجسا ، وليس مذيا ، قاله في " الرعاية " .

والثانية : يجب ، ذكرها ابن عبدوس ، والقاضي ، وأخذها من نصه فيمن جامع ، ثم اغتسل ، ثم أنزل ، فعليه الغسل ، مع أن ظاهر حاله أنه يخرج لغير شهوة ، وفي الصحيحين عن أم سلمة أن أم سليم قالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق ، هل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؛ قال : نعم إذا رأت الماء وقال عليه السلام في حديث علي : وفي المني الغسل رواه الخمسة ، وصححه الترمذي ، وهذا ما لم يصر سلسا ، قاله القاضي ، وجمع ، فيجب الوضوء فقط ، لكن قال في " المغني " و " الشرح " : يمكن منع كون هذا منيا ، لأن الشارع وصفه بصفة غير موجودة فيه ، وظاهره : أنه واجب بالخروج ، ويتوجه بإرادة القيام إلى الصلاة .

فائدة : المني يخلق منه الحيوان ، لخروجه من جميع البدن ، وينقص به جزء منه ، ولهذا يضعف بكثرته فيجبر بالغسل .

( فإن أحس بانتقاله ) من ظهره ( فأمسك ذكره فلم يخرج ، فعلى روايتين ) إحداهما : لا يجب ، اختارها المؤلف ، والشيرازي ، وهي ظاهر الخرقي ، لما تقدم من الأخبار ، إذ الحكم في الجميع مرتب على الرؤية ، لأن الشهوة بمجردها لا توجب غسلا ، لأنها أحد وصفي العلة ، ويسمى جنبا ، ولا يحصل إلا بخروجه .

[ ص: 179 ] والثانية : بلى ، وهي المذهب المنصوص عنه ، وجزم بها الأكثر ، لأن الجنابة أصلها البعد لقوله تعالى والجار الجنب [ النساء 36 ] أي : البعيد ، ومع الانتقال قد باعد الماء محله ، فصدق عليه اسم الجنب ، وإناطة للحكم بالشهوة ، وتعليقا له على المظنة ، إذ بعد انتقاله يبعد عدم خروجه قيل : ومحلهما فيما إذا لم يخرج إلى قلفة الأقلف ، وفرج المرأة ، أما إذا خرج إليهما فإنه يجب رواية واحدة .

فعلى الأولى يجب الغسل إذا خرج ، رواية واحدة ، ذكره ابن تميم ، وغيره ، وإن خرج بغير شهوة ، لأن انتقاله كان لشهوة ، زاد في " الرعاية " وأعاد ما صلى .

وعلى الثانية : يحصل به البلوغ ، والفطر ، وفساد النسك ، ووجوب بدنة في الحج ، حيث وجبت لخروج المني . قاله القاضي في " تعليقه " إلزاما ، وجعله ابن حمدان وجها وبعده ، وأطلق في " الفروع " الوجهين ، وكذا انتقال حيض ، قاله الشيخ تقي الدين .

( وإن ) قلنا : يجب بالانتقال فاغتسل له ، ثم ( خرج بعد الغسل أو ) اغتسل لمني خرج بعضه ، ثم ( خرجت بقية المني ، لم يجب الغسل ) ذكر الخلال : أنه الذي تواترت عليه الرواية ، واختاره القاضي ، وابن أبي موسى ، وجزم به في " الوجيز " لما روى سعيد عن ابن عباس : أنه سئل عن الجنب ، يخرج منه الشيء بعد الغسل قال : يتوضأ . وكذا ذكره الإمام أحمد عن علي ، ولأنه مني واحد ، [ ص: 180 ] فأوجب غسلا واحدا كما لو خرج دفعة واحدة ، لأنه خارج لغير شهوة ، أشبه خروجه في البرد ، وبه علل أحمد قال : لأن الشهوة ماضية ، وإنما هو حدث ، أرجو أنه يجزئه الوضوء .

( وعنه : يجب ) قدمها في " الرعاية " وصححها المؤلف ، لأن الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث ، فيناط الحكم به .

( وعنه : يجب إذا خرج قبل البول ) اختاره القاضي في تعليقه ، لأنه بقية مني دافق بلذة ( دون ما بعده ) لأن الظاهر أنه غير الأول ، وقد تخلف عنه شرطه ، وهو الدفق واللذة ، وروي نحوها عن علي ، وضعفه أحمد ، وعنه : يجب إذا خرج بعد البول دون ما قبله ، لأنه مني جديد ، ولو كان من بقية الأول لما تخلف ، وكذا لو جامع فلم ينزل ، واغتسل ، ثم خرج لغير شهوة ، وجزم جماعة ، وهو المنصوص : يغتسل ، وظاهره أنه لا يجب بمجرد الاحتلام إنزال ، وهو المنصوص لحديث عائشة ، وعنه : بلى ، وعنه : إن وجد لذة الإنزال ، فعلى الأول : إن خرج لشهوة اغتسل في الحال ، وإلا فروايتا الانتقال ، والمنصوص : أنه يجب لئلا يلزم انتقال مني ، وخروجه من غير اغتسال ، وعلم مما تقدم أنه إذا وطئ دون الفرج ، فدب منيه ، فدخل فرج المرأة ، ثم [ ص: 181 ] خرج أو وطئ في الفرج ، ثم خرج من فرجها بعد غسلها ، أو خرج ما استدخلته بقطنة أو غيرها ، ولم ينزل منيها ، قال ابن حمدان : أو خرج ما دخله من مني امرأة بسحاق ، فإنه لا يجب على المنصوص ، وفي الكل وجه .

مسألة : إذا انتبه بالغ ، أو من يحتمل بلوغه ، فوجد بللا جهل أنه مني ، وجب على الأصح ، كمن ذكر معه حلما ، نص عليه ، لحديث عائشة رواه أحمد ، واحتج به ، وغسل بدنه ، وثوبه احتياطا ، ولا يجب ، والثانية : لا يجب ، ذكرها الشيخ تقي الدين ، لأنه يحتمل أن يكون منيا أو مذيا ، وهو طاهر بيقين فلا يزول بالشك ، وإن وجده يقظة ، وشك فيه توضأ ، ولا يلزمه غسل ثوبه وبدنه ، وقيل : يلزمه حكم غير المني . قال في " الفروع " : ويتوجه احتمال حكمهما ، وإن سبق نومه نظر أو برد أو ملاعبة لم يجب ، نص عليه ، وعنه : بلى ، وعنه : إن ذكر معه حلما ، وإن تيقنه مذيا ، فلا ، وإن رأى منيا بثوب ينام فيه ، وقال أبو المعالي ، والأزجي : لا بظاهره لجوازه من غيره اغتسل ، ويعمل في الإعادة باليقين ، وإن كان ينام فيه هو وغيره ، فلا ، على الأصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية